ب اوه

بي اوهو

نوشيرك بريد /الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟ /وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام  /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. /لابثين فيها أحقابا/ المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر / /ُمَّاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف

الخميس، 7 أبريل 2022

عجز العقل العلماني / عيد الدويهيس

 

عجز العقل العلماني  عيد الدويهيس 

حقوق الطبع

حقوق طبع هذا الكتاب مهداة من المؤلف إلى كل مسلم وجزى الله خيراً من طبعه أو أعان على طبعه وغفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين .

الطبعة الأولى شوال 1420هـجرية يناير 2000 ميلادية المحتويات

 

الموضوع

الصفحة

 

مقدمة.... . ..........

7

1

 العلم الفكري والعلم المادي.... .........

9

2

 أنواع العلم ........................................................

19

3

 الإجابات العلمانية... ..................

22

4

 عجز العقل العلماني .... .......

32

5

 العلمانية منبع الجهل .

42

6

 الأسس الجاهلية للعلمانية ...........................................

48

7

 العلمانية والعلم الفكري ..............................................

62

8

 من سلبيات العلمانية ...............................................

70

9

 الطريق إلى الحقائق الفكرية ........................................

80

10

 شبهات حول الحقائق الفكرية........................................

93

11

 لماذا انتشرت العلمانية ؟ ...........................................

104

12

 الإسلام والعقل ....................................................

114

13

 الإسلام والعلمانية ..................................................

129

14

 المرأة والعلمانية....................................................

145

15

 الإسلام هو العلم الفكري ...........................................

153


مقدمـة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: فهذا الكتاب عبارة عن رحلة للبحث عن الحقائق في عالم المبادئ ، رحلة تبحث أين الحق والصواب ؟ وأين الباطل والخطأ ؟ وما هو العلم وما هو الجهل؟ وسنتطرق فيه للعقل والفلسفة والدين والواقع والتاريخ ، وسنتحدث عن العلمانية والإسلام والرأسمالية والشيوعية وأصول العقائد والمبادئ، وما هو نصيبها من الحقائق والأوهام والظنون؟ وحاولت أن نخرج جميعاً من أي انحياز لبيئة أو انفعال أو ظن همنا هو الوصول للعلم والنور...........

أعطيت العلمانية حقها كاملاً بأن تدافع عن نفسها واستشهدت بما قاله أهلها ، وسرت معها حتى آخر الطريق وشرحت وجهة النظر الإسلامية بصورة موضوعية بعيداً عن تطرف المتطرفين ، وتساهل المفرطين

هذا الكتاب عبارة عن عمليات جراحية في الأسس والأصول التي تنطلق منها المبادئ الرئيسية التي نعرفها من دينية وغير دينية هذه المبادئ التي تحدد لنا العقائد والنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتحدد لنا معاني العدل والحرية وحقوق الإنسان ، أي : ما هي المبادئ الصحيحة وما هي الخاطئة ؟ والمبادئ الصحيحة أي الحقائق الفكرية هي الأساس في بناء الفرد والأسرة والشعب والدولة. والتطرق إلى موضوع بهذه الأهمية يتطلب الشرح والتفصيل والإثباتات والصبر ، ويتطلب القراءة العميقة المتأنية ، والقدرة على الربط بين الأفكار المختلفة ، وقد حاولت قدر المستطاع أن أكتب هذا الموضوع بطريقة علمية ومنطقية ، وأعطي كل موضوع حقه ، وأتمنى ألا يستعجل البعض في إطلاق أي اتهامات أو نقد فقد تم إعداد الكتاب بعد الرجوع إلى مراجع كثيرة ومتنوعة ، وبعد حصيلة كبيرة امتدت لسنين طويلة من القراءة والمعايشة والحوار في علوم كثيرة فكرية ومادية ، وأحمد الله سبحانه وتعالى الذي أنعم علي من خلال تعليمي وعملي وقراءاتي وعلاقاتي أن أتعامل مع أنواع مختلفة من العلوم كالكيمياء

والأحياء والبحث العلمي والإدارة والإسلام والفلسفة والعلمانية والرأسمالية والاشتراكية ، واستفدت من كل ما تعلمت في وضع النقاط على الحروف في الوصول للحقائق الفكرية .

أسئلة كثيرة يجيب عليها هذا الكتاب منها ما هي أنواع العلم ؟ وهل العلمانية هي الطريق إلى الحقائق ؟ وما هي العلاقة بين العلمانية والفلسفة ؟ وما هو الأسلوب الصحيح في الوصول للحقائق بنوعيها المادي والفكري ؟ وما هي العلاقة بين الإسلام والعقل ؟ وما هو العدل ؟ وما هي الحرية ؟ وهذه الأسئلة وغيرها تستحق أن نقف عندها ونتعمق فيها إذا كنا نريد أن نبني حياتنا على أسس علمية وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا لما يحبه ويرضاه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه، وفي الختام أجد من واجبي أن أشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا الكتاب ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيهم خير الجزاء ، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم ، وأسال كل من انتفع بشيء منه أن يدعو لي ولوالدي وللمسلمين أجمعين  .

 

 

 

 

 

  عيد بطاح الدويهيس

الكويت في 2 جمادى الأولى 1420هـ

  13 أغسطس 1999م

 


العلم الفكري والعلم المادي

 

من أهم القضايا التي ستساهم بإذن الله في وصولنا إلى الحقائق هو تقسيمها إلى قسمين رئيسين (هناك أقسام أخرى فرعية سنتطرق إليها لاحقاً )، وهما الحقائق الفكرية، والحقائق المادية، ولنسميهما، العلم الفكري والعلم المادي وعكسهما الجهل الفكري والجهل المادي .

فالعلم الفكري هو الذي يبحث عن الحقائق في مجال العقائد والقضايا السياسية والحياة الاجتماعية، والحياة الاقتصادية أي هل الحق مع العقائد الدينية أو مع اللادينية (العلمانية) وهل نطبق في الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية النظام الرأسمالي أم الشيوعي أم الإسلامي ؟ وما هو التعريف الصحيح للحرية أو العدل ؟ وهل أصاب أو أخطأ هذا الفيلسوف أو ذاك في قوله ؟ وما هو موقفنا من الديمقراطية أو فصل الدين عن الدولة أو من الأحزاب السياسية ؟ وما هي مناهج الإصلاح الصحيحة ؟ وما هي الأسس الصحيحة للعلاقة الزوجية ؟ وكيف نربي أبناءنا ؟ وما هو الموقف الصحيح من الانتماءات العرقية ، وما في هذا العالم من عقائد أو أفكار وأنظمة وحكومات ؟ ومن هي قوى الخير والنور ؟ ومن هي قوى الشر والظلام ؟ ومن هو التقدمي ؟ ومن هو الرجعي ؟ ومن هو العالم ؟ ومن هو الجاهل ؟ فالعلم الفكري هو المبادئ والعقائد الصحيحة ، والجهل الفكري هو المبادئ والعقائد الخاطئة ، أما الحقائق المادية أي العلم المادي فهو الذي يتعلق بالأمور المادية مثل الكيمياء والفيزياء وعلم البحار والأحياء والطب والهندسة والحاسب الآلي والرياضيات والزراعة والتكنولوجيا والصناعة ... الخ وسنحاول أن نفرق في النقاط التالية بين العلم الفكري والعلم المادي :

 

1- الوصول إلى الحقائق المادية يتم من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج، أما الوصول للحقائق الفكرية فهو من خلال الأدلة الفكرية ، ففي العلم المادي يمكن من خلال مشاهدة تجربة غليان الماء عند 100 درجة مئوية في الظروف العادية أن نعتبر غليان الماء عند هذه الدرجة حقيقة مادية، أما بالنسبة للعلم الفكري فلا يمكن أن نحكم على صواب أو خطأ فكرة مثل هل لهذا الكون خالق؟ من خلال تجربة ومشاهدة واستنتاج، كما أن معرفة أي الأنظمة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية المناسبة لحياة البشر لا يمكن الوصول فيها إلى حقائق حاسمة من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج: وذلك لأن الإنسان لا يتصرف كما يتصرف الماء ( المادة ): فبعض البشر يطغى ويتكبر إذا حصل على المال الكثير، وبعضهم يتواضع،


 


وبعضهم كريم ، وبعضهم بخيل ، وبعضهم يحسن لمن أحسن إليه ، وبعضهم يقابل الإحسان بالإساءة ، فلا يمكن أن نستنتج حقائق فكرية ، فالنتائج متناقضة في حين أن كل ماء يغلي عند 100 درجة مئوية في الظروف العادية ، كما أننا حتى لو أخضعنا شعبا لتجارب فكرية بأن نجعله يطبق الرأسمالية لخمس سنوات ، ثم الإسلام ثم الشيوعية: ونكتب مشاهداتنا واستنتاجاتنا فإن ذلك لن يوصلنا إلى حقائق فكرية لأن التصرفات ستكون متناقضة ومختلفة فهناك عوامل كثيرة ستؤثر في هذه التجارب مثل : نوعية الشعب ، والظروف المحيطة ومن هم لجنة التحكيم؟ وهل تصرف الناس بإخلاص أو أظهروا خلاف ما نشاهد منهم وغير ذلك. قال الأستاذ العقاد : " أما العلوم الطبيعية " المادية " نفسها فليس من شأنها أن تخول أصحابها حق القول الفصل في المباحث الإلهية والمسائل الأبدية ، لأنها : من جهة مقصورة على ما يقبل المشاهدة والتجربة والتسجيل ، ومن جهة أخرى مقصورة على نوع واحد من الموجودات " (1)

 

2- لا يختلف البشر حول الحقائق المادية في الطب والزراعة والكيمياء والهندسة ، فالجامعات والمدارس في الولايات المتحدة الأمريكية الرأسمالية ، وفي روسيا الشيوعية ، وفي الدول الإسلامية تدرس نفس الحقائق المادية ، وهي متفقة عليها ، فعلماء الفيزياء على سبيل المثال متفقون على ما يعتبر حقائق مادية في علم الفيزياء ، وأثبتوا ذلك من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج ، في حين أن الاختلافات الفكرية بين المتخصصين في العلوم الفكرية كبيرة ولا يوجد حولها اتفاق فكري عالمي ، أو حتى محلي ، فهناك من يقول عن الرأسمالية أنها حق وصواب وهناك من يقول عنها باطل وخطأ وكذلك الأمر بالنسبة للإسلام والشيوعية والبوذية والهندوسية والنازية والعلمانية والتصوف والإلحاد ... الخ فالعالم كان ولا زال مختلفاً أشد الخلاف فيما هو حقائق فكرية ، بل لم يتفق البشر حتى يومنا هذا على صواب نظام اقتصادي أو اجتماعي ، بل حتى لم يتفقوا على تعريف واحد للحرية ، أو للعدل ، مع أننا نعيش في آخر القرن العشرين : ولدينا آلاف الجامعات والمفكرين قال د. ألكسيس كاريل: " إن كلا من الملحد والروحاني يتفقان على تحليل قطعة صوديوم كلورايد ( الملح ) ، ولكن شتان بين رأييهما حول الذات الإنسانية " (2)

 

 

 

 

 

3- حقق العلم المادي قفزات هائلة في مختلف فروعه ، فالطب اليوم متقدم بمئات المرات عن الطب قبل قرنين ، وتكنولوجيا الاتصالات حققت قفزات هائلة ، وعرفنا حقائق مادية كثيرة عن علم الكيمياء .. الخ ، ويتم تطوير المناهج التي تدرس هذه العلوم بسرعة كبيرة حتى تواكب الاختراعات والاكتشافات الجديدة ، ولا نجد في العلم المادي من يقول اليوم من علماء المادة أن

الأرض ليست كروية ، أو أن الذرة أصغر مكون للمادة ، في حين أن العلم الفكري لا زال يناقش القضايا التي كان يناقشها منذ آلاف السنين حول وجود الله سبحانه وتعالى ، وصحة الأديان ، وأصلح الأنظمة لحياة الإنسان ، ومعاني العدل والحرية ، وأسس الأمن الوطني ، وحقوق المرأة ... إلخ فالشيوعية والعنصرية والطبقية والأديان السماوية .. الخ عقائد تتصارع منذ آلاف السنين ، ولا زالت تتصارع حتى يومنا هذا ، وهذا يعني أن العقل البشري لم يصل في العلم الفكري إلى تقدم وقفزات فكرية قال آلان ريكاردسون في محاضرته " حقائق الدين في عصر العلم " هذا لأن وجودنا الإنساني الأساسي لم يتبدل ، فما يجعلنا أناساً ، أي كائنات تتحدد علاقتها مع الله ومع الآخرين ، هو نفسه ما كان أيام قدامى المسرحيين والأنبياء والفلاسفة لذلك يستطيع المسرحيون والأنبياء والشعراء أن يخبرونا عن وجودنا الإنساني الأساسي ما يخبرنا إياه المحدثون " (1) وقال الأستاذ هنترميد " وهكذا فإن المبتدئين ، سواء كانوا من الواثقين أم من غير الواثقين بأنفسهم ، يكتشفون عادة أنهم ليسوا وحيدين في تفكيرهم ، إذ أنهم سرعان ما يعلمون أنه لا جديد – إلا القليل جداً – تحت شمس الفلسفة ولابد أن تمر بالمرء لحظة هائلة ، قد تملكه فيها فرحة طاغية ، أو خيبة أمل عميقة عندما يكتشف أنه شريك في الفكر لأفلاطون ، أوبار كلي ، أواسبينيوزا " (2)  وقال الأستاذ أديب صعب " يخطئ من يظن أن الفلسفة القديمة كانت علما بدائيا يفتقر إلى التجربة الدقيقة " (3) وعموماً فالفـلاسفة والمفكرون وعلمـاء الإسلام والأديان السمـاوية لم يكونوا يعيـشون في أبراج عاجية منعزلين عن العـالم والواقع ، بل قرأوا ودرسوا وتأملوا وفكروا وحللوا وكتبوا ، فالنقاش الفكري الراقي موجود والموضوعات التي تم مناقشتها هي نفسها المواضيع الحالية المتعلقة


 بالكون والحياة والإنسان ولكن لم يتم الاتفاق على حقائق فكرية معينة بينهم ، وهذا وضع سيستمر وللأبد ، ولكن من يريد أن يصل للحقائق الفكرية بصدق وإخلاص ويسلك الطريق المؤدي إليها سيهديه الله سبحانه وتعالى ، ووجود تناقضات فكرية لا يعارض تحقيق تقدم فكري جزئي في فترات مختلفة من التاريخ القديم والحديث لمفكرين أو دول ، كالاقتناع بالمساواة والعدل والمشاركة الشعبية في الحكم والمقصود هنا أن الحيرة والتناقض هو في الأغلبية الساحقة من القضايا الفكرية ، وهي مشكلة إنسانية قديمة وحديثة .

4- تسعى الدول لاكتساب الحقائق المادية ، والتعرف عليها بشتى الوسائل : من تعليم وتدريب وتجسس لمالها من تأثيرات تكنولوجية واقتصادية في حين أن أغلبها تحارب بشتى الوسائل الآراء الفكرية لأعدائها كما حصل بين الدول الرأسمالية والدول الشيوعية ، فلا تعتبر الدول الآراء الفكرية للأعداء وللآخرين " حقائق فكرية " تحتاجها للرقي والحضارة ، بل تعتبرها " أخطاء وأوهام فكرية " يجب محاربتها ، وهذا يفسر لنا لماذا أصبح المفكرون الشيوعيون منبوذين من الحكم الروسي الجديد بعد سقوط الشيوعية ، في حين أن علماء الفيزياء والطب وغيرهم من العلوم المادية سيبقى لهم مكان في روسيا للحاجة إليهم في الصناعة والزراعة والمستشفيات .

5- من الصعب أو المستحيل أن يتكلم في علم الكيمياء أو الرياضيات أو الطب من لم يدرسه ومن لم يلتزم بحقائقه ، ولو فعل أحدهم ذلك لقال عنه علماء هذا العلم بأنه جاهل . في حين أن الكثيرين يتكلمون في العلم الفكري سواء كانوا فلاسفة أو سياسيين أو مفكرين أو متخصصين في الدراسات الدينية ، بل بعضهم يعتبرون أنفسهم علماء فيه ، فالملحد يعتبر نفسه مثقفاً وواعياً ، وكذلك المسلم والمسيحي وغيرهم وبإمكان الإنسان العادي أن يتكلم في العلم الفكري ويكتب وينتقد ويشرح ويفتي ويحدد الصواب من الخطأ في عقائد وأحكام وأنظمة وأفكار، فمن الصعب أن يدخل أحد في العلوم المادية إن لم يكن ذا علم فيها حيث سيجد جبهة من العلماء يرفضونه في حين أن الدخول في العلوم الفكرية سهل لأن علماء هذا العلم مختلفين ومتناقضين ولا توجد عندهم حقائق فكرية متفق عليها ، أو حتى قواعد عامة .

 

 

 

 

 

 

فوائد تقسيم العلم إلى فكري ومادي :

1- ما نريد أن نصل إليه في هذا الكتاب هو الحقائق الفكرية ، أي العلم الفكري لأن هناك اتفاق بشري حول الحقائق المادية أي العلم المادي ، فحقائقه معروفة ولا اختلاف حولها وعلماؤه متفقون والنجاحات التي يحققها في شتى المجالات معروفة للجميع . 

2- تقسيم العلم إلى نوعين فكري ومادي، أي حقائق فكرية وحقائق مادية هو ابتعاد عن أغلب التقسيمات التي نجدها في الكتب، والتي أرى أن أغلبها ساهم في خلط الأوراق وضياع الحقائق الفكرية من أول الطريق ، حيث ناقش الموضوع من خلال عناوين مثل الفلسفة والدين أو العقل والدين أو الدين والعلم أو العلوم الدينوية والعلوم الآخروية أو الأمور الحسية والأمور الغيبية أو أهل الكنيسة وأهل العلم أو قضايا الإيمان وقضايا العقل أو العلم والإيمان ... الخ في حين أنني ناقشت الموضوع من حيث ما هي الحقائق الفكرية أي العلم الفكري وكيف نصل إليه؟ فالقضية هي ما هو العلم " الحقائق الفكرية " وما هو الجهل " الأوهام والظنون الخاطئة " وأي تصنيف غير ذلك سيؤدي إلى الضياع والحيرة فالحقيقة هي المقبولة سواء كانت دنيوية أو غيبية أو عقلية أو فلسفية ... الخ وما هو ليس بحقيقة ليس مقبولاً .

3- لا شك أن العقل هو وسيلتنا للوصول للحقائق الفكرية ، فلا يتم قبول شيء بدون دليل عقلي واضح ، وسنضع كل المبادئ الرئيسة في ميزان عقلي عادل وموضوعي ، وسنقارن في أصولها وجذورها وحقها من الأدلة العقلية ، ويكون بحثنا في الأساس نظرياً حتى نبتعد عن التطبيقات الصحيحة أو الخاطئة في الواقع البشري لأي فكر ، وسنبتعد عن التأثر بالقوة فالميزان هو العقل ، وليس ما تقوله دولة عظمى أو صغرى ، وسنبتعد كذلك عن التأثر بالبيئات وبالمعلومات الخاطئة والتجارب الشخصية ، فسنأخذ ما يقول أهل المبادئ عن مبادئهم لا ما يقوله خصومهم ، وسنبتعد عن الماضي والتاريخ وإذا نجحنا إن شاء الله في ذلك سنكون ابتعدنا كثيراً عن ظنون وشبهات ومعلومات خاطئة تؤدي إلى الضياع .

4- تقسيم الحقائق إلى مادية وفكرية ، والعلم إلى علم مادي وعلم فكري من شأنه أن يسهل علينا الاقتناع بان التطور في مجال العلم المادي لا يعني بالضرورة التقدم في العلم الفكري ، فالبعض يربط بين الموضوعين ، وهذا يعني أن تقدم الدول الغربية في العلوم المادية لا يعني أنها بالضرورة متقدمة في العلوم الفكرية ، فقد تكون كذلك أولا ، وهذا يفسر أيضاً


 

 

 

التقدم المادي التكنولوجي الأمريكي والياباني مع اختلافاتهما الفكرية الكبيرة ، كما أن العكس صحيح أيضاً ، وقد نجد دولاً متخلفة في المجالين معا ، كما أن الاختلاف بين العلم المادي والعلم الفكري يجعلنا نفهم أن معارضة بعض علماء الدين المسيحيين أو المسلمين أو غيرهم لحقائق مادية هو في أساسه تدخل في مجال غير مجالهم ، وهناك استثناءات سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى في موضوع آخر ، كما أن تكلم أهل العلم المادي وخاصة العلماء منهم في القضايا الفكرية هو تكلم في مجال غير مجالهم ، كما أن استخدام الأساليب والمفاهيم والتجارب العلمية المادية في مجال العلم الفكري خطأ فادح ، وخلط للأوراق أدى إلى ضياع الحقائق الفكرية أو تشويهها .

5- من الأمور الهامة في بيان الحقائق الفكرية الاقتناع بأن هناك تشابه جزئي بين كثير من العقائد والأيدلوجيات ، فليس كل ما تقوله الشيوعية أو الرأسمالية خطأ ، بل هناك خطأ وصواب ، فمثلاً ليس الاختلاف بين النظام الإسلامي والدول الغربية هو في الديمقراطية وحقوق الإنسان وإنصاف المرأة ومبدأ الملكية الفردية أو المفاهيم الاقتصادية المتعلقة بدور القطاع الخاص والعرض والطلب وحرية التجارة والعمل والاستثمار أو السياسات الاقتصادية .. الخ بل الاختلاف هو مع العلمانية ، والهدف من الحياة والمفاهيم الصحيحة للحرية الشخصية ، وتحريم الزنا والخمر والربا ... الخ والذي يمكن اختصاره بكلمات قليلة في هل نختار توحيد الله سبحانه وتعالى وطاعته وشريعته ؟ أم نرفض ذلك ، أي هو اختلاف حول الحقائق الفكرية الكبرى ، ومثل هذا يقال أيضاً للاشتراكيين فنحن لا نختلف معهم حول أنصاف العمال والفقراء ومحاربة التبذير والإسراف والتعصب العرقي ، وهذا التشابه الفكري يجعلنا نقول بأن بعض المبادئ العلمانية حققت نجاحات جزئية ، وهذا لا يتعارض مع وجود جهل فكري كبير ، وفشل عريض في الجانب الأكثر منها ، فالمشكلة ليست فيما نتفق عليه بل في ما نختلف عليه ، لأنه منبع الشر والصراع في الأرض ، ونريد أن نعرف بأسلوب علمي ونقاش موضوعي من هو على حق ؟ ومن هو على باطل ؟ لأنه إذا كان من يعرف الحقائق المادية قادر على بناء مصانع ناجحة فإن من يعرف الحقائق الفكرية قادر إذا طبقها على بناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة على أسس من العدل والحرية والسعادة .

6- بداية نحن أمام احتمالين أما أن تكون هناك حقائق فكرية أو لا توجد حقائق فكرية فإذا


 

 

 

عجز العقل البشري عن الوصول للحقائق الفكرية ، فليس من حق أحد أن يقول إن مبادئي صحيحة ومبادئ الآخرين خاطئة لأنه لا توجد حقائق " علم فكري " ، أما إذا كانت هناك حقائق فكرية وصلنا إليها بعقولنا فإن هذه الحقائق هي النور والصواب والحكمة ويجب أن نستخدمها في حياتنا الفكرية بكافة جوانبها العقائدية والسياسية والشخصية ... الخ . فعلينا أن نقدسها وندافع عنها ولا نرفضها نتيجة أهواء أو شهوات أو تقاليد خاطئة أو اتباع للأباء والأجداد أو لمصالح أو لآراء شخصية أو تصويت شعبي أو قانوني أو رغبة حكومية ، فالحقائق تبقى حقائق حتى لو أنكرناها قال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء " الحقيقة حقيقة سواء صدقت أنت بها أم لم تُصدق إنها حقيقة ولو لم يصدقها أي عقل . الحقيقة حقيقة لأنها حقيقة ، وليس حقيقة لأن هناك عقل أو عقول صدقت بها الحقيقة باقية خالدة ولم لم يكن ثمة عقل " (1)  ومن صفات الحقيقة أنها فوق السلطات والأهواء والآراء والشهوات يربح ويسعد من يؤمن بها ويخسر ويشقى من يتجاهلها أو يرفضها باختصار الحقائق الفكرية لها نفس الحصانة العلمية للحقائق المادية، فالحقيقة الفكرية لا تتغير مع الزمن ، وهي قوة عظمى دائمة.

 

7- إذا كنا في مجال الحقائق المادية نستخدم عقولنا ونطبق التجربة والمشاهدة والاستنتاج، وما نصل إليه من حقائق نقبله بغض النظر عن آرائنا السابقة ، وتوقعاتنا وظنوننا فوصولنا إلى حقيقة أن الماء يغلي عند 100 درجة مئوية تجعل أي كلام غير هذا باطل ، ومرفوض ، فإن هذا هو المطلوب في الحقائق الفكرية نقول هذا لأننا نعلم أن هناك قناعات سابقة عند الكثيرين ، ونعلم أن هناك شبهات ومعلومات خاطئة نتوقع أن ترفض حتى ما يثبت العقل صوابه ، فالبعض قد يصل إلى الحقائق الفكرية أو بعضها ، ثم يقول لا أقبل هذا . هذا  تطرف ، هذا جمود ، هذا ظلم في حين أن الصحيح أننا لن نستطيع أن نحدد أهذا تطرف أم عدل أم ظلم قبل أن نعرف أولاً ما هي الحقائق الفكرية ؟ فالظلم هو أن تنحرف أو ترفض هذه الحقائق والعدل هو أن تطبقها وقبل أن نجمع الحقائق الفكرية في مجال الحرية لن نستطيع تعريفها تعريفاً صحيحاً ، فالطريق الصحيح هو أن عقولنا هي التي ستوصلنا بإذن الله تعالى إلى الحقائق ، وأن وصولنا للحقائق هو الذي سيحدد لنا الحرية الصحيحة ، والعدل الصحيح والعقائد


الصحيحة، ومن الأخطاء الكبرى في هذا الموضوع هو أن أدافع عن الحرية قبل أن أعرف ما هي الحقائق الفكرية لأن الحرية هنا تصبح إما هدف عام لا اختلاف بين البشر عليه ، أو مفاهيم كثيرة جداً متناقضة حسب ما لدى البشر من عقائد ، أي اعتقادات أن لديهم حقائق فكرية فالحقائق الفكرية هي التي تحدد معنى الحرية وليست الحرية هي التي تحدد لنا ما هي الحقائق ؟

 

8- يمكن تعريف المجتمع الراقي بأنه هو الذي يعرف ويطبق أكبر قدر من الحقائق الفكرية، والحقائق المادية ، وأن الفرد الراقي هو الذي تسلح بسلاح العلم الفكري ، وسلاح العلم المادي، فكلاهما له ثمرات طيبة يحتاجها الإنسان ، بل نرى أن الأولوية يجب أن تعطي للعلم الفكري لأنه مفتاح العدل والحرية والسعادة الأسرية والأخلاق الرفيعة والوفاء والتضحية والتواضع والتعاون والحب .. الخ وهذه الأمور لها علاقة بكل إنسان وعائلة وقبيلة وحزب وشعب وأمة ودولة ، فالعلم الفكري هو العمود الفقري لعقل الإنسان وعواطفه وسلوكه وعلاقاته ، فالجهل به سيؤدي إلى التعاسة والقلق والمشاكل والصراع .. الخ بحسب حجم الجهل ونوعه في حين أن أهمية العلم المادي أقل من ذلك ، ويكفيك منه مهنة كأن تكون طبيباً أو مدرساً أو عاملاً وقد تعيش طول عمرك وأنت لا تعرف أساسيات الكيمياء أو الزراعة أو الحاسب الآلي بل من يملك المال قد لا يحتاجه حتى لو تمتع بثمراته أما العلم الفكري فلا نستطيع الاستغناء عنه : أو الاكتفاء بأجزاء منه ، قال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء : " إمتلاك الحقائق اللامادية أهم بكثير من امتلاك الحقائق المادية ، وإن خالطك شك فيما أقول فقارن بين هاتين الثمرتين امتلاك السيارة ، والشفاء من القلق ، أيهما أعظم وأهم ؟ ثمرة الحقائق المادية السيارة والراديو والتلفزيون ... وثمرة الحقائق الروحية الخلاص من القلق الذي هو مفتاح السعادة ، إن لم يكن هو السعادة بعينها " (1)

 

9- يُقصد بالفلسفة : إيثار الحكمة ، أي البحث عن الحقائق بشكل عام سواء كانت مادية ، أو فكرية ، وأصبحت مع مرور الوقت متخصصة أكثر في القضايا الفكرية ، فالفلسفة والأديان والعلمانية والرأسمالية والشيوعية .. الخ هي جميعاً تبحث عن الحق والصواب في المجال الفكري ، أي تبحث عن الحقائق الفكرية ، ووجود التناقضات الكبيرة بين هذه المبادئ وغيرها


أدى إلى اختلافات وصراعات فكرية وسياسية وعسكرية واقتصادية ، فألفت الكتب الكثيرة التي تنتقد وتمدح ، وأقيمت المؤتمرات والندوات ، وأنشئت المؤسسات والجامعات والمدارس ، ومن يقرأ في كتب الفلاسفة والعلمانية وعلماء الأديان وغيرهم سيجد أن البشرية بحاجة ماسة ، لأن تضع الجهود الكبيرة ، وتسلط كثيراً من الأضواء على هذا الموضوع ، وتفكر بعقل صحيح وبموضوعية لا نريد مناقشات بيزنطية ولا جدل ، ولا مؤتمرات للدعاية الفكرية والسياسية ، ولا نريد " صراعاً " فكرياً بل نريد أن يجتمع بعض المخلصين الواعين بهدف البحث عن الحقائق الفكرية لخدمة البشر نريد أن نتحاور وندرس ونفكر ونناقش من أجل الوصول للحقائق ، وليس لأي هدف آخر نريد أن نخرج من تعصب وتقليد ومعلومات خاطئة وبيئات تربوية عشنا بها ، وتضليل إعلامي ، وغش علمي نعم ستبقى أغلب هذه المبادئ فهناك جهل وتعصب ومصالح وضياع وستبقى الاختلافات والصراعات ، ولكن نريد أن يكون المخلصون في خندق الحق والحقائق والصواب والخير لا في خندق لا أدري أو عقيدة ضالة أو ضائعة فكل الخنادق الأخرى هي خنادق الباطل والخطأ والشر .

 

10- علم الواقع : هناك حقائق أخرى يمكن أن نسميها " علم الواقع " وهي تتعلق بالإجابة عن أسئلة مثل ما هي أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمع ما ؟ وما هي العقائد الفعلية لجماعة أو حزب أو شعب ؟ وما الذي حدث في اليابان في القرن التاسع عشر ؟ وما هي حقائق الأوضاع الاقتصادية في الهند ؟ وما هي خلفيات هذا القرار أو الموقف ؟ ومن يتآمر على من ؟ ومن يملك أسلحة نووية ؟ وهناك اختلافات بين البشر في درجة معرفتهم بهذه الحقائق ، وهناك تناقضات كبيرة بينهم ، وحلها يتطلب جمع المعلومات الصحيحة ، وتحليلها كما يحدث في حل الغموض الذي يحدث في الجرائم ومعرفة هذه الحقائق أو بعضها ضروري ، ولكنها ليست موضوعنا في هذا الكتاب ، ومعرفة هذه الحقائق ذات أهمية خاصة في علم التاريخ وعلم السياسة وعلم الاقتصاد وأجزاء من علم الاجتماع وغير ذلك ، كما أن هناك علوم مثل الإدارة والتجارة والإعلام والموسيقى والشعر والأدب واللغات وغير ذلك ، وهي علوم وضع البشر لها أصولاً وقواعد وهي أيضاً ليست موضوعنا .

 

11- من الأمور الهامة جداً أن نعرف ما هو العلم ؟ وما هو الجهل ؟ فالعلم هو الحقيقة والحق والصواب والشيء الصحيح ، فعندما نقول في العلم المادي أن الماء يتكون من


 

 

الهيدروجين والأوكسجين ، فإن هذه حقيقة مادية أي علم ، ومن يعرفها يكون عنده جزء من العلم المادي ، والحقائق المادية كثيرة جداً ، وكلما زاد الإنسان معرفة بها أصبح عنده علم ، وقد يتميز به حتى يصبح عالماً ، أما من يجهل هذه الحقائق المادية فعنده جهل بها ، وإذا كان لا يدري مما يتكون الماء ، ولا يعرف حقائق مادية كثيرة ، فهو جاهل بالعلم المادي ، وكذلك يُعتبر جاهلاً من يعطي إجابات خاطئة على الأسئلة المادية ، وهذا ينطبق أيضاً على العلم الفكري ، فمن لديه حقائق فكرية لديه علم ، والحقائق الفكرية هي الإجابات الصحيحة على الأسئلة الفكرية ، أما من يعطي إجابات خاطئة ، أو لا يدري ، فعنده جهل ، وهو جاهل إذا كان لا يعرف الإجابات الصحيحة على الأسئلة الهامة في العلم الفكري ، وقد يكون الإنسان مثقفاً فكرياً ويعرف معلومات فكرية كثيرة عن الإسلام والرأسمالية والشيوعية، وغيرها ولكن لا يعرف أيها المنهج الصحيح ، أو ما هي الإجابة الصحيحة على سؤال فكري مع معرفته بإجابات مختلف الاطراف ، فهذا عنده ثقافة ، وليس علم ، فهو مثقف ولكنه جاهل ، وهذا يعني عندنا أربع مستويات في دائرة الفكر : أولها وأفضلها علم وثقافة وثانيها علم بلا ثقافة ، وثالثها ثقافة بلا علم ، ورابعها لا علم ولا ثقافة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أنواع العلم

تعريف العلم : هو الحقائق المادية والفكرية والواقعية ، وهذه أمور ثابتة لا تتغير مع الزمن ، وهي معلومات يقينية ليست ظنية ولا اجتهادية ولا افتراضية ، والوصول لها يتم من خلال أساليب علمية محددة ، والعلم هو إعطاء إجابات صحيحة على الأسئلة المطروحة ذات العلاقة .

تعريف الجهل : هو الظن والضياع ولا أدري ولا أعلم سواء في المجالات المادية أو الفكرية أو الواقعية ، وهو عدم معرفة الجواب الصحيح على الأسئلة المطروحة ، أو إعطاء إجابات خاطئة نابعة من آراء شخصية لم يتم الوصول لها بناء على أدلة يقينية .

أنواع العلم  

 

الموضوع

العلم المادي

العلم الفكري

علم الواقع

علوم الإدارة

والإعلام واللغات والموسيقى ...الخ

مجال الاختصاص

الحقائق المادية

الحقائق العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية

حقائق عن الواقع الحديث والقديم للشعوب سواء كانت عقائدية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تكنولوجية

مبادئ وأصول وضعها البشر في مجالات معينة للوصول لأغراض محددة

أمثلة من الأسئلة التي يتعامل معها العلم

ما هي درجة غليان الماء؟ ما هي الخواص الطبيعية لمادة الحديد ؟

ما هي العوامل المؤثرة في زراعة

هل لهذه الكون خالق ؟

هل يوجد أنبياء ؟ هل الإسلام مبدأ صحيح ؟

هل العلمانية مبدأ

ما هي أسباب ارتفاع نسبة الطلاق ؟

ما الذي حدث في اليابان في القرن التاسع

ما هي قواعد اللغة الألمانية ؟

ما الفرق بين الخطط القصيرة والطويلة ؟ ما هي الآلات

 

 

القمح ؟

كيف نجري عملية جراحية ناجحة في القلب ؟

كم عدد النجوم في مجرة فلكية محددة ؟ 

صحيح ؟

هل الربا خير أم شر ؟ ما هي الحرية ؟

ما هي حقوق المرأة ؟

كيف نربي طفالنا تربية صحيحة ؟

عشر ؟

ما حقيقة الأوضاع الاقتصادية في الهند ؟ من يتآمر على من ؟ ما هي خلفيات هذا القرار ؟

الموسيقية

 الشرقية ؟

ما هي مبادئ الإدارة ؟

كيف نحقق نجاحاً إعلامياً ؟

المجالات والعلوم ذات العلاقة

الكيمياء ، الفيزياء ، الطب ، الفلك ، الزراعة ، الهندسة ، الحاسب الآلي ... الخ

الأديان السماوية وغير السماوية ، الفلسفة ، العلمانية ، الشيوعية ، الرأسمالية ، الوجودية ، النازية الاشتراكية .. الخ

التاريخ ، الواقع الاقتصادي ، الإحصاء ، أجزاء من علم السياسة ، أجزاء من علم الاجتماع .. الخ

الإدارة ، اللغات ، الإعلام ، الموسيقى ، الشعر ، الأدب ، المسرح ، التخطيط

الثمرات والفوائد المرجوة

من يعرف الإجابات الصحيحة أو كثيراً منها يكن عنده علم مادي وتقدم تكنولوجي ومن

من يعرف الإجابات الصحيحة يكن لديه علم فكري ومن يجهلها يكن لديه جهل

من يعرف الإجات الصحيحة يكون قادراً على التعامل مع الناس والأحداث والدول

معرفة الإجابات الصحيحة أحياناً تكون ضرورية كما في علم الإدارة وأحياناً لا فائدة منها كما

 

 

 

يجهلها يكون متخلفاً مادياً وتكنولوجياً ، والتطور المادي يؤدي إلى تحقيق تقدم مادي وتكنولوجي ، أي بناء الأجهزة والسيارات والطرق والمباني وإنتاج الغذاء والدواء .. الخ

وتخلف فكري فالتطور الفكري يؤدي إلى تحقيق تقدم عقائدي واقتصادي واجتماعي وسياسي وأخلاقي ، أي بناء الأفراد والأسر والمجتمع على أسس صحيحة ... الخ

بصورة أفضل ، والتطور في هذا المجال يؤدي إلى تحقيق تقدم في اتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة وتطوير عملية الاجتهاد المادي والفكري

في الموسيقى ، والتطور في هذا المجال يؤدي إلى تحقيق تقدم إداري وتقدم في الاتصالات ، والإعلام ، هذا بالنسبة للعلوم النافعة منها     فقط ،

الطريق إلى الوصول للعلم

التجربة والمشاهدة والاستنتاج

 

الدليل الفكري (العقلي )

جمع المعلومات الصحيحة من الشهود والكتب والجرائد وتحليلها ومشاورة المتخصصين والخبراء

 

دراسة العلم    على أيدي المتخصصين فيه

هل هناك اختلافات ؟ 

الحقائق المادية واضحة ولا يوجد اختلاف بين البشر حولها ، ويوجد اتفاق على أسلوب الوصول إليها    

 

    

الاختلافات حول ما هي الحقائق الفكرية جذري وكبير ، وهناك اتهامات بالجهل والباطل والخطأ بين المتخصصين ، ولا يوجد اتفاق حول أسلوب الوصول إلى الحقائق الفكرية

يوجد اختلاف بين البشر في بعض أو كثير من الحقائق الواقعية لوجود معلومات خاطئة ، أو لخطأ في التحليل

لا يوجد اختلافات جذرية في هذه العلوم لأن أغلبها علوم وضعها البشر ، أي وضعوا لها معايير الصواب والخطأ

 

الإجابات العلمانية

 

الصراع بين المخلصين: مجال العلم الفكري هو البحث عن الحقائق في العقائد والأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والشخصية ، أي ما هي العقائد والأفكار الصحيحة ؟ وما هي الخاطئة ؟ وما هو الحق ؟ وما هو الباطل في الأيدلوجيات والمناهج والآراء الفكرية ؟ أي ما هو طريقنا لمعرفة هل الإسلام نظام فكري صحيح أم لا ، وكذلك بالنسبة للرأسمالية والشيوعية والمسيحية والاشتراكية والنازية واليهودية ... الخ ، ونحن نريد أن نعرف الحقائق الفكرية لأننا على أساسها نستطيع بناء حياة صحيحة في عقائدها واقتناعاتها وسلوكها ، وحتى نقف مع الحقيقة والنور والحكمة والبصيرة ، ونبتعد عن الجهل والظلام والضياع والحيرة ، فالحقائق هي التي ستوضح لنا العدل من الظلم ، والحرية من الفوضى ، والعبادة الصحيحة من العبادة الخاطئة ، والاعتدال من التطرف ... الخ ، وإذا عرفنا الحقائق الفكرية فسنستطيع تصنيف الأفراد والأنظمة والدول إلى أهل حق وحكمة وإلى أهل باطل وضلال سواء بصورة كلية أو جزئية ، ونستطيع حل كثير من الاختلافات والصراعات التي تحدث بين المخلصين من أصحاب المبادئ الكثيرة لأن اختلاف المخلصين سببه اعتقادهم أن مبادئهم صحيحة ، فالمبادئ الفكرية هي أساس اتخاذ الدساتير والقوانين والمواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي المتحكمة في الأفراد والأسر والقبائل والشعوب والأمم ، ونعلم أن كثيراً من الأفراد والدول وغيرهم يتحركون بناء على مصالحهم وشهواتهم والطمع والخوف ... الخ إلا أن المخلصين هم الذين يتحركون بناء على اقتناعاتهم بأن هذا الأمر حق وواجب، فالاقتناعات الفكرية هي العمود الفقري لأعمال وأقوال وأهداف المخلصين، فهم اختلفوا وتصارعوا فيما بينهم لاعتقاد كل فريق منهم أنه يتملك الحقيقة الفكرية ، نريد أن نصرخ كما صرخ أرخميدس عندما أكتشف قانون الطفو المادي " وجدتها " نريد " وجدتها " ، في المجال الفكري قال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء " أما من يريد أن يحس بمقدار ما تتمتع به مشكلة الحقيقة من أشكال فما عليه إلا أن يحاول – جاداً – أن يصنع من مجموعة أفراد أمة واحدة ، وما عليه إلا أن يُحاول فض خلاف تعمقت جذوره بين أقوام ، أو أن يجعل من الآخرين أو الأغيار على حد تعبير حكماء صهيون إخواناً عزيزين عليه بتبنيهم فكرة عزيزة عليه يتبناها " (1)

 

ما هي العلمانية ؟ تعود أصل كلمة العلمانية إلى اللاتينية : " وهي مأخوذة من كلمة Secularism  وتعني الدنيا أو الدنيوية أو اللادينية " (1) " والعلمانية حركة تاريخية حملت الأفراد داخل المجتمع الغربي من المجتمع " الثيوقراطي " الديني إلى المدنية الأرضية ، وفي هذا السياق ، لم يعد الإنسان مجبراً على تنظيم أفكاره وأعماله وفق معايير فُرضت على أنها إرادات إلهية " (2) وجاء في قاموس اكسفورد التعريف التالي " العلمانية مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني " (3)  وبكلمات أخرى يرى العلمانيون أنهم يستطيعون بعقولهم المجردة ، وبدون الحاجة إلى رسالات سماوية وأنبياء الوصول إلى العلم الفكري ( الحق والصواب ) في العقائد والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وأن العقل وحده قادر على تحديد العدل من الظلم ، والحرية من العبودية ، والحياة الزوجية السعيدة ، والنظام الاقتصادي الصحيح ... الخ قالت الأستاذة أنعام أحمد قدوح " تنحصر عناصر العلمانية الأساسية وخطها الفكري في جملة نقاط هي :

الدنيا أو الحياة الدنيوية

اللادين مقابل الدين

فصل الأخلاق عن الدين ، وكذلك فصل العلم عنه

إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني " (4)

وإذا كانت هذه هي العلمانية ، فمن المهم أن نفصلها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتقدم التكنولوجي وغير ذلك من أمور يعتبرها البعض ذات علاقة بالعلمانية ، وهي فعلاً ليست كذلك فقد تكون علمانياً ولكنك لست ديمقراطياً ، أولا تؤمن بحقوق الإنسان ، كما أن تعريف العلمانية بأنها العالمية أو التحديث أو العقلانية أو العلمية هو من باب خلط الأوراق


وتضييع الحقائق والبديهيات فالعلمانية هي الطبعة الجديدة من اقتناعات الفلاسفة وآرائهم ، والعلمانية هي الامتداد الطبيعي للفلسفة والعلمانيون هم الفلاسفة الجدد .

أسئلة للعقل العلماني :

سنسأل الآن بعض الأسئلة الفكرية الهامة ، وسنرى بعد ذلك الإجابات التي قدمها لنا العقل العلماني ، وهل هي إجابات صحيحة أم لا ؟ وكيف وصل إليها ؟ ومن هذه الأسئلة

أ- في مجال العقائد : هل الله سبحانه وتعالى موجود أم لا ؟ وإذا كان موجوداً فما هي   صفاته ؟ ولماذا خلقنا ؟ وما هو أصل الإنسان ؟ وهل هنالك حياة بعد الموت أم لا ؟ وهل هناك أنبياء أم لا ؟ وكيف نعبد الله بطريقة صحيحة ؟ وإذا لم يكن وجود الله سبحانه وتعالى حقيقة ، فما هو هدفنا من الحياة ؟ ومن يضع هذا الهدف ؟ وماذا سنفعل مع من يعارض هذا الهدف ؟

ب- ما هو النظام الاقتصادي الصحيح ؟ هل هو النظام الرأسمالي أم الشيوعي أم الاشتراكي أم الإسلامي ؟ وهل النظام الربوي حق أم باطل ؟ وهل نسمح بوجود قطاع خاص أم نرفض ذلك ؟ وهل نسمح بالقمار أم لا ؟ وهل نوافق على أن تصل ثروة بعض البشر إلى الملايين من الدولارات أم لا ؟ وهل من حق الإنسان أن يتصرف بماله كيف يشاء ؟ وهل من حقه أن يتبرع به كله لأعمال الخير أو لجمعيات الرفق بالحيوان ؟ وهل من حق زوجته أن تشاركه في ماله أم لا ؟ وهل للفقراء حق في مال الأغنياء أم لا ؟

جـ- ما هو النظام السياسي الصحيح ؟ هل يحكمه العمال أم الأغنياء أم العلماء ؟ وهل يكون الحكم فيه للأغلبية أم للأقلية أم لفرد ؟ وما هي مواصفات الأغلبية هل هي عرقية أم سياسية أم دينية أم طبقية أم مهنية ؟ وما هي حقوق الأقلية ؟ وما هي حدود حرية الرأي ؟ أم أنها بلا حدود ؟ وهل نساوي بين العلماء والمثقفين وغيرهم في حقوق الانتخابات والترشيح أم لا ؟ وهل نسمح بوجود أحزاب دينية أو طبقية أو علمانية أو نرفض بعض أو كل هذا ؟ وما هو موقفنا من التعصب العرقي ؟ وما الفرق بين التعصب والانتماء العرقي ؟ وما هو موقفنا من تعارض المصالح بين العمال والتجار وبين المستأجر والمالك ؟ وهل الديمقراطية الصحيحة هي تلك التي في أمريكا أم هي التي في روسيا الشيوعية سابقاً ؟ وهل نساوي بين البشر في رواتبهم أم نرفض ذلك ؟ وهل العدالة الاجتماعية أهم كما تقول الشيوعية أم أن الحرية الفردية أهم كما تقول الرأسمالية ؟


 

 

 

 

 

د- ما هي أسس الحياة الزوجية الصحيحة ؟ وما هو الأسلوب التربوي الصحيح لتربية   الأبناء ؟ وهل نسمح بالطلاق أم لا ؟ وما هي الحقوق والواجبات المترتبة عليه ؟ وكيف نوزع الميراث بطريقة عادلة ؟ ومن هم الورثة ؟ وهل الزنا حرية شخصية أم فساد   مرفوض ؟ وهل نسمح ببيع المجلات والأفلام الجنسية ؟ وما هو نظام العقوبات العادل للمخدرات والاغتصاب والقتل والسرقة ...؟ وما هي السعادة ؟ وكيف نعالج الأمراض النفسية ؟ وهل نسمح بالإجهاض أم نرفضه ؟ وهل الأنانية صفة محمودة أم مذمومة ؟ وهل الغيرة ميزة أم صفة سيئة؟

 

إجابات العقل العلماني

تعالوا لنرى ما هي الإجابات العلمانية على الأسئلة السابقة وغيرها سنجد الآلاف من الكتب العلمانية الحديثة والقديمة تعطي إجابات كثيرة متناقضة ، فلكل سؤال من الأسئلة السابقة سنجد إجابات علمانية متناقضة ، وسنأخذ الرأسمالية والشيوعية كعقائد علمانية رئيسة شغلت العالم في القرن العشرين لنبين طريقة التفكير العلماني ، وما هي الإجابات التي وصل إليها وما هي الأدلة التي يستخدمها العلمانيون لإثبات " صواب " عقائدهم ؟ وهذا لا يتعارض مع معرفتنا بسقوط أغلب الأنظمة الشيوعية في العالم لأننا نناقش هنا الشيوعية كعقيدة علمانية اقتنعت بصوابها كثير من العقول العلمانية وسيطرت كدول لعشرات السنين على نصف الكرة الأرضية ، ومن فوائد اختيار هذين النموذجين هو أننا عايشناهما ، وسمعنا آراء أصحابهما ، وكلاهما حاول أن يثبت أنه يتبع الأسلوب العلمي ، وأنه العلماني الحقيقي ، ووصل للعدل والحرية والمساواة ، وهناك عقائد علمانية كثيرة كالوجودية والمثالية والعنصرية والاشتراكية وغير ذلك ولكن أغلبها عالجت قضايا فكرية جزئية ، وهي يجهلها أغلب الناس ، وأكثر من يهتم بها الفلاسفة العلمانيون ، وبالتالي فتسليط الأضواء على الرأسمالية والشيوعية يعطينا مادة علمانية غنية بعقائدها وأدلتها وأفكارها وتطبيقاتها ونتائجها ولنبدأ الرحلة مع العلمانية ، وسنجد أن الرأسمالي يقول أن الرأسمالية هي أفضل نظام للبشر ، ألا ترى حرية الرأي في أمريكا ؟ ألا تعلم أن الاقتصاد الأمريكي هو أقوى اقتصاد في العالم ؟ وأن الأنظمة الغربية هي التي تقود التقدم المادي التكنولوجي ؟ وهي التي حققت نجاحات كثيرة في قضـايا حقوق الإنسان ؟ وأن تـداول السلطة يتم بطريقة سلمية ، وأن أغنى الشعوب هي شعوب الدول


 

 

 

الرأسمالية الغربية ؟ ويكفي أن نعلم أن الولايات المتحدة تصدر القمح إلى عشرات الدول ، وبعضها دول شيوعية ... وإذا انتهت الرأسمالية من كلامها سنجد الشيوعية تقول إن ديمقراطية الرأسمالية كاذبة لأنها ديمقراطية الأغنياء فالفقير لا يستطيع أن يرشح نفسه للانتخابات لأن الترشيح يحتاج أموالاً كثيرة ، أما ديمقراطية الشيوعية فهي تمثيل حقيقي لأغلبية المواطنين من عمال وفقراء لأنهم هم الأغلبية ؟ كما أن الشيوعية لا تسمح بأن يسيطر الأغنياء على الإنتاج والوظائف فيضطهدوا العمال والضعفاء وهي لا تعترف بالانتماءات العرقية القومية والوطنية ، فهي عقيدة أممية تساوي بين جميع البشر ، ألا يكفي أن جعلت الشيوعية روسيا والصين من الدول العظمى القادرة على إنتاج أسلحة نووية ، ألا يكفي أن توفر الشيوعية العلاج والتعليم مجاناً للجميع ؟ وسترد الرأسمالية بقولها إن الشيوعية أنتجت الفقر والاستبداد ،فقد سيطر الحزب الشيوعي على الناس ، وأوجد أكبر ديكتاتورية في تاريخ البشر ، وتدخل حتى في اختيار أماكن العمل والسكن ومنعت الشيوعية الناس حتى من حرية الهرب من الدول الشيوعية ولا يوجد في الشيوعية حرية صحافة ، كما أن ستالين قتل الملايين من الروس والشعوب السوفيتية ، أما الاستبداد الفكري فحدث عنه ولا حرج ، فالشيوعية لم تضطهد الأديان السماوية فقط وتهدم الكثير من المساجد والكنائس بل اضطهدت كل الأفكار والعقائد العلمانية الأخرى ، ولم تسمح للفلاسفة الروس والأدباء بحرية القول بل حتى لم تسمح للشيوعيين بذلك فقد سيطرت على الناحية الفكرية مجموعة فلاسفة شيوعيين فرضوا على الشيوعيين وغيرهم ما يقرأون ، وما يقولون وسترد الشيوعية بقولها إن التطبيق الخاطئ هو الذي أنتج الاستبداد والفقر ، ففرقوا بين النظرية والتطبيق فليس كل من يدعي أنه شيوعي صادق في ذلك وهذا ما حدث في بعض الأنظمة كما أن الحرب الأمبريالية للشيوعية ساهمت في فقر وإضعاف بعض الدول الشيوعية ومن قال إن كل الدول الرأسمالية غنية ؟ ألا ترون الدول الرأسمالية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . كما أن السيطرة الفكرية الشيوعية في الاتحاد السوفيتي هدفها حماية الحقائق الفكرية من التشويه والأعداء الداخليين ، وكل ثروة في حاجة إلى فترة لبناء وطنها دون السماح بأي هزات فكرية أو سياسية وهذه مرحلة مؤقتة وبعد أن تثبت الشيوعية نفسها ستفتح الأبواب الثقافية كما أن الشيوعية ناقشت الرأسمالية وغيرها خارج الاتحاد السوفيتي ، فهي ليست عاجزة عن الحوار وكان المفكرون الشيوعيون موجودين في كل قارة ولهم ، أحزاب وكتب ومؤلفات وكانت كثير من الدول الرأسمالية تضطهدهم وتمنع كتبهم وتسجنهم .

 

 

 

وإذا اعتبرنا ما فات معركة يصعب حسمها وسيحتار العقل في تقصي الحقائق وفي جمع المعلومات وفي التعرف على حقائق الواقع وماذا حدث ؟ ولماذا حدث ؟ وما هو الحقيقي والصادق ؟ وما هو الوهمي والكاذب ؟ سنجد أن الشيوعية تقول أن الحق معي لأنني بناء على أدلة " علمية " أثبت أن الله غير موجود وتأملت في تاريخ الإنسان فوجدت أن هناك علاقة وثيقة بين المصلحة وبين الإنسان ، وحركة التاريخ ، واستنتجت النظرية الماركسية ، وهذا ما يثبت أنني وصلت للحقائق الفكرية بطريق عقلي ، فقد بذلت جهوداً عقلية كبيرة حتى وصلت لهذه الحقائق ، فأنا العدو الأول لاستغلال البشر من قبل الإقطاعيين والأغنياء وأصحاب الأعمال والتجار وأنا أطبق المساواة الحقيقية بين جميع البشر ، ولا أجعل وسائل الإنتاج بيد أي فئة ما عدا العمال والفلاحين لأنهم هم من يقومون فعلاً بالإنتاج ودورهم أهم من المدراء وأصحاب العمل ولهذا قمت بتأميم المصانع الخاصة والمزارع وأنشأت قطاعاً عاماً قوياً يسعى لتحقيق فائدة الشعب ، ويديره أبناء الشعب ، وألغيت الصراع الطبقي ، وألغيت وسائل الإعلام الخاصة التي تسعى لمصالح التجار ، وتشوه الرأي العام ، ولا تهتم بمصالحه ، كما أنني لم أجامل كالرأسمالية بل حددت الحقائق في كل المجالات ، وحاربت الدين لأنه أفيون الشعوب ولأنه يمنع العمال من الثورة على الأغنياء ولا أومن بأي شيء عاطفي أو نفسي أو روحي أو أخلاقي فالأساس هو المصلحة ، وأهم شيء هو العمل  والإنتاج ، والأهداف السامية هي التي تتعامل مع تضميد جروح الفقراء والمستضعفين ، وهؤلاء هم الفئة النقية الطاهرة في المجتمع ، وأنا أهتم كثيراً جداً بتقدير العلماء في العلوم المادية ، وأرى أن العلم المادي هو العلم الوحيد الصحيح ، وهو الذي يفسر جميع الظواهر المادية ، والفكرية ، أما الأخلاق والدين فهما خدعة بورجوازية تتستر من ورائها البورجوازية من أجل مطامعها ، كما أن العدل والمساواة بين الناس ستؤدي إلى توزيع الثروة والإنتاج والمكاسب ، وستؤدي إلى عدم الحاجة إلى السرقة لأن للجميع نفس الممتلكات ، ولا يوجد جوع ولا فقر ، فالسرقة هي وضع فرضته الأوضاع الأمبريالية ، وجعلت لها عقوبات رادعة حتى تحمي الأغنياء من الفقراء ، أما الرأسمالية فمبدأها الأقوى هو الذي يسيطر ويعيش وهي لا تعتمد في بنيانها الفكري على حقـائق فكرية بل على التعايش مع الواقع والوصول إلى حلول وسط ، فهي تخضع للظـروف والمصالح وليس للعقل البشري ، أما الرأسمالية فستقول إن عقلي أوصلني للحقائق ، فأنا


 

 

 

فكرت بعقلي فوجدت أن الدين المسيحي خاطئ ، وأن فيه تناقض مع بعض الحقائق العلمية المادية التي اكتشفتها في الفلك ، وعلم الأحياء ، واقتنعت بأن ، العقل هو طريقي للتعرف على الحقائق وفتحت المجال للفلاسفة والمفكرين والسياسيين وغيرهم أن يختاروا أنظمتهم العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وفتحت الأبواب الواسعة للنقاش والحوار ، ووضعت وثائق ودساتير وقوانين أدت إلى تبني مفاهيم محددة في قضايا الحرية والعدل والمساواة   والاقتصاد ، منها حرية الرأي ، وأن الحكم هو للأغلبية ، وأن هناك حقوق للأقليات وأن الناس حرة في اختيار عقائدها ، فهذا الأمر لا تتدخل فيه الدولة ، كما أنها حرة في جوانب كثيرة من حياتها الشخصية وعلاقاتها الاجتماعية ، فلا أفرض عليها شيئاً ، ولا أحدد لها الصواب من الخطأ ، فبإمكانك في عقائدك أن تكون مسيحياً أو مسلماً أو بوذياً أو وجودياً أو رأسمالياً أو حتى شيوعياً أو لا تؤمن بأي عقائد وبإمكانك في حياتك الشخصية أن تكون عفيفاً أو زانياً ، وبإمكانك أن تشرب الخمر أو تمتنع عنها ولك الحرية في التصرف في مالك كيف تشاء وبإمكانك أن تتزوج أو تبقى عازباً طول عمرك ، فالحرية الفردية مقدسة ، ومن خلالها أحقق المنفعة للمجتمع ، فلا يوجد تعارض بين الاهتمام بالفرد وتحقيق مصالح الجماعة ، وكثير من الاختلافات الموجودة في المجتمع يتم حسمها من خلال التصويت والأغلبية فالمبادئ عندي والقوانين والقرارات تستند في أحيان كثيرة بل في الأغلبية الساحقة للتصويت سواء في مجالس الشعب أو في المحاكم من خلال هيئة المحلفين ، كما أن من مبادئي الحلول الوسط في أحيان كثيرة ، فأنا لست مع الإيمان بالله ، ولا مع إلا لحاد ، وأنا لست مع المدارس الدينية ولا ضدها ، ولا مع الاحتشام ولا مع التبرج ، وأسعى دائماً إلى الحلول الوسط بين الاختلافات والصراعات الموجودة في المجتمع ، سواء كمصالح أو مفاهيم أو مواقف وذلك من خلال الحوار والنظر بواقعية للأمور ، كما أنني اقتنعت بأن رفض الأديان سيؤدي إلى إضعاف التعصب الديني الذي كان وراء كثير من الحروب في الماضي كما أن جعل القرار الأخير للشعب وللأغلبية سيؤدي إلى التخلص من انحرافات الحكومات ، وتسلطها وانفراد الأفراد والأقليات بالتحكم بالأغلبية ، كما أن النظام الاقتصادي الرأسمالي قد أثبت نجاحات كبيرة وحقيقية من خلال حجم الإنتاج ، واستفاد جميع المواطنين من تشجيع الإبداع التكنولوجي والتنافس التجاري ، وتقديم أجود الخدمات ، وتحقيق قفزات هائلة في رفاهية الإنسان أما بالنسبة للفكر الماركسي فهو مهزلة فكرية ، اختار بعض الفترات من التاريخ التي تناسبه،


 

 

وتجاهل الفترات الأخرى ، فلم يدرس ماركس التاريخ بحياد وموضوعية ، بل انطلق من حقد وكراهية للأغنياء ، وليس من عقل بشري ، كما أن أغلب بل كل نبوءات ماركس حول المستقبل ، والتي منها توقع سيطرة الشيوعية على العالم فشلت فشلاً ذريعاً ، وانهارت الأنظمة الشيوعية ، وأصبح مكان الفكر الشيوعي المتاحف .

الآف الاجابات العلمانية المتناقضة:

ولم تخرج لنا العقلية العلمانية الفلسفتين الشيوعية والرأسمالية فقط ، بل أنتجت كذلك الاشتراكية والنازية والفلسفات القومية والقبلية ... الخ ، فأصحاب الفكر النازي العلماني اقتنعوا بأن العرق الآري الألماني هو أفضل الأعراق البشرية ، وأن من حقه أن يسيطر على الآخرين ، وبنوا اعتقاداتهم على الدور الألماني في التاريخ الحديث ، وفي التقدم  التكنولوجي، وجعلوا الأخلاق والقدوة مرتبطة أساساً بالعرق ، لا باللغة ولا بالعمل ولا بالاجتهاد ، فالعرق الألماني متميز بالفطرة، أي خلقه الله كذلك واعتبروا أي خلط لهذا العرق مع غيره عن طريق الزواج خطأ وكارثة ووسيلة لتلويث هذا العرق وقدموا أدلتهم العقلية العلمانية على هذه الفلسفة ، وراجع كتاب كفاحي لهتلر ، وراجع بعض الفلاسفة الألمان الذين ساندوا هذه الفلسفة ، وإذا أضفنا مدارس أخرى فلسفية مثل الفلسفة المادية والتي تحتوي على مدارس فلسفية مختلفة مثل فلسفة برتراند رسل ، والوضعية الجديدة ، والمادية الجدلية " الشيوعية " التي أثرت في الغرب الرأسمالي ، والشرق الشيوعي ، ومفكري هذه المدارس وتناقضاتهم فيما بينهم حول كثير من القضايا الفكرية ولنقرأ أيضاً الفلسفات المثالية ، وهؤلاء مقتنعون بأن العقـل يختلف عن المادة، وهو مقتنعون بأن الحواس والتجربة والمادة ليست المصدر الوحيد للمعرفة ومن فلاسفة هذه الفلسفة بندتو كروتشة، وليون برنشفيك ، وكانت ، ومن مدارسـها المدرسة الواقـعية، والمدرسة الميتافيزيقية ، والمدرسة المنطقية ، والمدرسة النسبية ، والمدرسة النفسية والمدرسة القيمية، وهناك فلسفة الحياة، وفلاسفة هذه الفلسفة يفسرون الواقع كله بوسيلة مفـهوم الحياة، وهناك أربعة مدارس تابعة لها " مدرسة الدفعة الحـيوية " عند برجسون ، والبراجمـاتية الأمريكية، والإنجليزية، والمذهب التاريخي عند دلتاي ، وفلسفة الحياة الألمانية ، ومن فلاسفتها هنري برجسون ، ووليم جيمس ، وفرد ناند شللر ، وجون ديوي ، وفيلهلم دلتاي، وهناك فلسـفة الماهية ( الفينومينولوجيا ) ومن فلاسفتها ادمند هسرل،


 

 

 

 

وماكس شلر ، وهناك الفلسفة الوجودية ، وتناولت هذه الفلسفة دراسة معنى الحياة ، ومشكلة الموت ومشكلة الألم ، ومشكلات أخرى ، وهي فلسفة تنبع أفكارها واقتناعاتها من تجربة حية معاشة ، تسمى تجربة وجودية فالمنبع لأفكارهم ليس العقل ، بل التعامل مع الواقع ، ومن فلاسفة هذه المدرسة جان بول سارتر ، وسيمون دي بفوار ، وهناك فلسفة الوجود ، ومن فلاسفتها صامول الكساندر ، وباول هيبرلن ووايتهد .

 

فالموضوعات التي ناقشتها العلمانية كثيرة جداً في العقائد والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية سواء ما يتعلق بالالهيات ، أو الطريق للوصول للحقائق الفكرية والمادية ومسألة أصل الإنسان ، والقضايا الاجتماعية والجنسية والأخلاق والشر والخير والحرية والإرادة والواقع والطبيعة وما وراء الطبيعة ، والهدف من الحياة ، والظلم والعدل ، والآلام والفضائل والرذائل ، والثورة والأنظمة والاستغلال ، والانتماءات العرقية ، والاختلافات اللغوية ، والأمراض النفسية ، والطبائع البشرية وقضايا الإيمان وقضايا الإلحاد ، وأما المصطلحات التي تم استخدامها في العلمانية والفلسفة فهي كثيرة ذكرنا بعضاً من مُسمياتها أعلاه ، ونضيف إليها الانطولوجيا ، والكسمولوجيا ، والموقف الطبيعي والمطلق ، والفعلية واللا أدرية والمذهب الذري ومذهب السلطة والبعدي والديكارتي والمذهب السلوكي والوجود والأمر المطلق والمعرفة والسببية ونظرية الوجهين والثنائية ، والدفعة الحيوية والانبثاق ، ومذهب اللذة والأبيقورية، ومذهب الظاهرة الثانوية ومذهب السعادة والمذهب الشكلي وحرية الإرادة والنزعة الإنسانية، ومذهب حيوية المادة والحلول واللاحتمية والوسيلية والمنطق والحدس ومذهب التأثير المتبادل والتجريبية المنطقية والمادة والآلية والمذهب الحيوي والموناد ( الذرة الروحية ) ، والواحدية والمذهب الأسمي والشيء في ذاته والمذهب الفرصي ومذهب شمول النفس ووحدة الوجود، ومذهب التوازي ومذهب الكمال ، والمذهب التعددي والمذهب العقلي ، والحتمية الذاتية والانسجام المقدر ، والواقعية الميتافيزيقية ، ومذهب الذات الوحيدة ومذهب الشك والجوهر، والخير الأسمي والقياسي ، والرواقية ، والمذهب فوق الطبيعي ، ومذهب المنفعة، ومذهب الاتفاق ، والعالي (1) وهناك مصطلحات أخرى ولكن هذه على سبيل المثال لا الحصر.

 

 

 

المتأمل في هذه الإجابات العلمانية يرى أنها متناقضة أشد التناقض ، فهناك أنواع من الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية والعنصرية والوجودية والانتقائية وغير ذلك ، وهناك فلسفات كثيرة متناقضة ومتداخلة مع بعضها البعض ، وهناك تشكيلات متنوعة من المبادئ المختلطة ولكل تشكيلة تركيبة خاصة ، أما بالنسبة لأعداد وآراء الفلاسفة فحدث ولا حرج ، فمنهم على سبيل المثال أفلاطون وسقراط وأرسطو وفرويد وفوليتر وسيمون دي بفوار وماركس وآدم سميث وبرتراندرسل وجان بول سارتر وماوتسي تونغ وهلسكي وهتلر وهنري برجسون وإد مند هسرل وماكس شلر ومارتن هيدجر وهيجل ونيقولاي هارثمان وبندتو كروتشة وكانت وشلنج .. إلخ ومن قرأ في كتبهم يجد أن البديهة الأولى هي تناقض هؤلاء العلمانيين في آرائهم أشد التناقض ، وكل فريق منهم وأحياناً كل فيلسوف يتهم الآخرين أنهم أخطأوا ، وأنه على صواب ويقدم الأدلة العلمانية على وجهة نظره ولا نبالغ حين نقول إنك لا تجد اتفاق بين عشرة منهم في عشرة قضايا رئيسة .. فأين الحقائق الفكرية أيها العلمانيون أن عقلكم العلماني أعطانا الآلاف من الإجابات حول الأسئلة التي طرحناها ، ونحن نريد إجابات صحيحة ، أي حقائق فكرية ، لا نريد رأي هذا المفكر أو ذاك الفيلسوف ، أو تلك المدرسة الفكرية ، نريد أن نعرف الحقائق ، ألم تقولوا لنا اتبعونا وسنصل للحقائق ، ألم تقولوا إن العقل البشري قادر على الوصول للحقائق الفكرية ، أين هي الحقائق ؟ .. إن كل واحد منكم يقول إن الحقائق هي التي وصلتُ لها أنا أما بقية العلمانيين فهم ضائعون ومخطئون فمن نُصدق منكم ومن منكم يملك الأدلة العقلية الصحيحة التي تثبت صحة ما يقول ؟ أدلتكم متناقضة ومتعارضة وأنتم لستم بحاجة إلى أن ينتقدكم فرد من خارجكم فأنتم تتهمون بعضكم البعض بالجهل ، وهذا وغيره يثبت عجز العقل العلماني في الوصول إلى الحقائق الفكرية ، لأن العلمانية وصلت إلى إجابات متناقضة حول كل سؤال .. !!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عجز العقل العلماني

 

أين الحرية الصحيحة ؟

تناقض العلمانيون في كل أفكارهم وعقائدهم ، ولم يتفقوا حتى على حقيقة فكرية واحدة سواء كانت عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، وهذا ينطبق على القضايا الكبرى كوجود الله سبحانه وتعالى ، فبعضهم يؤمن بوجوده وبعضهم ينفيه وبعضهم يقول لا أدري ، وهم أيضاً يختلفون حول الأصول والفرعيات الاجتماعية والسياسية ، ولنأخذ قضية الحرية كمثال على تناقض العلمانيين ، ولنأخذ الرأسماليين والشيوعيين كطرفين علمانيين، وسنجد أن بينهما تناقضات جذرية فكانوا في روسيا الشيوعية العلمانية يحددون للإنسان ما هو العمل المناسب له ؟ وفي أي مدينة وأين يسكن ؟ وماذا يقرأ ؟ ويعتبرون هذا لا يتعارض مع  الحرية ، بل هذه هي الحرية الصحيحة ، أما في أمريكا فقد فتحوا الباب على مصراعيه ، فمن الحرية أن تقول أشياء كثيرة منها نقد الحكومة والسخرية منها ، ومن حقك أن تختار عملك وسكنك وماذا تقرأ ، ومن الحرية أن تمارس الجنس قبل الزواج ، أما بعد الزواج فلا يجوز ولك حرية في أن تعمل في السياسة وأن تنشئ من الأحزاب ما شئت حتى لو كان حزباً شيوعياً ، ومن الحرية الشخصية أن تتبرج المرأة ، ويسمح في سواحل معينة بالعري   الكامل ، ولا يعتبرون هذا فساداً بل حرية ، والإنسان عندهم حر في ماله ومن حقه أن يبذره ومن حقه أن يتبرع به كله للحيوانات ، ولك الحرية في لعب القمار ، وأن تستخدم الكلمات البذيئة ما لم يمنعها القانون ، وهناك حرية إصدار الصحف في حين أن هذا من الممنوعات في الشيوعية العلمانية ويمنع تشكيل أي أحزاب ولا يسمح بالانتماء إلا للحزب الشيوعي ، ومثل هذا الاختلاف ينطبق على العدل والمساواة ، قال الأستاذ أديب صعب " وقد استفاض فلاسفة الأخلاق في معالجة مسألة الحرية التي تشكل أحد موضوعاتهم الرئيسة ، وملأوا الصفحات والكتب الكثيرة في هذا المجال، وتوزعوا مدارس حيال هذه المسألة فمنهم من سلم بحرية الإنسان التامة لكي يؤدي ما هو واجبه أو لا يؤديه ، مما يستتبع مسئوليته ومنهم من حد الحرية والمسئولية ببعض الشروط، ومنهم من نفى الحرية والمسئولية نفيا تاماً " (1) ومن هنا ندرك معنى قول من قال " كم من جرائم


 ارتكبت باسم الحرية " أما بالنسبة للعدل فقد قال الدكتور محمد عمارة " ولهذا رأينا " العدل الليبرالي " متميز المضمون مختلف المفهوم عن " العدل الشيوعي " الأمر الذي اقتضى " للعدل الليبرالي " حكومة ليبرالية " و " نظام حكم ليبرالي " يحققان المضمون المتميز " للعدل الليبرالي " ، وكان الحال على ذات المنوال مع " العدل الشيوعي " ، ثم قال : فمن التمثيل الطبقي إلى التوجه الاجتماعي .. إلى النظام السياسي إلى تحديد الأولياء والأعداء .. إلى الموقف الفلسفي .. والمذهبية الحاكمة للفكر والثقافة والآداب والفنون .. كل أركان النسق والنظام تتمايز تبعاً لتمايز " المرجعية أهي ليبرالية ؟ أم شيوعية " (1)

 

فنحن إذن وصلنا إلى نتيجة غريبة وهي أن للحرية معاني كثيرة ومتناقضة وأن للعدل معاني كثيرة ومتناقضة ، وكذلك للمساواة ولحقوق الإنسان ومفاهيم وأساليب العدالة الاجتماعية والحقوق العادلة في الحياة الزوجية ، والأسلوب الصحيح لتربية الأبناء ومعنى السعادة والاستبداد والظلم والمصلحة والخير والشر .. الخ فلابد إذن إن هناك معنى واحد صحيح للحرية أما بقية المعاني فهي كاذبة وخاطئة وباطلة وكذلك بالنسبة للعدل والسعادة والظلم والمصلحة .. نريد الحرية الحقيقية والعدل الحقيقي ولا نريد آراء وظنون وأوهام ، وهنا يظهر التناقض العلماني في هذه المفاهيم وهو دليل على أن العقل العلماني لم يصل إلا إلى السراب والعجز .

 

المبررات المنطقية:

السبب الرئيس في تناقض الإجابات وضياع العلمانيين أن العقل العلماني قادر على إعطاء مبررات منطقية عقلية لكثير من الإجابات ، فهناك مبررات قدمتها الشيوعية لتعريف الحرية أو العدل أو النظام السياسي الصحيح ، وهناك أيضاً مبررات قدمتها الرأسمالية والاشتراكية والنازية لإعطاء تعاريف أخرى متناقضة كلياً أو جزئياً فالشيوعية تقول إن السماح بالعمل السياسي لكل الأحزاب اليمينية واليسارية سيؤدي إلى سيطرة الأغنياء ، واضطهاد الفقراء وفتح الباب للجدل وهدم الثورة الشيوعية كما أنه لا توجد مبررات لهذه الأمور لأن الحزب الشيوعي يمثل الأغلبية الساحقة ، وسيسعى لمصالحها وإن فتح الباب ليست حرية بل فوضى سياسية


 

وفساد يجب أن يحارب ، أما الرأسمالية فهي أيضاً لها مبرراتها ولها تفسيراتها التي تقدمها لمعنى الحرية أو العدل الذي اختارته ، فهي تقول إن الحرية هي ذات ضوابط    قانونية ، وأن الحرية الشخصية تنتهي عند حدود حرية الآخرين ، وأن وجود تنوع سياسي في الأحزاب لن يؤدي إلى فوضى ، بل سيؤدي إلى تنافس في العمل وتقوية الرقابة ، وأن القرار الشعبي هو الأساس وأن حرص السياسيين على مصالحهم سيجعلهم يهتمون بمصلحة الشعب لأنه قادر على عزلهم ، أما إذا قلت لهم ، أن الزنا له، سلبيات كبيرة قالوا هذه حرية شخصية ، ولا أحد يجبر أحداً على الزنا ومن يريد أن يتزوج فليفعل، أما بالنسبة للحمل والأبناء غير الشرعيين فهناك ملاجئ تحتضنهم إذا تنكر لهم أباؤهم وهناك وسائل لمنع الحمل ، كما أن التمتع بالحياة هو هدف أساسي في فكرنا المادي الرأسمالي ، وسنجد هناك مبررات كثيرة لكثير من الآراء العلمانية المتناقضة سواء كانت في الرأسمالية أو الشيوعية أو النازية أو أقوال كثير من الفلاسفة، فهذا الفيلسوف يعطي المصلحة وزناً كبيراً جداً أما الآخر فيهتم بالمبادئ المعنوية، والثالث يركز أكثر على الجنس ويجعله العامل الرئيس المحرك للإنسان ، والرابع يهتم بقضية الحرية الفردية ، والخامس يركز على مصلحة الجماعة والسادس يعطي التبريرات على وجود الله سبحانه وتعالى والسابع ينكر هذا  الوجود، والثامن يحاول أن يقنعك بأن الغاية تبرر الوسيلة ، والتاسع أن الأخلاق بدعة برجوازية والعاشر أن الشر هو الصفة السائدة في البشر، والحادي عشر أن الزواج مؤسسة رجعية تضطهد المرأة ، وكل فكرة من هذه القضايا سواء كانت صحيحة فعلاً أو خاطئة لها مبررات منطقية تجعلها تبدو صحيحة قال الأستاذ تقي الدين النبهاني " والأسلوب المنطقي وإن كان أسلوباً من أساليب الطريقة العقلية ولكنه أسلوب معقد، وأسلوب فيه قابلية الخداع والتضليل ، وقد يوصل إلى عكس الحقائق التي يراد إدراكها " (1)

 

والطريف أن كل إنسان مثقف بإمكانه أن يكون مفكراً علمانياً وفيلسوفاً ، وهذا يحدث في القضايا الفكرية والسياسية وتبرير المواقف والتصرفات وتبرير حتى العقائد الغريبة ، قال الزعيم الهندي غاندي : " عندما أرى البقرة لا أجدني أرى حيواناً ، لأني أعبد البقرة،


 

 وسأدافع عن عبادتها أما العالم أجمع " وقال " وأمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه ، فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير  هذا، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً ولا تطلب منا شيئاً مقابل ذلك سوى الطعام العادي (2) ويمكن أن نقول أننا كذلك نشرب حليب الغنم والماعز ولماذا لا نعبد الشجرة المثمرة ؟ ولو تمسكنا بالحقائق الفكرية التي جاء بها الرسل لما ضاع العلمانيون ، ولو سألنا العقل الأمريكي لقال عن البقرة إنها مصدر أساسي للبروتين ولحياة الناس ، وقد تصيب العالم مجاعات إذا لم نأكل اللحوم وقد يزيد البقر ويأكل الأخضر واليابس وهذا ضد التوازن   البيئي ، وعموماً فذكر الإيجابيات والسلبيات ليس الأسلوب الصحيح للحكم على صواب أو خطأ فكرة ما ، فالخمر كما لها سلبيات لها منافع تجارية لمن يزرعها ويتاجر بها ، والقطاع الخاص له إيجابياته وسلبياته ، وكذلك القطاع الحكومي وكذلك الزواج والإجهاض والحرب والسلم ولا يتم الوصول للحقائق في العلم المادي من خلال آراء لإيجابيات وسلبيات أن يغلي الماء عند 20 درجة أو مئة أو مئة وخمسين بل التجربة والمشاهدة والاستنتاج أي الدليل المادي هو الذي يحدد الحقيقة المادية والمفروض أن نسأل ما هو الدليل الفكري على صحة الفكرة لا إيجابياتها وسلبياتها ولنتذكر أن مصالح أمريكا وغيرها من الدول القوية هي التي تعطي لها " الحق " في التدخل في الدول الأخرى فهي تقيس الأمور بالإيجابيات والسلبيات من زاويتها وليس ما هو حق وصواب باختصار : هناك مبررات عقلية منطقية بإمكانها أن تجعل كثيراً من الآراء تبدو كأنها حقائق ، وللعقلية العلمانية قدرة عجيبة على تقديم مبررات منطقية لبيان أن كل شيء سواء كان حق ، أو باطل ( ومنها آراء الآخرين ) باطلاً ، فمثلاً إذا عفوت عمن ظلمك قالوا هذا ضعف وجبن وتشجيع للانحرافات ، وإذا عاقبته قالوا لماذا لا تسامح أليس في قلبك رحمة أنه تعلم من خطئه ولهم قدرة عجيبة على مدح الحرب أو السلم ، ولهم قدرة عجيبة على مدح أمة أو شعب وذم شعب آخر والعـكس ، فهم يختارون ما يشاءون من معلومات ومبررات للمدح أو الذم وهذا يجعلهم يـرون العـدل ظلماً والظلم عدلا والحرية فوضى والفوضى حرية ، وعموماً فسـياسة الكيل بمكيـالين عند العلمانيين في تعاملـهم مع الأحداث العالمية تأتي أحياناً نتيجـة نوايا فاسـدة ، وأحيـاناً نتيجة طبيعية للعقلية العلمانية ، فالمشكلة التي لا زالت تواجههم أنهم لا


 

ــــــــــــــــــــــ

(2) ص 37 كتاب الرسل والرسالات للدكتور عمر الشقر

 

 

يعرفون الحرية الحقيقية ولا العدل الحقيقي ولا العقائد الحقيقية ، فقد قالوا إجابات كثيرة متناقضة وأعطوا مبررات كثيرة متناقضة ، وعاشوا ولا زالوا يعيشون على التناقض والظنون والآراء وليس الحقائق الفكرية ، بل إن العقل العلماني يقدم أحياناً مبررات منطقية علمانية تقول إن المصلحة الشخصية للفرد هي في النفاق أو البخل أو التعصب العرقي أو الكسل أو الأنانية وهي أمور اتفق عقلاء البشر على خطئها ورفضها ، فبعض العلمانيين يقولون النفاق هو الطريق المختصر للوصول للمناصب والأموال ، وهذا واقع معروف وكلنا سمع من له هذه العقلية العلمانية ويقدم أدلة واقعية أن هذا الفرد نافق فوصل إلى أعلى المناصب وهكذا وسيجد في العقلية العلمانية ، أدلة منطقية تثبت أن الصدق يؤدي إلى أضرار ونفور وعداوات وأن الأفضل هو الكذب أو المجاملة أو الصمت ، ونذكر هنا مثالاً يوضح تناقض العقول البشرية فيروى أن جحا وابنه وحماره كانوا يسيرون في طريق ، فسمع من يقول من الناس إن هذا الرجل وابنه أحمقان ، لماذا لا يركب أحدهما على الحمار ، فركب جحا ، وبعد مسافة سمع من يقول إن هذا الأب قاسي القلب حيث يركب هو ويترك ابنه يمشي، فنزل جحا وأركب ابنه فسمع بعد مسافة من يقول إن هذا الابن عاق لأنه يترك أباه يمشي ويركب هو ، فركب هو وابنه الحمار ، فسمع من يقول إن هذين ليس في قلبهما رحمة حيث إنهما يرهقان الحمار والمقصود من هذه الحكاية أن العقل البشري قادر على مدح وذم أي حالة وأي قرار وأي عقيدة وأي نظام وسيجد لكل رأي أو عقيدة أو قرار أو نظام مؤيدون ومعارضون مؤيدون يرون أنه الحق ومعارضون يرون أنه الباطل وهذا هو الجنون العلماني والضياع العلماني والعجز العلماني، وهذا يفتح باباً لا ينتهي من الجدل والنقاش البيزنطي فهذا يستشهد بقول  الفيلسوف الأول ، والثاني يستشهد بقول الفيلسوف الثاني ، والثالث يقول هذا رأيي وهذه أدلتي وهكذا مما جعلهم لا يتفقون حتى على حقيقة فكرية واحدة مع أن عمر العلمانية الحديثة عدة قرون ، وعمر العقل العلماني الآلاف من السنين ، قال الرازي " لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً "

وقال :

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا                   

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا


 

 

 

 

وقال الإمام الشافعي رحمه الله في من تأثر من المسلمين بالفلسفة وبالطريقة العلمانية في التفكير مما أنتج ما يُسمى بعلماء الكلام من المسلمين : " لو يعلم الناس ما في علم الكلام من الأهواء لفروا منه فرارهم من الأسد " وقال هنترميد " كذلك فإن هذا هو الموقف الطبيعي " ما الحقيقة " ؟ لأي شخص في مركز الفيلسوف المحترف ، إذ أنه بدوره قد صادف أنصاراً عديدين لمذاهب متعددة ، كلهم يدعون أن لديهم " الحقيقة " ، وكلهم تقريباً يدهشون حين يجدون أي شخص يتحدى ادعاءهم بسؤال بيلاطس الملح " ما الحقيقة " (1) وقال المفكر الفرنسي بليز باسكال: " الفلسفة كلها لا تستحق ساعة تعب "وقال " التفلسف الحقيقي هو الهزء من الفلسفة " (2) وقال الدكتور عمر الأشقر " يشعل المنهج الفلسفي الكلامي الباحث والناظر فيه في قضايا ينقضي العمر ولا ينتهي من بعضها ، بل إن الذي يحصله منها ينطوي على شبهات تجعل اليقين غير موجود ، فيصاب الباحث بالحيرة والشك والاضطراب " (3) وقال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء " حقا ما أسرع ما ينقض العقل نفسه بنفسه ، يصدر اليوم حكماً وينقضه غداً ، أرى الآن أن هذا حق وحقيقة ، وأعود فأراه باطلاً ، أقتنع الآن أن هذا العمل جد مثمر ، ثم لا ألبث أن أراه عبثا، أكون رأياً في الصباح ، أنقضه في المساء مكتفياً بأن أقول : إنه رأي خاطئ " وقال " صحيح أن العقل هو الملجأ الوحيد لإصدار الأحكام الإيجابية أو السلبية .. أما إذا ثبت أنه يصدر أحكاماً متناقضة أو متباينة ، فعندها وعندها فقط يكون البلاء أشد ، وندرك تمام الإدراك أننا في حوزة قاض وحيد غير ثقة " (4)

 

المعايير العقلية العلمانية: لا زلنا نسأل العلمانية نفس السؤال : ما هي الحقائق الفكرية ؟ وما هو الطريق العقلي العلماني لهذه الحقائق ؟ نحن نريد حقائق ، وليس أراء وظنون ، نريد طريقاً مشابهاً لطريق التجربة والمشاهدة والاستنتاج الذي يوصلنا للحقائق العلمية المادية فإذا كان مرفوضاً أن يقول علماء المادة أظن أن الماء يغلي عند 20 درجة مئوية في الظروف العادية أو أظن أن الأكسجين غاز لا يساعد على الاشتعال ومبرراتي هي أن ذرته تتكون من كذا وكذا فإن


 

ــــــــــــــــــ

(1) ص 152 الفلسفة أنواعها ومشكلاتها – الأستاذ هترميد – ترجمة د. فؤاد زكريا

(2) ص 128 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب

(3) ص 33 العقيدة في الله د. عمر الأشقر

(4) ص 40 ص 41 مشكلة العقل والحقيقة الأستاذ يوسف أبو الهيجاء

 

مثل هذه الآراء لا وقت عند علماء المادة حتى لسماعها ، فالعلم المادي بشقيه الإحيائي والتكنولوجي يعتمد على حقائق لا أراء ولا مبررات عقلية متناقضة ، فعندما يقولون غليان الماء عند 100 درجة مئوية حقيقة ، فإنه لا أحد يستطيع أن يعارض ، فالعلمانية أعطتنا مبررات منطقية وثبت أنها متناقضة وحاول الفلاسفة وضع معايير عقلية لتحديد الحق والصواب فقالوا : لنأخذ الحرية والعدل والمنفعة والسعادة ... الخ، ومن الصعوبات التي واجهتهم أن هناك تناقض بين هذه المعايير ومنها أن هذه أهداف عامة لا اختلاف حولها ، فلا يوجد عاقل يقول أن هدفي هو التعاسة أو الظلم ، وأنها مقياس لتحديد الحق من الباطل ، ومن التناقض في هذه المبادئ : أن العلمانية الرأسمالية أعطت وزناً أكبر لقضايا الحرية مما جعل وزن العدل يقل في حين أن العلمانية الشيوعية فعلت العكس ، فالحرية تجعل الناس يتفاوتون في ثرواتهم وحظهم من الغنى والفقر فقد يسكن فرد منهم قصراً به مئات الغرف ، وينام الآخر في العراء ، في حين أن الشيوعية تحرص على نفس السكن أو مساكن متقاربة ولا تعتبر هذا يعارض الحرية الشخصية بل لا تعتبر تملك الثروة الهائلة بل المعتدلة من الحرية أصلاً ، والمشكلة أنه ليست عندنا حرية أو عدل فقط بل هناك مساواة ومصلحة جماعة ومصلحة فرد ومصلحة شعب، وهناك السعادة والرحمة والمنفعة " المصلحة " والإخاء والاحترام والحب والإبداع والتمتع والراحة النفسية والعزة والرفاهية والاستقرار والتملك والراحة الجسدية واللذة ، وهذه وغيرها أهداف نريد أن توصلنا لها عقائدنا ونظمنا ومفاهيمنا وقوانيننا ونريد أن نصل إلى نظام صحيح يحقق التوازن الصحيح بين هذه الأمور ، فلا نتطرف في ماديات ولا روحانيات ولا غرائز وهذه الأمور أهداف متداخلة مع بعضها ، وأحياناً متناقضة واقتناع العقول البشرية بأهميتها كلها أو بعضها أمر مختلف فيه كما أن إعطاء أوزان لها أمر مختلف فيه حتى لو تم الاتفاق على بعضها أو كلها كعناصر معيارية فقد تكون الانتخابات تعطي حرية ولكنها قد لا تعطي عدلاً ، وقد يخسرها المخلصون والعلماء وينجح بها المنافقون والجهلاء ، أما إذا حددنا مواصفات دقيقة تمنع ترشيح الجهلاء والمنافقين فإن هذا معناه تقليل حجم الحرية ، فالبعض لن يكون من حقه الترشيح أو حتى الانتخاب ، بحث العلمانيون والفلاسفة هذه القضايا فقالوا لنعتبر الشيء حقاً وصواباً إذا حصل على اتفاق الأغلبية أي من خلال التصويت وما عداه خاطئ ، وقال آخرون لنجعل معيارنا للحق السلطة سواء كانت أباً أو أماً أو حكومة ، وقال آخرون إن مقياس الحقيقة هي أن نعيش تجربة عملية ، ثم نستنتج بعدها حقائق هذا الواقع وقال غيرهم لنجعل المصلحة هي


 

 

 

الميزان ونقيس الإيجابيات والسلبيات ، واختلفوا في ذلك والإيجابيات والسلبيات تختلف وزناً واتجاهاً من طرف إلى آخر ، وقد قيل مصائب قوم عند قوم فوائد ، وقال آخرون ما رأيكم أن يكون معيارنا هو تجربة كل فكرة على الواقع ، والفكرة التي تبقى وتعيش هي الصحيحة ، أما التي تموت فهي الخاطئة وبعضهم قال لنجمع علماء من مختلف التخصصات ، ونجعلهم يحددون المعايير وبعضهم قال لنأخذ بعض العلماء ونجعلهم يعرفون كل أنواع العلم ، ثم سيكونون قادرين على وضع هذه المعايير ، وبعضهم حاول أن يصنع معياراً مركباً من عدة نقاط ، وكل هذه المعايير وجدت من يرفضها كلياً أو جزئياً وينفي مناسبتها لتحديد الحق من الباطل ، وطبعاً سيختلف الناس فيمن يضع هذه المعايير بمعنى لو اخترنا مئة عالم أمريكي لأعطونا معايير متأثرة بخبرتهم وتجاربهم ، ولو أخذنا مئة عالم صيني لأعطونا معايير أخرى ، وهكذا فستكون معايير تحديد الحق من الباطل هي معايير ظنية ومتغيرة ومختلفة من فريق إلى آخر وهنا نحن نفترض أن المئة عالم " مفكر " أمريكي سيتفقون على معايير واحدة من خلال نقاش وحوار وسيتضح للجميع أن هذه هي المعايير الصحيحة لتحديد الصواب من الخطأ أي أن الاتفاق لن يكون من خلال التصويت ، وهذا أيضاً افتراض خيالي لأن العقول الأمريكية متعارضة كفلاسفة وعلمانيين ومفكرين ، فإذا كان من الصعب وأحياناً من المستحيل أن يتفق فيلسوفان كبيران على عشر حقائق فما بالك بمئة عقل وما بالك بمئة عقل من مختلف أنحاء العالم ، إن النتيجة المنطقية والبديهية أننا لن نصل إلى معيار لتحديد ما هو الحق وما هو الباطل في القضايا المختلف حولها وأقول المختلف حولها لأن هناك قضايا لا اختلاف حولها بين العقلاء مثل أن السرقة شر والاعتداء على الناس خطأ ، والتواضع صفة محمودة ، ومساعدة الفقراء رقي وحضارة .. الخ ، وقال هنترميد عن معيار مركب : " حدود المعيار المركب : ولكن من سوء الحظ أن جزءاً فقط من القضايا التي يتعين الحكم عليها بأنها " حقيقة " أو " بطلان " هو وحده الذي يستطيع الصمود لكل هذه المعايير " (1) وقال " تعد مشكلة الحقيقة من أعقد المشكلات التي يتعين على الفلسفة بحثها ، ذلك لأنه ليست هناك كثرة من " الحقائق " فحسب ، بل إن الناس نادراً ما يعنون نفس الشيء عندما يضعون عبارة بأنها " حقيقة " وقال


 " لأن الخلاف الأساسي يكمن في أن أحد الفريقين يستخدم نظرية أو معياراً معيناً للحقيقة ، في حين يرتكز الآخر على مفهوم مختلف كل الاختلاف " وقال " فإذا قلت " حقيقي " وكان في ذهني معنى معين ، وقلت أنت نفس اللفظ وكان في ذهنك معنى آخر ، لكن في مواصلة الحديث مضيعة للوقت (1) أي إذا كان الميزان الذي في ذهنك لتحديد الحق من الباطل يختلف عن الميزان لدى فرد آخر فلا فائدة حتى من الحوار ، فالعلمانية عجزت عن إيجاد الميزان الصحيح، ومعنى هذا الكلام إن كان معيار تقييمك للرجال أن الأفضلية هي للأصدق والأكرم في حين أن فرداً آخر عنده الأفضلية، هي للأغنى والأجمل فإن اختلافكم هنا هو في المعيار ، وبالتالي لن تتفقا على ترتيب عشرة رجال حسب الأفضلية وهذا ما حدث مع اختلاف المعايير في العلمانية حيث تحديد الحقيقة يصبح مستحيلاً إذا كان كل فرد أو حزب أو دولة تستخدم معايير مختلفة ، فهذا سيؤدي إلى أن كل طرف يرى الحقيقة التي صنعها أو ما يريد أن يعتبره حقيقة مما يجعل لدينا حقائق لكل طرف أو آراء مقتنع بها كل طرف ، ونحن نريد حقائق أصلية وليست مسميات وهمية لوجهات نظر شخصية وآراء ظنونية ،قال تعالى " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " النجم (23) وقال تعالى " وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يُغني من الحق شيئا " النجم (28) وقال تعالى " وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون " يونس (36) معنى هذه النتيجة التي وصل إليها العلمانيون أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى العلم الفكري والحقائق الفكرية ، وإليكم هذه الاعترافات ، وهذه الأقوال قال برتراند رسل في كتابه تطوري الفلسفي: " إنه لا يمكن الادعاء بالقطعية ( في النظرية أو الآراء ) على النحو الذي سار عليه الفلاسفة المتسرعون ، بكثرة وبدون جدوى" (2) وقال أ.م. بوشنسكي " ولم يعتقد برتراند رسل ، منذ البداية أن بإمكان الفلسفة أن تقدم إجابات مؤكدة كثيرة، وحيث أن وظيفتها هي أن تفتح مجالات أما العلم ، فإن عليها أن تثير المشكلات لا أن تجد حلها ، أن المهمة الرئيسة للفلسفة مهمة نقدية (3 وعلق أ.م. بوشنسكي " ومن مزايا هذه الطريقة في التناول أنها تنبه العقل ، ولها من القيمة ما يفوق الإجابات الفلسفية التي تحمل الشك بين طياتها للأبد " (4) وأعلق لا نريد جدلاً ونقداً وحواراً لا ينتهي ، نريد أن نصل للحقائق الفكرية وقال جوليان هكسلي : " يجب أن نستعد


ــــــــــــــــ

(1) ص 152 المصدر السابق

 (2) ص 34 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان

(3) ، (4)  ص 86 ص 87 الفلسفة المعاصرة في أوروبا أ.م. بوشيسكي ترجمة د. عزت قرني

 

 

 

لمواجهة الحقيقة، وهي أن جهلنا بالحقائق النهائية سوف يستمر إلى الأبد بسبب فطرتنا المحدودة " (1) وقال دكتور الكسيس كاريل " نحن ضحايا تخلف علوم الحياة عن علوم المادة " (2) وقال جوليان : " إن محاولة تقديم تفسير لعلم الإنسان ينطبق على كل إنسان ضرب من المستحيل وجرى وراء السراب " (3) أما الأستاذ عادل ضاهر فقد قال في كتابه الأسس الفلسفية للعلمانية " فالمشكلة الأساسية هنا هي أن ادعاءنا امتلاك معرفة معيارية بصورة مستقلة ، بعكس ادعاءنا امتلاك معرفة علمية بصورة مستقلة ، هو ما يشكل موضوع تساؤل ، ليس فقط من قبل منظري الحركات المناهضة للعلمانية ومن لف لفهم ، بل وحتى من قبل جزء كبير من الفلاسفة العلمانيين ، فإن بين الأخيرين عدداً لا يستهان به ينفي إمكان أو وجود معرفة عقلية، على المستوى المعياري ، بينما بالمقابل ، يكاد يستحيل أن نجد شخصاً واحداً عاقلاً ينفي وجود أو إمكان وجود معرفة عقلية مستقلة على المستوى العلمي " (4) والمقصود هنا أن هناك حقائق في المجال المادي في حين أن هناك عدم قدرة للوصول للحقائق في المجال الفكري وقال الشيخ عبد الحليم محمود : " والواقع أن العالم منذ أن نشأ ، وهو يحاول أن يجد مقياساً عقلياً ليزن به الحق والباطل ، في ميدان الأخلاق وما وراء الطبيعة ولكنه ، على مر الدهور ، وعلى اختلاف البيئات ، وبرغم الجهد المتواصل ، لم يجد هذا المقياس العقلي " (5) وقال ابن القيم : " وقد أجمع العلماء على أن ما لم يتبين ولم يُتِيقن فليس بعلم ، وإنما هو ظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً " وقال النبي r : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " (6) وجاء في كتاب نظرات في النبوة " إن للعقل اختصاصه وميدانه وطاقته، فإذا اشتغل خارج اختصاصه جانبه الصواب، وحالفه الشطط والتخبط، وإذا أجري في غير ميدانه كبا وتعثر، وإذا كلف فوق طاقته كان نصيبه العجز والكلال " (7) وقال الأستاذ عبد الباري الندوي " لم يستطع علماء الأخلاق حتى الآن أن يعينوا المعيار الحقيقي للخير والشر " (8)

ــــــــــــــــــــ

(1)، (2)، (3) ص 93، ص98 الدين في مواجهة العلم للأستاذ وحيد الدين خان

(4) ص 172 الأسس الفلسفية للعلمانية الأستاذ عادل ضاهر

(5) ص 175 التفكير الفلسفي في الإسلام الشيخ عبدالحليم محمود

(6) ص 24 رسالة التقليد للإمام ابن القيم

(7) ص 38 كتاب الرسل والرسالات د. عمر الأشقر

(8) ص 54 الدين والعلوم العقلية الستاذ عبدالباري الندوي

 

 

العلمانية منبع الجهل

عندما أقول : أن العلمانية منبع الجهل فهذه حقيقة فكرية أساسية يجب أن يعرفها كل من يبحث عن الحقائق ، وقد يقول قائل كيف تتهم العلمانية بأنها منبع الجهل ، وهي التي  تدعو للاعتماد كلياً على العقل ، وتدعو للقراءة والتفكير والنقاش وأقول إن استخدام العقل على الطريقة العلمانية يوصل للتناقض والحيرة والضياع أي الجهل أي الفشل في الوصول على الحقائق ، أما القراءة والتفكير والنقاش فلن يؤدون إلى حقائق بل هذا يعتمد على نوعية ما نقرأ والطريق الصحيح في النقاش وإلا ستكون النتيجة هي الجدل والنقاش البيزنطي ، وإذا أخذنا الموقف العلماني من كل القضايا الفكرية الأساسية وجدناه مشوهاً ، ولا يوصلنا إلى الحقيقة ، فإذا قلنا هل الله موجود أم لا ؟ قال بعضهم نعم موجود وقال آخرون لا غير موجود ، وقال فرق ثالث أنا أشك في وجوده ، فهم بين الإيمان والإلحاد والشك ، ولست أنا وحدي من يتهم العلمانية بالجهل فالعلمانيون يتهمون بعضهم بالجهل فكل واحد منهم يتهم من يناقضونه الرأي بأنهم على خطأ أي جهل ، فالعلمانيون يتناقشون ويتكلمون ولكنهم لا يتفقون على حقائق فكرية ، بل يتناقضون ، بل هم لم يتفقوا على حقيقة فكرية واحدة مع أن العلمانية لها أكثر من ثلاثة قرون تقرأ وتتأمل وتبحث وتناقش ، بل منذ آلاف السنين من أيام الفلاسفة القدماء ، وهم لم يتفقوا على حقيقة واحدة وهذا يعني أنه لا يوجد عندهم علم فكري ولا يوجد حقائق فكرية فكل شيء خطأ ، وفي نفس الوقت كل مبدأ أو فكرة أو رأي تجد له مؤيدين  منهم ، فأي شيء بإمكانه أن يكون صواباً وحقاً حتى لو كان فكرة سخيفة وكل شيء بإمكانه أن يعتبر خطأ وباطلاً حتى لو كان حقيقة فكرية عظمى تسندها الأدلة العقلية كوجود الله سبحانه وتعالى ، وكصدق الأنبياء ، فمن البديهيات أنه لا يوجد فكر علماني بل توجد مبادئ وآراء كثيرة ومتناقضة من الرأسمالية إلى الشيوعية إلى غيرها من المبادئ ، ولا يوجد وهذه قضية مهمة عقل بشري واحد ، بل توجد عقول بشرية كثيرة ، فهناك عقل رأسمالي وعقل شيوعي وعقل نازي ، وعقل اشتراكي ، وعقل انتقائي ... الخ ، فعندما قالت لنا العلمانية اتبعوني وسأوصـلكم بالعقل للحقائق الفكرية وجدنا أنها لم توصلنا إلى حقائق بل إلى آراء ووجدنا أن هنـاك أكثر من عقل بشري، وكل عقل يعتبر نفسه الواعي والذكي وكما قـيل : " كل بعقله راض " كما أن العلمـانية لم تُعطنا نظاماً اقتصادياً متكامـلاً بل أعطتـنا أنظمة اقتصـادية متناقـضة رأسمالية وشيوعية واشتراكية .. الخ ، وهذا ينطبق أيضاً على النظام


 

 

الاجتماعي والسياسي والتربوي ... الخ ، وإذا أوصلتنا العلمانية إلى أنه لا توجد حقائق فكرية فهذا قمة الجهل ، وقمة الضياع وقمة التخلف فإذا كان ما يوجد هو آراء وليس حقائق فمعناه لا يوجد علم ، ولا يوجد جهل وهذا هو الجهل بعينه، وبالتأكيد أن الجهل لم يحلم في تاريخه الطويل بأن يتساوى مع العلم ، وهذا هو ما وصلت إليه العلمانية قال برتراند رسل " تدعي الفلسفة منذ القدم ادعاءات كثيرة ، ولكن حصيلتها أقل بكثير بالنسبة إلى العلوم الأخرى " (1) وقال آلان ود " برتراندرسل فيلسوف بدون فلسفة " (2) قال هنترميد "الفلسفة مضيعة للوقت" الفلسفة لا تحل أية مشكلة". الفلسفة لا تعالج إلا مشكلاتها الوهمية الخاصة – بل إنها تعجز عن حل هذه المشكلات". مثل هذه الملاحظات توجه إلى الفيلسوف المحترف وإلى طالب الفلسفة "(3) وقال أ.م . بوشنسكي " ولكن الأهم من هذا كله أن كل هؤلاء الفلاسفة الماديين يقفون حيارى لا يكادون يبينون بشأن كبريات مشكلات الإنسان وهي المشكلات التي اهتم بها الفكر الأوربي في القرن العشريين الميلادي أعظم اهتمام ، ففيما يخص الألم والعذاب والأخلاق والدين فإنهم يقتصرون على القول بأنها أمور لا تحمل مشكلات للفلسفة ، أو قد يقول بعضهم : إنه من المخالف للعقل اعتبارها مشكلات فلسفية على الإطلاق " (4) وقال " حيث يرون " الفلاسفة الماديون " أن أيه مناقشة حول أمور نفسية لا تكون بذات معنى " (5) وقال هنترميد " حرية الإرادة في مقابل الحتمية : على الرغم من أن علم النفـس الحديث قد دعم وجهة النظـر الحتمية بقوة فإن الحتمية ما زالت حتى الآن فرضاً لم يتم إثباته " (6)  وقال " على أن أيا من جانبي النزاع الحاد الخاص بحرية الإرادة لم يفلح في قهر الجانب الآخر ، وما زالت هذه المشكلة ، على الأرجح أكثر أبناء الفلسـفة إثارة للضجـيج والمتاعب ، ولكن هنـاك على الأقل احتمال في أن يؤدي تطور علم النفس إلى تسـوية نهائيـة لهذه المسـألة القديـمة العهد، ولو حدث ذلك لكان هذه يوماً سعيداً لأمها الفلسفة " (7) ولاحظ


هنا كلمات لم يتم إثباتها ، وهناك احتمال ، ولو حدث هذا ، وحيارى وادعاءات ، وليست ذات معنى ، وانظر إلى الفيلسوف هنترميد وهو يقول : " ففي وسع المرء أن يستبعد المشكلات التي عرضناها حتى الآن ، ( مشكلة الله ، مشكلة حرية الإنسان ، مشكلة الدين ) على أساس أنها ليست بذات أهمية علمية ملحة مهما تكن حقيقتها ودلالتها من حيث هي مشكلات عقلية ، ولكن ها هي  ذي مشكلة تعد أكثر المشكلات الإنسانية الكبرى اتصالاً بالإنسان ، وأعمقها تأصلاً فيه ، وربما أشدها إلحاحاً عليه وأعني بها وما الحياة الخيرة " ؟ (1) فهو يجعل وجود الله والدين وحرية الإنسان قضايا غير ذات أهمية عملية ، وما فعله خطأن أولهما هروب من قضايا كبرى اهتم بها الإنسان وعجزت عنها العلمانية والفلسفة والشيء الثاني أن هذه القضايا ذات أهمية عملية عظمى ، فالإيمان بالله والعقائد الدينية تُترجم إلى أعمال وعبادة وجهاد وأنظمة فكرية وسلوك وأحزاب وجماعات ودول وأخلاق ومعاملات وشعارات وحرب وسلام وهذه أمور يعرفها كل إنسان عاقل حتى لو لم يكن مؤمناً بوجود الله ، ولكن العلمانية لها أساليب وآراء في تشويه الحقائق الفكرية خدعت بها كثيرين وللأسف فأحياناً تقول إن القضايا الإيمانية ليست لها علاقة في الحياة الدنيا ، بل فقط بالحياة الآخرة ، وأحياناً تقول : لا علاقة للدين بالسياسة ، وأحياناً تقول لا نحتاج الدين في حياتنا .. الخ وهذا من أساليب نشر الجهل واتباع الأوهام والظن ، وليت كل العلمانيين والفلاسفة يعترفون كما اعترف سقراط حين قال " إنني جاهل ، وأعرف أنني جاهل ، وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون " ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل نجد الأستاذ عادل ضاهر يعلق على الأسئلة الكبيرة أي القضايا الفكرية الكبرى في حياة الناس من عقائد وأنظمة فيقول: "لا أحد يمكنه أن يدعى أنه  أكثر كفاية من الآخـرين لمعالجة أسـئلة مقلقة كهذه ولا سلطة دينية أو علمانية يمكنـها أن تدعي ذلك " (2) ولو قـال الأسـتاذ عـادل أن العلمانيين عجزوا لقلنا هذا صحيح ، وهذه حقيقة فكرية واضحة نتفق معـهم فيها ، ولكنه تكلم بالنيابة عن أهل الإسلام والأديان السماوية ، وقال هم أيضاً ليست لديـهم الكفاية لمعالجة هذه الأسئلة المقلقة في حين أن أهل الإسـلام يقولون عكس ذلك ، فهم لديـهم إجـابات معروفة، وأدلة عقلية ووضوح ونور وهداية وعلم وبصيرة وحكمة


 

 

قال سبحانه وتعالى " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " سورة الرعد 19 ، 20 وقال تعالى " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " سورة الحديد 25 فما أنزله الله سبحانه وتعالى هو الحق ، أي الحقائق الفكرية التي تجيب على الأسئلة المقلقة وغيرها مما يحتاجه البشر ، وسنتحدث في مقال قادم إن شاء الله عن الطريق الإسلامي للوصول للحقائق الفكرية وأدلته العقلية ، وسنداعب العلمانيين قليلاً لنقول إن أغلبكم وليس جميعكم مقتنعون ومتفقون على قضية واحدة ، ويرون أنها صواب وحق وهي أن من يريد الحقائق والعقل فليبتعد عن الأديان السماوية فلا يوجد فيها حقائق ، ونقول لهم أن هذه " الحقيقة " الفكرية الوحيدة عندكم هي أيضاً خاطئة فالإسلام هو منبع العلم الفكري والحقائق ، وأنتم أخذتم تبحثون في مكان آخر ولهذا ضعتم وجهلتم ومشكلتنا مع العلمانية ليست فقط أنها منبع الجهل الذي أصاب العالم خلال الثلاثة قرون الماضية بل أيضاً إنها حتى هذه اللحظة لم يقتنع العلمانيون بجهلهم ، قال أحد علماء المسلمين : " ما عُصي الله بمعصية أعظم من الجهل قيل هل تعلم يا أبا محمد معصية أعظم من ذلك قال  نعم الجهل بالجهل " فمن لا يعرف الحقائق الفكرية هو أعمى فكرياً، ومن لا يعلم أنه أعمى فكرياً فهو أعمى مركباً لأنه لم يدرك جهل وجنون العلمانية الذي جاء في قول الدكتور عبد الحليم محمود أستاذ الفلسفة وشيخ الأزهر: " إن الفلسفة لا رأي لها، وذلك لأنها في مسائل ما وراء الطبيعة وما شابهها من القضايا الكبرى تقول الشيء وضده ، وتصدر الحكم ونقيضه ، يعني أن ما يقوله فيلسوف ينقضه آخر ، وما يبنيه واحد يأتي آخر في عصره أو بعده فيهدمه من أساسه ، وبهذا لا تستطـيع الفلسـفة أن تعطي رأياً واحداً محـدداً في قضية كبرى " (1) ونحن لا نريد آراء متناقضـة ولا حتى آراء متفقة بل نري حقـائق فكرية وعلم فكري ، قال الشافعي رحمه الله " مثل الذي يطلـب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل ، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يـدري " (2) وهنا ننبه إلى قضـية هـامة وهي أن العلمانيين أحياناً يصلون إلى حقائق فكرية وهذا هو الاستثناء


 لا القاعدة ، بمعنى أن من يعطي إجابات كثيرة متناقضة فإن بعض هذه الإجابات ستكون صحيحة ، فهناك من العلمانيين من آمن بوجود الله ، وهناك من أنكر ، وهناك من أخذ موقفاً متشككاً ، فمن آمن وصل إلى حقيقة فكرية ، وهذا ينطبق على قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية ، فليس كل ما تقوله العلمانية خطأ وهذا ليس ذكاء منها بل لأنها تعطي إجابات كثيرة متناقضة ، ولكنها لا تدري أيها الإجابة الصحيحة من الإجابات الكثيرة التي يقدمها العلمانيون والفلاسفة ، فالعلمانية هي التي لوثت الحقائق الفكرية ، وضربت العلم الفكري بالصميم ، وفتحت الأبواب الواسعة للجهل ليتكلم وينتج الآراء والفلسفات والعقائد الباطلة ، ويبني الأنظمة والأحزاب لتختلف وتتصارع وتملأ الأرض جهلاً وشراً وظلماً وضياعاً وتفككاً ، فالجهل هو أعدى أعداء الإنسان وهو منبع الانحرافات والشر والظلام ولكن العلمانية ألبسته ثوباً عقلياً وعلمياً مزوراً ، فإذا كان الجهل سائداً فإن هذا معناه بناء الأنظمة والعقائد والعقوبات والأعمال على أسس خاطئة وباطلة قال ابن القيم " فيا لله العجب ! كيف تُستباح الفروج والدماء والأموال والحقوق وتحلل وتحرم بأمر أحسن أحواله وأفضلها لا أدري ؟ " (1) فمع اعتراف الفلاسفة والعلمانيين بالضياع والحيرة والتناقض ولا أدري إلا أنهم شرعوا الدساتير والقوانين ووزعوا الحقوق والواجبات وادعوا العلم والتقدمية والحضارة ، قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : " الناس ثلاثة : " فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق " (2) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " والجهل والظلم هما أصل كل شر كما قال سبحانه " وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً " (3) سورة الأحزاب 72 وقال ابن القـيم رحمه الله " إن كل صفة مدح الله بها العبد في القرآن فهي ثمرة العلم ونتيجـته ، وكل ذم ذمه فهـو ثمـرة الجهل ونتيجته " (4) وقال " الجهل نوعـان : عدم العلم بالحـق النافع وعدم العمل بموجـبه ومقتضاه فكلاهما جهل لغة وعرفا وشـرعاً وحقيـقة " (5) وأقول البناء العلمي الفكري الصحيح في العقائد والأنظمة والدساتير والقوانين والحياة الزوجية والجوانب السياسية


والاجتماعية والاقتصادية هو الذي يحقق العدل والحرية والسعادة والمساواة والحب والتواضع ، وإنسان بدون حقائق فكرية ( علم فكري ) كمن يريد بناء مصنع معقد ومتطور بدون حقائق مادية ، وعلم مادي ونقول بأعلى صوتنا أن العلم الفكري هو الأساس في تحديد المعنى الصحيح للحرية والعبادة والعدل والعقيدة الصحيحة، وهو يحد لنا من الأحرار ومن العبيد ومن الدولة العادلة ومن الدولة الظالمة ومن الواعي ومن الجاهل ، ألم يقل الإمام علي بن أبي طالب " اعرف الحق تعرف أهله " وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه " الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه " (1)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأسس الجاهلية للعلمانية

 

لم تستند العلمانية أبداً إلى حقائق فكرية على مختلف مدارسها الرأسمالية والشيوعية والنازية وغيرها إنما استنادها هو فقط للظن والتخمين والرأي والاحتمال والحل الوسط والتصويت ولا أدري ، وكما يقول الإنجليز في نهاية اليوم لا بد أن تتخذ عقائد وأنظمة ومبادئ ونظريات، فأخذت مبادئها حسب درجة الضياع التي وصلت لها كل مدرسة من مدارسها الضائعة، وتجاهلت دعوتها لنا لنتبع عقلها الذي يوصلنا للحقائق الفكرية ، ولم تعترف اعترافاً صريحاً كما اعترف بعض كبار فلاسفتها بأنها ضائعة وأنها وصلت لطريق مسدود ، وأن الطريقة العلمانية في استخدام العقل كانت خاطئة ، وإليكم بعض الطرق والوسائل والمنطلقات التي اعتمدتها المدارس العلمانية حتى نعرف مدى ضعفها وخطئها وغياب أي أسس علمية لها .

1) الإنسان مادة: اتبع الشيوعيون والفلاسفة الماديون أسلوب التجربة والمشاهدة والاستنتاج أي أسلوب الوصول للحقائق المادية في مجال الحقائق الفكرية ، فاعتبروا الإنسان مادة ، واعتبروا أن العقائد الصحيحة يمكن الوصول إليها من خلال حركة الحياة التاريخية والتعامل مع الإنسان كمادة نراقبها وندرسها ، واقتنعوا بأن المحرك للإنسان هو المصلحة فقط ، ولا توجد مبادئ ولا عقائد ولا أديان ولا حتى أمور عاطفية ولا علاقات اجتماعية ولا أخلاق ولا انتماءات عرقية ولا إله وظنوا أن الحياة تتحرك كمادة ، وأن المستقبل سيؤدي إلى حتمية معينة وهي سيطرة الشيوعية ، لأن هذا جزء من التطور المادي ، وسموا نظريتهم الاشتراكية العلمية ، وقدموا تبريرات عقلية واهية يظنون أنها تثبت نظريتهم فأخذوا بعض النظريات ولا أقول الحقائق المادية كنظرية التطور لداروين ، واختاروا بعض القصص والأحداث التاريخية كأدلة لفكرهم ، وتجاهلوا ما يعارضها وقد ذكرنا أن الإنسان يختلف عن المادة ولا يتصرف كما يتصرف الحديد أو الماء إذا أخضع لتجربة مادية ، ولكنهم تجاهلوا هذا أيضاً ولأن فكرهم هزيل ولا يصمد للنقاش فقط اضطروا إلى اضطهاد علماء الأديان السماوية ، والفلاسفة غير الماركسيين في روسيا الشيوعية ونفوا بعضهم وسجنوا آخرين وأعدموا بعضهم فلا حرية ولا نقاش ، والفكر الهزيل بحاجة إلى قوة تحميه وأخيراً سقطت الشيوعية سقوطاً ذريعاً ، ونقول إن أطفال المسلمين يعلمون أن هذا فكر باطل وشيطاني وجاهل ولكن روسيا احتاجت سبعين


 

 

 

 

 

عاماً حتى تعلن ذلك ، والمشكلة ليست في العقل البشري ولكن في الطريقة العلمانية في استخدامه ، وإليكم ما قاله ميلوفان دجيلاس النائب السابق لرئيس يوغسلافيا عن الانتخابات الشيوعية " أنها سباق يعدو فيه حصان واحد " وقال عن الأحزاب الشيوعية " لقد أكدت هذه الطبقة الجديدة إنها أكثر تسلطاً في الحكم من أية طبقة أخرى ظهرت على مسرح التاريخ ، كما أثبتت في الوقت نفسه أنها تحمل أعظم الأوهام ، وأنها تكرس أعتى أساليب الظلم في مجتمع طبقي جديد " (1) وهذا الفشل لا ينفي وجود نجاح جزئي بالوصول لبعض الحقائق الفكرية من خلال دراسة واقع الإنسان وتصرفاته وأحداث التاريخ والأسباب والنتائج .

2) لا توجد حقائق فكرية: أما العلمانيون الرأسماليون فكانوا أذكى بكثير من العلمانيين الشيوعيين ، فهم لم يتطرفوا في ادعاء العلم والحقائق الفكرية بل حرصوا على مصالحهم المادية وشهواتهم وأشغلوا أنفسهم بالأغاني والأفلام والروايات والفنون التشكيلية والمسرحيات والموسيقى ، وتركوا كثيراً من الأسئلة بدون إجابات ، ولم يدعوا كالشيوعيين أن علمانيتهم توصلهم لكل الحقائق ، فلم يحددوا الحق من الباطل والصواب من الخطأ في كثير من العقائد والعبادات والأمور الاجتماعية ، ولم يقدموا أدلة علمية على صواب فكرهم ، وقالوا أنت حر في عقائدك وعبادتك وحياتك الشخصية فيجوز أن تعبد الله أو تعبد صنم أو لا تؤمن بشيء ، ولتختر كل دولة ما تشاء من قوانين اجتماعية وسياسية واقتصادية ، وحاولوا من خلال مبدأ التصويت ومبدأ الحلول الوسط حل اختلافاتهم العقلية العلمانية ، ونجحوا كثيراً في قضايا العلم المادي، وهذا هو ما أكسبهم قوة ، ونجحوا أيضاً في الوصول إلى حقائق فكرية كالديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الأقليات كأسس وليس في كل جوانبها وهذا أعطاهم قوة فكرية جزئية ، ولكن فشلهم العقائدي والاجتماعي واضح جداً في شقائهم الاجتماعي والعقائدي والشخصي، والرأسماليون اعتبروا ما وراء الطبيعة أي القضايا الفكرية الكبرى لا علاقة لها بالواقـع، فأعتقد ما شئت فيها أما القضايا السياسية والاقتصـادية فيحلونها بالتصـويت وليس بالاحتكام إلى العقل، أما القضايا الاجتماعية والشخصية فأنت حر فيها أي، أنهم


فلسفوا عجزهم العقلي بأنه لا داعي للعقل ولا حاجة للحقائق الفكرية ، أما المهم عندهم فهو أن تقرأ لشكسبير وأن تكون قرأت قصة العجوز والبحر أو أحدب نوتردام ، أو أن تعرف الموسيقيين الكبار وتاريخ أمريكا ، وكتاب هذا السياسي ، أو ذاك فالأمور الثانوية أو غير الهامة هي التي يقيسون بها ثقافة وعلم الأفراد في حين أن الحقائق الكبرى يتجاهلونها ويجهلونها ولا يعتبرون ذلك جهلاً ونبين هنا قضية مهمة جداً وهي الفرق بين العلم والثقافة ، وبين العالم والمثقف ، فالثقافة هو أن تعرف معلومات كثيرة عن عقائد وأحداث ولكن إذا كنت لا تدري ما هي العقائد الصحيحة فأنت لا تعرف العلم من الجهل ، فأنت مثقف جاهل، فالقراءة والبحث لا تعني أنك صاحب علم بل العلم يقاس بكمية الحقائق الفكرية التي تعرفها .

3) العرق هو المنبع الفكري: أقام النازيون والعنصريون عموماً فلسفتهم بناء على اختلاف الأعراق سواء بين أجناس أو أمم أو شعوب أو قبائل أو عوائل ، واختاروا من أقوال العلمانيين والتاريخ وغير ذلك أدلة عقلية مزورة تثبت " صواب " عقائدهم وأفكارهم ، ولا داعي لمناقشتهم ولكن يكفي أن نقول إن المسلمين والمسيحيين يعلمون أن الله خلق البشر متساويين ، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم ، وهذه حقائق فكرية راقية يعرفها الناس منذ عشرات القرون ، ومع هذا نجد الفكر النازي العلماني وفي القرن العشرين مقتنع بأن العرق الآري أفضل البشر ، فأصحاب الأديان السماوية يعرفون سخافة الفكر العنصري بمختلف مدارسه ، ولكن العقل العلماني الألماني مقتنع به ، أما العقل العلماني الرافض له كالشيوعي والرأسمالي فإنه عاجز عن إثبات انحرافه لأن نقاش العقول العلمانية لا ينتهي في الغالب إلى نتائج متفق عليها ، بل إلى جدل لا ينتهي لأن لكن طرف مبررات منطقية تبدو كأنها صحيحة.

4) التجربة خير برهان: قال الفلاسفة الوجوديون : إنك ستصل إلى الحقائق الفكرية من خلال تجربة حية أي من خلال التجارب الشخصية وممارسة الواقع ، فالمسألة لم تعد العقل والتفكير ، بل التجربة الشخصية ، وهذا أيضاً باب من أبواب الضلال فكل إنسان سيكون عقائده ومفاهيمه عن الحق والباطل والصواب والخطأ من خلال تجربة شخصية ، أي ستتناقض الحقائق بعدد الآراء المتناقضة من التجارب الشخصية وتصور إنسان عليه أن يصل للحقائق من خلال التجربة أي عليه أن يدخل تجارب الألم والفرح واللذة والعبادة والغضب والثورة والظلم والعدل ... الخ حتى يكون مبادئه .. أفكار هزيلة ومبادئ عنكبوتية نجد أنفسنا مجبرين على نقاشها لأنها دمرت عقولاً بشرية ، ونقول لا توجد علاقة واضحة كيف سيكون الوصول


 

 

 

 

إلى الحقائق عن طريق تجربة حية نعلم أن الشخص ذو الخبرة والعمر الطويل وممارسة العمل إذا كان ذكياً من المتوقع أن يكون أصوب في الرأي ونعرف أن المثل يقول : " اسأل مجرب ولا تسأل طبيب " ولكن هذا لا ينطبق على الجميع ولا حتى الأغلبية كما أن ما علاقة تجارب شخصية بالوصول إلى مئات الحقائق الفكرية في أنظمة اقتصادية واجتماعية وعقائدية ومن لديه الوقت والإمكانيات للتعرف أو لتجربة كل هذه الموضوعات ومن قال إن نتائج التجارب البشرية ستكون متشابهة وستصل إلى نفس الاقتناعات فهذا يتزوج ويمدح الزواج والآخر يتزوج ويذمه فأين الحقيقة ؟

5) البقاء للأصلح: قال الأستاذ زكريا فايد : وبالنسبة للفلسفة البرجمانية المنتشرة في   أمريكا ، فعندهم أن الدين مثل أي فكرة أو أي قيمة ، فالأفكار والقيم عندهم ما هي إلا أدوات للعمل ، الواقع وحده أو بالتحديد قابلية هذه الأفكار وتلك القيم للتطبيق العملي هو الذي يحدد مدى صلاحية أو عدم صلاحية هذه القيم ، وتلك الأفكار ، ولا يستثنى من هذا شيء عندهم لا الدين ولا الأخلاق " (1) فبعض العقول الغربية قالت أن الطريق للوصول للحقائق هو ترك الواقع يحسمها بمعنى أن الواقع وليس العقل من سيقودنا وبنوا قولهم على أن الصراع بين المتناقضات وبين الحق والباطل سيؤدي إلى انتصار الحق وبقائه لأن الباطل ليست لديه عناصر العلم ، ونعلم أن البشر إذا لم ينصروا الحق سينهزم وسينتصر الباطل فأي ظالم سيتمادى بظلمه إذا لم يجد بشراً يردعونه فالظلم إذا وجد أنصاراً سيبقى ، ولو كان الحق هو الذي ينتصر لما عاش الباطل حتى عصرنا هذا ففلسفتهم هي طبق الإعدام ، فإذا نجح في ردع المجرمين فهو حق أما إذا لم ينجح فهو باطل ، ومعروف أن هناك عوامل تتدخل في الواقع من مبادئ ومصالح وظروف وغنى وفقر فهذا الطريق لا يوصل إلى الحقائق فما ينجح في بلد يفشل في بلد آخر ، فالحقيقة الفكرية تثمر في مكان ولا تثمر في مكان آخر إذا لم تكن التربة صالحة ، كما أن معنى هذا الكلام أن تطبق في بلد ما أنظمة اقتصادية رأسمالية وشيوعية وإسلامية .. الخ حتى نترك الواقع يقرر ما هو أصلح أي الذي سيبقى هو الأصلح ، وهذا قمة الفوضى والانحراف وعدم الوضوح وعدم الاستقرار ووضع الناس والأجهزة الحكومية في


 

 

وضع مأساوي ، ومعنى هذا اترك الأفكار والأفراد والأحزاب والدول تتصارع والبقاء سيكون للصواب والحقيقة هي أن البقاء سيكون للأقوى ، وأن هذه هي الشريعة المطبقة في الغابة ، وإذا كانت القوى الديكتاتورية في شعب أقوى من القوى الديمقراطية فإن التطبيق سيكون للديكتاتورية، وقد تستمر عشرات السنين بل قروناً فهل هذه هي التقدمية العلمانية أم الرجعية الحقيقية .

6) الهرم المعقد: من الأمور الغريبة التي أدت إلى ستر الجهل العلماني طويلاً هو الفيضان الكتبي حيث نجد للفلاسفة والعلمانيين آلاف الكتب بدل كتاب أو كتابين للحقائق الفكرية كما في الأديان السماوية ، وهذا جعل الباحث عن الحقائق عليه أن يقرأ الكثير من الكتب، ولن يصل ليس فقط لأن ما عندهم آراء وليس حقائق بل لأنهم يعطونك آلاف الكتب وهناك صعوبة لأن يفهم بعضهم بعضاً كما أنهم يستخدمون مصطلحات كثيرة ذكرت بعضها في مقال سابق ، وكثير منها غامض ومتناقض ، وكلامهم كثير ومعقد مما يجعل الإنسان الطبيعي يمل من قراءات آلاف بل حتى مئات الصفحات من الكلام المتناقض غير المفيد بعكس الوضع مع الحقائق الإسلامية الفكرية التي يفهمها الناس لأنها واضحة وسهلة قال أ.م . بوشنسكي " والواقع أن إدراكنا أن حياة كاملة تقضى في البحث هي أمر ضروري لمعرفة فيلسوف واحد فقط " (1) وقال هنترميد : " أما أفكار معظم المفكرين الكبار فتصاغ عادة من خلال مصطلح فني أكثر تجريداً ، ينبغي أن نتعلمه مثلما نتعلم المصطلح الخاص بأي علم ، وهذا المصطلح الفني هو في الوقت ذاته الحاجز الأكبر الذي يقف حائلاً بين معظم الفلاسفة وبين عامة الناس " (2) ونقول إن مصطلحات أي علم آخر متفق عليها كما في مصطلحات الكيمياء أو الطب أو الإسلام ، أما المصطلحات الفلسفية فهي آراء متناقضة ، وهي ترجع لآراء علمانية وليس للعلم الفكري ، كما أن هذا القول يجعل كأن العلم الفكري معقد وصعب وهو ليس كذلك ولكن ضياع العلمانيين هو الذي جعلهم يصنعون هرماً عملاقاً معقداً ومتناقضاً ، فالجهل العلماني حمى العلمانية وحمى الفلاسفة بالغموض والتعقيد حتى يظن الإنسان العادي أنه لم يفهم ما يقوله هؤلاء لأنه لم يصل إلى مستواهم من العلم والنور ، فالعلم الفكري لا يتم التوصل إليه


 

بكثرة المكتبات والكتب كما نشاهد في الغرب بل بما فيها من حق وباطل ، فالكثرة مع التناقض والاختلاف جهل وليس علماً ، ولنتذكر دائماً أنه لا يوجد شيء اسمه علم الفلسفة كما في علم الطب أو علم الفيزياء فأنت تقول يقول علم الطب ، ولكنك لا تستطيع أن تقول يقول علم الفلسفة لأنه لا يوجد علم بل توجد آراء متناقضة ، والأصح أن نقول يقول فلان الفيلسوف كذا ، ويقول الفيلسوف الآخر كذا ، ولو سألت العلمانيين هل قرأتم وفهمتم كل كتب الفلاسفة ؟ لقال كلهم لا ومع هذا يطبقون مالا يفهمونه وما يعتبر غامضاً ، فهم رفضوا تصديق واتباع رجال الكنيسة ومع هذا يتبعون رجال الفلسفة بإيمان أعمى وتقليد أعور ، أليس هذا تضييعاً للعلم والحقائق الفكرية بتصديق الفلاسفة المتناقضين ورفض تصديقهم الأنبياء المتفقين .

7) التصويت هو الحل: لجأ بعض العلمانيين إلى التصويت كطريق لحل خلافاتهم ، وهذا معناه أن ما سوف يطبق هو ما سيحصل على الأغلبية ، فلا يوجد حق ولا باطل ولا علم ولا جهل ، ولكن يوجد من ينال الأغلبية فيتحكم بالحياة وحتى لو كانت هذه الأغلبية جاهلة أو صاحبة مصالح فإن قرارها هو الصحيح لأنه لا بديل ولا طريق للوصول للحقائق ، فلتوزن الأمور بميزان الأغلبية فالحق يصبح باطلا ً إذا خسر الأغلبية والعكس صحيح ، فرضى الناس هو المقياس للحق لا العقل ولا الأدلة العقلية ، ولو طبقنا الأغلبية على المجال العلمي المادي لما استطعنا أن نصل إلى الحقائق المادية الكثيرة التي وصلنا لها ونعلم أن الحقائق المادية تخضع للتجربة والمشاهد والاستنتاج ، وما ثبتت صحته هو حقيقة حتى لو عارضها كل البشر ، وكذلك يجب أن تكون الحقائق الفكرية غير خاضعة لرأي ومزاج أغلبية ، ونمزقها بالحلول الوسط ، ونُعرضها للنوايا المخلصة والفاسدة لتحددها ، وستختلف هذه " الحقائق " من شعب إلى آخر ، والتصويت ضمن شروط يصلح لأمور معينة فكرية ، أما جعله العمود الفقري للوصول للحقائق والدساتير والقوانين والعقائد والحياة الاجتماعية والاقتصادية ... الخ فهذه كارثة علمية كبيرة، وهذا ما فعلته الحضارة العربية الرأسمالية أي إعطاء الجهل شرعية التطبيق من خلال التصويت ، وطبقوا التصويت حتى في المحاكم التي فيها حكم على دماء وأمـوال الناس، فعندما تقول العلمانية لا نريد أن يفرض أحد رأيه على الآخرين والمسـألة للتصـويت فهي تقول الحقيقة مرفوضة حتى لو كانت تملكها أقلية أو فرد فهي مرفوضة كعقيدة أو نظام أو قانون أو رأي ، فالحل هو التصويت ويعتبرون هذه مساواة بين الجميع وهي فعلاً مساواة بين


 

 

 

 

الحق والباطل والصواب والخطأ والإيمان والإلحاد بل إن حياد السلطة العلمانية ليس حياداً حقيقياً بل هو فعلاً تعصب علماني لأنه فرض المفاهيم العلمانية كالتصويت وغيره على الآخرين ، ومعناه أن الحكومة بلا مبادئ حتى إشعار آخر أي حتى يتم التصويت ، ومعارك التصويت هي التي ستحدد مبادئنا كدولة ، وستتجند كل الطاقات الفكرية والسياسية والاقتصادية لتنتصر لاقتناعاتها ومصالحها في ساحة الانتخابات والمجالس النيابية والأحزاب السياسية ، وفارق التصويت حتى لو كان قليلاً كما في الغالب هو ما سيحدد الحق من الباطل ، ولن تنتهي المعركة عند التصويت فسيحاول الخاسرون الاستعداد للمعركة القادمة ، وفي نفس الموضوع وقد يتغير القانون ويصبح حراماً ما كان حلالاً أو العكس وهكذا ، ولا شك أن المشاركة الشعبية والتصويت سيؤديان إلى درجة كبيرة من التوازن بين القوى الرئيسة في الشعب من أغنياء وفقراء وانتماءات سياسية وعرقية .. الخ وسيؤدي الرأي الجماعي إلى الاعتدال والوسطية والواقعية وهذه الأمور ذات علاقة قوية بالعدل قال تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " سورة البقرة 143 كما أن وجود الرقابة الشعبية وتداول السلطة سيوجد ضغوطاً على ممثلي الشعب تدفعهم للالتزام بالعدل في أحيان كثيرة ، ولكن هذا لا يعني أن التصويت هو الطريق إلى الحقائق الفكرية لأنه ينجح فقط في القضايا الاجتهادية الفكرية إذا توفرت الضوابط الصحيحة له ولكن بالتأكيد ليس مجاله القضايا الأساسية الفكرية مثل وجود الله وصدق الأنبياء والأحكام الاجتماعية والأسس السياسية والاقتصادية .. الخ فليس التصويت هو الذي سيحدد لنا الحق من الباطل في هذه القضايا وهي التي يختلف حولها الناس في عقائدهم العلمانية والدينية بمختلف مدارسهم القديمة والحديثة فالأحتكام فيها للعقل لا للتصويت ، كما أن التصويت يتأثر بالعصبيات السياسية والعرقية والطبقية والمصالح والتحالفات وشراء الذمم والصفقات السياسية والعداء الشخصي وفساد الضمائر والعقائد المتناقضة للمصوتين .. الخ ، وكل هذا يجعل دور " العقل " داخل المجالس الديمقراطية وفي اختيار أعضائها دور ضعيف وهذا واقع يعرفه كل منصف .

8) ركوب الحصان المادي: استغلت العلمانية التقدم العلمي المادي وجعلت الناس يظنون أنها التي كانت خلفه ، وهذا جزئياً صحيح وبالتالي فما تقوله في القضايا الفكرية هو أيضاً صحيح ، فإذا قالت : " الدين أفيون الشعوب صدقوها وإذا قالت المصلحة في فصل الدين من السياسة فصدقوها ، وقالت العلمانية لم يعد هناك مكان إلا للعلم ، وهي تقصد العلم المادي،


 

 

 

ومع هذا فالكلام والاختلاف معها هو في العلم الفكري ، فالتقدم العلمي المادي ستر العلمانية وضلل كثيرين ، وخلط الأوراق أي زاد في نسبة الجهل الفكري العالمي وإذا أضفنا إليه ما حققه التقدم العلمي المادي من غنى وإبداع ورفاهية مما جعل الناس تصدق كثيراً مما تقوله العلمانية، فالناس أو كثير منهم لا يهتمون إلا بالمال والقوة العسكرية والرفاهية ، ولا يهمهم الحقائق الفكرية فأمريكا هي القوية والغنية ونريد أن نقلدها وهذا هو الهدف الأول للكثيرين ، ولكن تأكدوا أن الحقيقة أقوى وأغنى من أمريكا العظمى فالعلم المادي حقق قفزات كبيرة ، نعم، ولكن العلمانية لم تحقق إلا الفشل والضياع ، فالعلمانية الكسيحة صعدت ظهر الحصان المادي القوي فظن الناس أن التقدم مشترك في حين أن الحقيقة غير ذلك ، كما أن العلمانية جعلت الناس تعتقد أن التقدم المادي العلمي هو الابن الشرعي لها ، وهذا خطأ فالعلمانية ساهمت في بعض النجاح لأنها تستخدم التفكير والتحليل والنقاش ، ولكن تطور العلم المادي خلال القرون الأخيرة حدث لأسباب أخرى أيضاً منها التنافس الاستعماري والقومي بين الدول الأوروبية ، وارتباط العلم والتكنولوجيا بمصالح اقتصادية وأموال وتجارة ، فلم يعد العلم قضية تهم العلماء فقط ، ولهذا حدثت استثمارات مالية كبيرة في البحث العلمي ، واهتمت الدول والشركات في الاستثمار العلمي المادي ، وإذا أضفنا إلى هذا أن العلوم المادية كانت موجودة منذ آلاف السنين سواء في الأقمشة أو التحنيط أو الطب أو صناعة السفن أو الفلك أو غير ذلك ، وهذه حقيقة تاريخية ، فإن اقتناع البعض أن العلمانية والتقدم المادي وجهان لعملة واحدة ساهم في انتشار الفكر العلماني اعتماداً على قوة الرصيد النقدي للعلم المادي .

9) الجدل البيزنطي هو العلم: من الأمور الغريبة أن البعض رفض الهدف الرئيس للفلسفة والعلمانية والذي هو الوصول للحقائق الفكرية ، وجعل هدفها هو النقد والنقاش والحوار أي نقد الأفكار والمبادئ ، و " فتح الأبواب أمام العقل " بطرح أسئلة جديدة ، فكأنها إذا فعلت هذا فقد قامت بواجبها وهذا اعتراف ضمني بالعجز الفلسفي العلماني فهو يقول ليس مهما أن أصل إلى الهدف " الحقائق " يكفي أنني أمشي للأبد باحثاً عن الحقائق ، فالمهم تأليف كتب في نقد الآخرين أو تشويههم ، ولكن إذا سألتني ما هو الصحيح وأين الحق ؟ فلا أدري أي أدري أنك على خطأ ولا أدري أين الصواب وبإمكان الفلسفة العلمانية أن تثير الشبهات حول الإسلام وتتهمه بتهم باطلة وتشوهه ، وإذا قلت لهم جدلاً نعم نحن نتفق معكم فما هو نظامكم العقائدي والسياسي والاقتصادي .. الخ ؟ قالوا لم نتفق حتى الآن ، أو قال بعضهم


 

 

إنه النظام الرأسمالي ، وقال آخرون إنه النظام الاشتراكي وقال غيرهم غير ذلك وكل هذه أنظمة علمانية ومع هذا لا تعطي العلمانية أي شرعية لأي منها ولا تستطيع ذلك ، كما لا تستطيع إلغاء الصفة العلمانية عن أي منها ، والعلمانية تهاجم وتنتقد وتهدم الأديان وحتى المبادئ العلمانية الأخرى ، ولكنها لا تبني بيتاً متكاملاً للبشر ، وهي تعتبر البيوت الفكرية زجاجية ، ولا تبني حتى بيتاً زجاجياً مثلها بل تكتفي أن تقول كلمات قليلة هي اتبعوا العقل وهو سيهديكم ، وما تقوله لا يختلف معها أحد ولكن عقل العلمانية عجز عن بناء فكر لها يهديها فالعلمانية جعلت نقد الآخرين هو فكرها وأحياناً تتبرأ منه أو من أجزاء منه، فالذي يريد أن يحارب العلمانية يحتار فهي أحياناً بلا وجه ولا ملامح ، وأحياناً بملامح كثيرة متناقضة ، وإذا وجهت سهامك إلى نموذج علماني ثبت فشله يتبرأ منه العلمانيون ، فهي أحياناً لا شيء وأحياناً كل مبدأ علماني وأحياناً بعض المبادئ والآراء حسب مزاج العلماني ، وكل علماني يختلف عن الآخر فكيف إذن سيحددون حقائقهم العلمانية ؟ وكيف ستستطيع مناقشتهم وحالتهم من الجهل والغموض لهذه الدرجة ، وما ينطبق على العلمانية ينطبق على الفرد العلماني ، فإذا قالوا هذا الفرد علماني فأنت لا تعرف ملامحه الفكرية ، وهل هو رأسمالي أو شيوعي أو عنصري وما هي عاداته الاجتماعية .. أما إذا قالوا هذا مسلم ، وأقصد المسلم الملتزم فإنك تعرف طريقة تفكيره ، وتستطيع أن تبني علاقة معه من خلال معرفتك للإسلام ومبادئه ، ومن هنا ندرك أن الزواج العلماني زواج بين أطراف غامضة ومتناقضة في حين أن الزواج الإسلامي هو بناء علاقة على أسس واضحة.

10) عقائد بلا أدلة علمية: تعطي الفلسفة العلمانية إجابات غريبة هروباً  من إعلان   عجزها ، فهي تؤمن بأن لكل مخلوق خالق كمبدأ منطقي ، ومع هذا نجد من لا يؤمن بذلك من العلمانيين يقول : إن هذا الكون المنظم خُلق بالصدفة أو لا أدري ولكن لست مستعداً لأن أؤمن بوجود الله لأنني أؤمن بأن الطفرة هي التي حولت القرد إلى إنسان ، ولا توجد أدلة علمية مادية أو فكرية صحيحة إطلاقاً على هذه الأمور بل هي غالباً ما تكون أقوال فلاسفة ليست لديهم معرفة كافية بالعلم المادي ولم يشاهدوا طفرة حولت قرداً إلى إنسان ، ولم يشاهدوا الصدفة التي خلقت الكون هي فقط افتراضات وظنون ونظريات لم تثبت يقيمون بناء عليها أفكاراً وعقائد وأنظمة وقوانين ودولاً وأحزاباً ، والعلمانية تعارض مبادئ منطقية صحيحة وتهرب منها بتفسيرات غير منطقية بل هي فعلاً أوهام وخرافات وجدل وعناد ومكابرة ، قال تعالى " كلا إنه كان لآياتنا عنيدا " سورة المدثر / 16

 

 

 

11) الهروب إلى المستقبل: من وسائل استمرار الجهل هو ما تفعله العلمانية من عمل الإنسان والمجتمع حقل تجارب لآراء ونظريات جديدة وحلول جديدة لمشاكل صنعتها العلمانية سواء كانت عقائدية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ، فإذا زادت أمراض المجتمع الاجتماعية من طلاق وعنوسة وأمراض نفسية فالحل هو زيادة ميزانية القضايا الاجتماعية وعمل مزيد من الأبحاث وتغيير القوانين ، وإذا لم تحل المشكلة كما تثبت الإحصائيات والواقع فالحل هو تجربة حلول جديدة وأفكار جديدة ، فالرأسمالية الحديثة ذات مفاهيم جديدة وأبعاد عالمية وهناك مفكرون جدد عملوا نظريات جديدة وفلسفات جديدة فالحل هو الجري وراء سراب جديد وأمل ضعيف ، فهي دائماً تقدم مشاريع وبرامج وتجري وراء سراب ، وأحياناً وهذا مشاهد تعتبر الانحراف والخطأ شيئاً مقبولاً وشرعياً حتى لو كان الشذوذ الجنسي أو تعتبر هذا الانهيار الاجتماعي كالطلاق والخيانة الزوجية جزءاً من التقدم الاقتصادي والحضارة ، فمتى كان الانحراف جزءاً من تقدم اقتصادي أو تكنولوجي بل الأغرب من هذا عندما يقول الإسلام : ومن البديهيات أن الإيمان بالله تعالى يقضي على القلق والأمراض النفسية وكثير من الأمراض الجنسية كالإيدز وغيره لا ترضى العلمانية حتى بالاعتراف بهذا الواقع المشاهد لأنها تعتبر الدين رجعية وخطأ ، وهذا التفكير أعطى الجهل عمراً أطول كما أن الحلول الجديدة العلمانية تعطي الجهل خلوداً لم يحصل عليه في كثير من العقائد الأخرى فعناد العلمانية حمى الجهل ، ومن الأمور الغريبة أن العلمانية تعرف وتعترف بأنها لم تهتد للحق والصواب ، وأنها ضائعة ولا تعلم ، ومع هذا تتهم الإسلام بالخطأ وأنه باطل ، فمن لا يعرف الحق كيف يحكم على أن هذا الشيء باطل وهذا ليس غريباً إذا عرفنا أن طبيعة العلمانية النقدية تجعلها تشوه كل شيء حتى ما يقوله العلمانيون.

12) المبادئ الجزئية: من البديهيات العقلية أن أمور الحياة متشعبة ، وأننا بحاجة إلى فكر شامل يعالج قضايا عقائدية وسياسية واجتماعية واقتصادية ، ولكن العلمانية جعلت الكثيرين يعتقدون أن الاتفاق الجزئي على بعض الآراء والأفكار والشعارات كاف لبناء الإنسان والمجتمع، فتجد بعض العلمانيين يتفقون على بعض الآراء فيعملوا الفكر الرأسمالي أو النازي، أي أن الجنين الفكري العلماني لم يكتمل ، ومع هذا يعيشون فيه ويعتبرون أنهم


 

 

 

 

متفقون مع اختلافهم وتناقضهم في الأغلبية الساحقة من القضايا الفكرية فهذا مؤجل، وهذا سيتم التصويت عليه ، وهذه قضايا غير مهمة ، وهذه أنت حر فيها .. الخ والفرد العلماني غالباً ما يكون ناقصاً فكرياً، فأغلب القضايا الفكرية ليس له فيها رأي ، وإذا سألتهم أين الشمولية والتكامل والوضوح الفكري لم يدركوا أن غياب هذا يعني أنه يقع في دائرة الجهل ، وأنهم " لديهم بعض العلم الفكري حسب ظنهم " ، ويظنون أنه يكفيهم ، وهذا يفسر تصارعهم وخلافاتهم كلما سارت القافلة العلمانية سواء كانت أفراداً أو حزباً أو دولة ، وهذا الاقتناع الجزئي ببعض الآراء جعل هناك تناقضاً بين أفراد الأسرة الواحدة ، وبين ما هو صحيح وما هو خاطئ داخل الحزب والمجتمع في كثير من الأمور مع وجود اتفاق جزئي على بعض الآراء ، وقد تكون الجزئية الفكرية غير مقتطعة من فلسفة واحدة بل من عدة فلسفات حيث نجد بعض العلمانيين ذوي مبادئ متنوعة وأحياناً متناقضة ، فقد يكون للعلماني أفكار شيوعية ، وفي نفس الوقت يتعصب لأمة أو شعب ، وقد تجده رأسمالياً ولكن لا يؤمن بالديمقراطية الغربية وما نقوله موجود بكثرة في عالمنا العربي حيث نجد أن عقول العلمانيين أو من تأثروا بالعلمانية أو صلتهم إلى اقتناعات انتقائية تختلف من فرد إلى آخر ، فنجده ماركسياً ولكنه يصلي والآخر محافظ جداً في المفاهيم التي يطبقها على أخته وزوجته وابنته ومتحرر في علاقاته مع النساء الأخريات ، أما الثالث فأخذ من الفلسفات العلمانية ما جعله يعيش في بيئه أنانية تدور حول مصالحه وأهوائه الشخصية وعنصريته فيصبح إنساناً انعزالياً وسلبياً فيما يتعلق بأمور مجتمعه أو حتى عائلته أو أسرته وهكذا ، وهذا التمزق والتناقض الفكري أحد أسباب تفرق العلمانيين وضعفهم محلياً وعالمياً .. ونقول إن المبادئ الجزئية تعني أنه لم يحدد العلمانيون موقفـهم من القضـايا الكبرى في الكون كوجود الله سبحانه وتعالى ، والغاية من خلق الإنسان ، والمفاهـيم الأسـاسية للتربية والأخلاق والإصلاح والحياة الزوجية ... الخ وكيف يتم التعامـل مع الأهواء ، والشهوات والمصالح والمناصب والمال ؟ فما الفـائدة من الديمقراطـية إذا قـلت نسبة الرجولة في الذكور أو انعدمت وما فائدة حرية الراي إذا كنا نستخدمها في الدفاع عن مصالح فاسدة أو تشويه الآخرين أو السخرية منهم وأي حقـوق للإنسـان ستتحقـق إن لـم يكن في ضمائرنا خوف من الله سبحانه وتعالى فليس بالسيـاسة أو الديمقراطية فقط يحيا الإنسان ، فالفرق شاسع بين إنسان مغرور وآخر متواضع ومن يأكل المـال الحـرام وآخر يمتنع عنه ، ومن يتعاطى المخدرات ومن يحاربها، ومن يبـر والديه ومن يعقمـها .. الخ، وهذه الأمور هي التي نُعايشها كل يوم في تعاملنا مع النـاس وهي منبع كثـير من


 

 

 

سعادتهم، أو تعاستهم وباختصار بناء الفرد والمجتمع يتطلب معرفة حقائق فكري


كثيرة، والالتزام بها، وإلا سيبقى النجاح سراباً كلما وصلناه لم نجد شيئاً قال تعالى " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب " سورة النور 39

13) كل جديد صحيح: الحقيقة هي الحقيقة لا تتأثر بالزمن ، فالحقيقة الفكرية أو المادية تعتمد على الأدلة العقلية الصحيحة .. فغليان الماء حقيقة علمية مادية لم تتغير على مر السنين ، ومن الخطأ أن نرفضها لأنها حقيقة " قديمة " وكذلك في المجال الفكري ، فما قاله الأنبياء من حقائق فكرية تبقى حقائق إلى الأبد سواء ما يتعلق مها بصفات الله سبحانه وتعالى ، أو الأحكام الاجتماعية ، أو غير ذلك .. هذه البديهية العلمية رفضها كثير من العلمانيين ، وظنوا أن العلم والتقدم والوعي يتطلب فتح الأبواب لكل جيد حتى لو كان آراء سخيفة ، أو صرعات شبابية ماجنة ، أو تهجم  من كاتب زنديق على الإسلام واتهموا من يعارض ذلك بأنه جامد فكرياً ، ومتعصب دينياً ، ويطالب بالعيش في الماضي أو خاضع لفكر ديني لا يقبل التجديد والتطور .. الخ ونقول ليس كل جيد صحيحاً وليس كل قديم خاطئاً فأغلب الانحرافات الحديثة من فسق وزندقة والحاد هي أيضاً أفكار قديمة ، فلماذا لا يكون تشجيعها جموداً وعودة إلى الخلف .. كما أن التوحيد والصدق ، والعفاف وبر الوالدين والدفاع عن المظلومين ومساعدة الفقراء وحق التملك وشرعية الزواج .. الخ هي حقائق قديمة ، فهل نرفضها ونستبدلها بما يخالفها حتى نكون تقدميين وقبولنا للاختراعات الجديدة في العلم المادي يتم لأنها حقائق مادية جديدة لا تخالف حقائق مادية قديمة ، إن هؤلاء لا يريدونا أن نحارب الجهل الفكري لأن ميزانهم " كل جديد علم، و " كل قديم جهل " " ولم يعد العقل ميزان تحديد الحق من الباطل ، وبالتأكيد أن كل جديد سيصبح قديماً بعد مائة سنة ، وعليهم أن يحاربوا في المستقبل ما يدافعون عنه اليوم وعليه فإنه لا يسعنا إلا أن نقول الجهل ظلمات بعضها فوق بعض ولا يظلم ربك أحدا .

الخلاصة: من الواضح أن الأسس الفكرية التي اعتـمدت عليها العلمانية بمختلف مدارسها كمنبع لاتخاذ العقـائد والاقتنـاعات والأحكام هي أسـس ليس لديها أدلة عقلـية تثبـت صوابها، وهي أسـس يعارضها العقل السلـيم وأثبت الواقع فشـلها، وهـذا لا يتعارض مع وجود نجاح جزئي لبعضـها مثل التصـويت والبحـث والقراءة والحـلول الوسـط والتأمل في الواقع والخبرة والتجارب الشخصية..... الخ والعكس


 


 

 

صحيح أيضاً أي أن الفشل يكون نصيب هذه الأدوات والأسس إذا استخدمت في غير مكانها كما أثبتنا ، وفي كل الأحوال هذه ليست أسساً عقلية صحيحة لتحديد الحق من الباطل في العلم الفكري ، وحتى لا نظلم العلمانية نقول إنها أرقى من أوضاع فكرية مختلفة متأثرة بالاستبداد السياسي ، والتخلف الفكري المتمثل في الخرافات والسحر والجمود وتقليد الأباء والأجداد وتجميد العقل والتفكير والطاعة العمياء لرجال الدين وعقائد واقتناعات منسوبة زوراً وبهتاناً للأديان السماوية إلا أنها مختلفة جداً إذا تم مقارنتها بالحقائق الفكرية الإسلامية ، وإذا كانت الأسس التي اتبعها العلمانيون لا توصلهم للحقائق الفكرية فإن الحقائق الفكرية واضحة عند المسلمين، ومنبعها القرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى: " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين " سورة الأنبياء 48 وقال تعالى " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور" سورة إبراهيم (5) وقال تعالى" ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكل بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون" 63 إن الله هو ربكم فأعبدوه هذا صراط مستقيم 64 فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "65 سورة الزخرف وقال تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " 89 سورة النحل وقال تعالى" ألم (1) الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2) نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4) سورة آل عمران وقال الغزالي قال تعالى " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " سورة الحديد 25، ثم قال " واعلم يقيناً أن هذه الميزان هو ميزان معرفة الله وملائكته وكتبه ورسله وملكه وملكوته " ثم قال" والخلق كلهم يتعلمون من الرسل مالهم طريق في المعرفة سواه " وقال: " فمن تعلم من رسل الله، ووزن بميزان الله، فقد اهتدى، ومن عدل عنها إلى الرأي والقياس فقد ضل وتردى" (1) وقال " أما ميزان الرأي والقياس، فحاش لله أن أعتصم به، فذلك ميزان الشيطان، ومن زعم من أصحابي أن ذلك ميزان المعرفة، فأسال الله تعالى أن يكفي شره عن الدين فإنه للدين صديق

 

 

جاهل ، وهو شر من عدو عاقل " (2) وقال " أزنها بالقسطاس المستقيم ، ليظهر لي حقها وباطلها ، ومستقيمها ومائلها ، اتباعاً لله تعالى وتعلماً من القرآن المنزل على لسان نبيه الصادق ، حيث قال " وزنوا بالقسطاس المستقيم " (3) سورة الشعراء (182) ، وأقول الإسلام هو عقلنا الثاني : وهو الذي نزن به الأمور فنعرف العدل من الظلم والحرية من الفوضى ، والانتماء من التعصب ، ومعاني الرحمة والقسوة والخير والشر والعقاب العادل والإخلاص والنفاق والمنفعة والمضرة وكيف نبني أسرنا ودولنا ؟ وكيف نتعامل مع الناس والأحداث ؟ وهو معيارنا في تقييم التطرف والاعتدال والإيمان والكفر والعلم والجهل والحكمة والحماقة والهداية والضلال ، وكما قيل الإسلام للعقل كالشمس للبصر فإذا لم تكن هناك شمس فلا ينفع البصر السليم ولكن العلمانية تظن أن بصرها ينفعها في سيرها في الظلام ، وأنها ليست بحاجة إلى شمس ، نحن لسنا ضد العقل بل ضد العلمانية والجهل .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العلمانية والعلم الفكري

يمكن الحديث عن العلاقة بين العلمانية والعلم الفكري من خلال النقاط التالية :

1- تشويه الحقائق الفكرية : إذا كانت العلمانية قد عجزت عن الوصول إلى حقيقة فكرية واحدة واقتنعت بأنه لا يوجد شيء اسمه علم فكري ، فإن هذا لم يمنعها من تشويه كل شيء بما في ذلك الحقائق الفكرية التي جاءت بها الأديان السماوية ، فكل شيء يستطيع العقل العلماني تشويهه حتى آراء ونظريات العلمانيين وفلاسفتهم وصحيح أن هناك تعارض بين حقائق العلم المادي وبعض اجتهادات رجال الدين المسيحي ، أو التحريف الذي حدث للمسيحية ولقد استغلت العلمانية هذه الأمور التي ليست أصلاً من الدين ، وقامت بتشويه كل ما في المسيحية والإسلام وقالت العلمانية إن الاختلاف بين الإسلام والمسيحية يفرض علينا اتخاذ البديل العلماني في الحكم ، وإن اختلافهما يجعلنا نرفضهما ونقول إن التشابه بين الإسلام والمسيحية كبير لدرجة كبيرة ، وكان على العلمانيين أن يعتبروا هذا التشابه حقائق فكرية مشتركة بين البشر حتى يزيد حجم الاتفاق بينهم ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك ، ولم يحاولوا أن يفهموا طبيعة الاختلاف ، وأنه جاء لأسباب مختلفة لعل من أهمها حدوث تحريف جزئي للمسيحية ، ففي الإسلام ذكر لعيسى وأنه نبي ، وتوجد سورة كاملة باسم مريم ، وفيه ذكر كثير لموسى وإبراهيم عليهما السلام ، وفيه آيات تبين أن أقرب الناس للمسلمين هم المسيحيون ، وجعل لهم معاملة مميزة وعاش المسيحيون قروناً كثيرة في وسط إسلامي لا يعاديهم ولا يضطهدهم وإذا حصل ظلم أحياناً لهم فهذا جزء من الظلم الذي يقع على جميع الشعب بمختلف فئاته الطائفية أو العرقية أو الطبقية ، فحتى الملتزمين بالإسلام يتعرضون داخل الشعوب الإسلامية إلى ظلم ، فقد قتل بعض علماء المسلمين وسُجن بعضهم واضطُهد آخرون وبمرور سريع على التشابه الموجود نجد إن الإسلام والمسيحية متفقان على وجود الله سبحانه وتعالى ، ووجوب عبادته وطاعته ، واتباع الأنبياء والعلماء ، وبر الوالدين والزهد في الدنيا والبعد عن الزنى والتبذير والعصبيات العرقية ... الخ وإذا سلطنا الأضواء على العالم الغربي لوجدناه بعيداً عن الله سبحانه وتعالى ورسله وكتبه وعلماء الأديان السماوية ولوجدناه غارقاً في الشهوات وحب الدنيا والمال والمظاهر والتعصب القومي والوطني .

ومن أهم صفات العلمانية أن لها قدرة عجيبة على التشويه بمعنى إذا تبرعت لفقير قالت


 

 

 

 

 

هذا تشجيع له على الكسل ، وإذا طبقت دولة عقوبة الإعدام على القاتل قالت هذه عقوبة قاسية ، وأيضاً إذا حكمت عليه بعشرين سنة سجن ، قالت هذه عقوبة متساهلة لن تردع الإجرام ، وهكذا ، وكان المفروض أن ترفض العلمانية فقط ما ثبت بالعلم المادي أنه خطأ لا أن ترفض الدين كله ، وتعتبر كل ما يقوله خطأ ، وما فعلته العلمانية من فصل الدين عن السياسة وعن الحياة هو فعلاً فصل للحقائق الفكرية عن الحياة والسياسة ، وفتح المجال لمختلف الآراء والعقائد لتختلف وتتصارع ، وهي عقائد الجهل والضلال والضعف والعلمانية بتركيبتها ومفاهيمها عقيدة ضعيفة نجحت جزئياً في عزل الدين ، ولكنها لم تنجح في عزل أو إضعاف عقائد كثيرة منحرفة ولعل أوضح مثال النازية والشيوعية فالأولى سقطت عسكرياً والثانية سقطت لأنها فاشلة جداً ، وليس " بقوة العلمانية الرأسمالية وحججها الفكرية القوية " ، أما بقاء الرأسمالية الغربية فذلك لأنها أسوأ الموجود ، فالجهل الفكري الذي توارثه البعض عن الأباء والأجداد بقي ، والعصبيات العرقية العنصرية موجودة حتى في أمريكا حيث البيض والسود ، ومن جعل همه المال والجنس أو المنصب لا يوجد في الصيدلية العلمانية دواء يثبت خطأه ومن هو عاطفي وخيالي لا يوجد في العلمانية فكر قادر على إقناعه ، بل العكس صحيح ، أي أنه سيجد كل منحرف في العلمانية وتناقضاتها ما يؤيد رأيه ، أو يقول أنا أتبع عقلي وهو الذي أوصلني أو أنا حر وكل هذه مفاهيم علمانية أعطت للجهل قوة في تبرير الانحرافات والجهل .

2) الجميع علماء : جرأت العلمانية الناس على العلم الفكري ، فليس هناك علم فكري ، وليست هناك طريقة للوصول إليه ، ولا مراجع وكتب يعتمد عليها ، ومُعترف بها ، وهذا يعني أن كل إنسان قادر على أن يتكلم في العلم الفكري ، بل ويجادل بلا شهادة ولا تزكية ولا حتى قراءة وبحث ، وما دام عندنا قاعدة تقول ( كل بعقله راض ) فإن إصرار كل فرد على رأيه شيء متوقع وفي نفس الوقت لا يوجد مرجع أو عالم علماني قادر على تفنيد الآراء ، وبيان الصواب من الخطأ ، فالعلمانيون الكبار متعارضون ومتناقضون ، وأصبح العلم الفكري هو العلم الوحيد الذي يُتكلم فيه بلا ضوابط ، ولا حتى حد أدنى من الأمور المتفق عليها ، بل أصبح كل مثقف عادي قادر على كتابة فلسفة جديدة ، فإذا رأى أن المال أهم شيء عمل له فلسفة ومبدأ فكرياً وإذا اقتنع بأهمية العلاقات الاجتماعية عمل لها مبدأ فكرياً ، وتكلم


 

 

 

 

العاقل والمجنون والذكي والغبي وأصبح عندنا منهج كامل اسمه ما رأيك الشخصي في هذه القضية سواء كانت عقائدية ، أو اجتماعية أو اقتصادية ، ونحن لا نريد أن نسمع آراء شخصية بعدد سكان الكرة الأرضية نحن نريد أن نعرف الحقائق الفكرية لأنها تفيدنا ، ولا نريد أن نسمع آراء كثيرة متناقضة لا نعرف منها ما هو صحيح وما هو خاطئ ، أي ما يفيدنا وما يضرنا ، فارحمونا من هذا الجهل الكبير ، ومن البديهيات التي يعرفها البشر أن العلم والعلماء والقرب منهم هو نور وهداية وفي العلمانية لا يُوجد علم ولا علماء ، فكيف سنتعلم ؟ ما سنفعله هو الاستماع للأراء والخرافات الشخصية فهذا الفيلسوف يعتقد أن الأسرة يجب تدميرها ، والثاني لا يرى ضرورة للزواج ، والثالث يرى أن التعامل مع البشر هو فقط بالقوة والشر ، وأن الخير حالة استثنائية ..... الخ

3) المرجعية العلمانية : أحد أبواب الجهل العلماني هو أنه ليست هناك مرجعية ككتب أو علماء تحسم الاختلافات أو تُبدى وجهة النظر بها ، وليس هناك حتى قبول بأي مرجعية ، فمن يحدد الحقائق الفكرية هل هو فريق أمريكي ، أو ألماني ، أو صيني ، أو ..... ؟ ولماذا علينا أن نطيعه ؟ أليست لدينا عقول ؟ وهل نعمل فريقاً دولياً للوصول للحقائق ؟ ومن يضمن صدقه ووعيه وذكائه ؟ أو عدم تحيزه للرجل أو المرأة وبالتأكيد لن يصلوا إلى اتفاق ، فلماذا يكون الحل بالتصويت ، وإذا كان فهذا ليس حلاً علمياً بل سياسياً ، وهل تضع الحقائق الفكرية أو حتى الفكر العلماني الدول المتقدمة تكنولوجياً فقط ومن قال أنها المتقدمة فكرياً ومن يضمن لنا أن الحقائق التي سيقولون أنهم توصلوا لها غير متأثرة بتجاربهم الشخصية وبيئتهم الفكرية ؟ ثم كم قضية سيتم مناقشتها أننا أمام مئات أو الآلاف من القضايا الفكرية وبأيها سنبدأ ؟ ومتى سننتهي منها كلها ؟ وكيف نضمن التكامل بينها ؟ وهل يقلد بقية البشر هذا الفريق تقليداً أعمى ؟ ومن قال أن عند البشر الوقت والجهد ليبحثوا فرداً فرداً عن الحقائق الفكرية ، ويقرأوا آلاف الكتب ، ويفكروا ويحللوا أن هذا بحاجة إلى مال ووقت وعمر  طويل، والبشر مشغولون بأمور معيشتهم فدراسة الهندسة مثلاً تحتاج خمس سنوات ، فكيف بالموضوعات الكثيرة في العلم الفكري إن هذه الحالة ستبقى البشرية جاهلة للأبد خاصة إذا تذكرنا أن كل الجهد العلماني لم يتفق حتى على حقيقة فكرية واحدة طوال عمر الإنسانية ومشكلتنا مع العلمانية أن الأخطاء الكبيرة في صناعة الطائرة تسقطها أما الأخطاء الكبيرة في الإنسان العلماني لا تقتله بل يبقى حيا يتكلم ويناقش ولكنه تعيس وشقي قال تعالى " أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زُين للكافرين ما كان يعملون " 122 سورة الأنعام

 

 

4) إيمان العلمانيين : حمى الله سبحانه وتعالى الحقائق الفكرية عن طريق الكتب السماوية المنزلة على أنبيائه الذين هم قدوة في أخلاقهم وصدقهم يريدون الخير للناس ، واقتنع الناس بأنهم أفضل البشر أما العلمانية فهي تفتح الأبواب ليضع الحقائق العلمانية والآراء أي إنسان حتى لو كان ضائعاً أو فاسقاً أو فاشلاً أو غاضباً أو عنصرياً أو غير ذلك ، فالعلم الفكري أصبح في بعض الأيدي غير الأمينة بل التي لا تريد أن تصل إلى حقائق ولا أن تفكر بموضوعية بل قد تكذب وتختار من الأفكار ما يلبي أهدافها الخاصة أو يحقق لها مجداً أو يضر خصومها أو أعداءها أو يرضي حكومة أو شعباً ، وهذا سيزيد من نسبة الجهل في العقل العلماني ، لأنه ليس قادراً على تمييز المخلصين الموضوعيين من الكاذبين ، فهذه أمور داخل النفس لا يستطيع أن يطلع عليها البشر ، ولنفترض جدلاً أن بعض العلمانيين المخلصين وصلوا إلى حقائق فكرية ، فلا يوجد دافع لنشرها أو حتى تطبيقها على أنفسهم ، بل قد يتصرفون بعكسها ، وهذا أيضاً فيه تضييع للحقائق الفكرية فعندهم الهدف هو   المعرفة ، ولا يوجد " إيمان " بها يساهم في نشرها وتطبيقها ، وهنا يتضح رقي الإسلام وتخلف العلمانية في هذا الموضوع ، حيث أن الإسلام يعتبر المعرفة دون تطبيق معرفة إبليسية ، كما يفرض على المسلمين نشر الحقائق الفكرية والدفاع عنها من خلال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي الأمر بالحق والنهي عن الباطل ، فالعلمانيون بطبيعتهم متناقضون ومختلفون وهذه كارثة ولا يوجد ما يمنع دخول الخونة والمفسدين ، وهذه كارثة ثانية ، ومن يصل منهم لحقائق فكرية غير ملزم بتطبيقها ونشرها ، وهذه كارثة ثالثة .. أي هي ظلمات بعضها فوق بعض .

5) تجاهل الاختلاف : حاول العلمانيون بطرق مختلفة الهروب من تناقضهم واختلافهم في القضايا الفكرية ، فأحياناً يعتبرون بعض القضايا الهامة قضايا هامشية لا داعي للاختلاف حولها ، وأحياناً يحتكمون للتصويت أو الحلول الوسط ، وأحياناً يُحملون المصالح المشتركة أو الوحدة الوطنية أو التسامح أكثر مما تحتمل ، أو يصفقون لاتفاق جزئي بين علمانيين متناقضين ويصورونه كأنه اتفاق شامل وضع " أسساً ثابتة " لبناء جبهة شعبية قوية ، وهكذا يحاولون تجاهل حقيقة فكرية وهي أن تناقضاتهم الفكرية هي تناقضات جذرية ، وأنها منبع الاختلاف والصراع بين البشر ، فهذه ليست " آراء اجتهادية " يمكن التعايش معها ، بل "اختلافات جذرية"


 

 

 

 

يجب حسمها وتحديد الموقف منها بناء على العقل لأن الاختلافات الجذرية هي التي أدت للصراع من بداية وجود الإنسان إلى يومنا هذا ، وهذا لا يمنع أن تؤدي الاختلافات الاجتهادية أحياناً إلى صراع في حالات معينة ، وبالتالي فالتعايش مع الاختلافات الجذرية هو حالة مؤقتة واستثنائية ، ولا شك أن اختلاف الآراء سيفسد للود ألف قضية ، وهذه حقيقة فكرية لا يمكن تغييرها أو تجاهلها ، كما لا يمكن تجاهل أن الأرض تدول حول الشمس ، لأن هذه حقيقة مادية ، من لا يتعامل معها لا ينجح في التعامل مع علاقة الأرض بالشمس ، وهذا يعني أنه حتى لو بلغ المخلصون القمة في الإخلاص والوطنية والتسامح فإن الترابط بينهم سيبقى حلماً إذا كنا نبحث عن ترابط شامل قادر على تحقيق الإنجازات الكبيرة ومواجهة الصعوبات الكثيرة ، فالاتفاق في العقائد والأفكار والآراء هو الذي يصنع الود والمحبة ، والاختلاف هو الذي يصنع التنافر والشر، والعلم الفكري هو الذي يصنع الاتفاق، والجهل العلماني هو الذي يصنع الاختلاف كما حصل في الاختلاف في الرأي بين الآراء الرأسمالية الأمريكية والآراء النازية الألمانية والآراء الشيوعية الروسية حيث أنتج الحرب العالمية الثانية ... والاختلاف الجذري هو سبب شقاء الأسر والأحزاب والتجمعات والدول ، وقيل الاختلاف شر كله ، ونقول الإسلام يقضي نهائياً على الاختلافات الجذرية ، ويقوم بترشيد الاختلافات الاجتهادية ، ويمنعها من إثارة الفتن والصراع ، ونتمنى أن يتعمق العلمانيون في عقائدهم وأهدافهم وشعاراتهم حتى يقتنعوا بما نقول ، وحتى يضعوا شعار : " اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية " في مكانه الصحيح ، ولا يُحملونه أكثر مما يحتمل

6) المقارنة الفكرية : وتعالوا الآن لنقرأ بعض الأجوبة العلمانية والإسلامية حول الأسئلة الهامة التي اختلف حولها الناس

هل يوجد خالق لهذا الكون ؟

الإجابات العلمانية:

 نعم يوجد

 لا يوجد

 لا أعلم

 

 

 

 

الدليل العقلي

للإجابة بنعم الدليل هو أنه لابد لكل مخلوق من خالق

للإجابة بلا نظرية دارون ، لماذا يوجد شر وظلم ؟

أدلة قائمة على نظريات وليست حقائق ، وقائمة على ظنون وافتراضات أي على جهل

للإجابة بلا أعلم : الحيرة بين أدلة المؤيدين وأدلة المعارضين

ملاحظات :

أ- تناقض الإجابات العلمانية هو الجهل ، وكلما كان الجهل في قضايا كبرى كلما كان جهلاً عظيماً

ب- الأدلة العقلية أعطت إجابات متناقضة وهذا ليس دليلاً على خطأ العقل ، بل على عجز العلمانيين في استخدامه بصورة صحيحة وذلك بخلطهم بين الحقائق والظنون والشبهات .

ج- هناك إجابة صحيحة وهي "نعم " فأغلبية العلمانيين يؤمنون بوجود الله لصواب الدليل العقلي القائل بأنه لابد لكل مخلوق من خالق ووجود إجابة صحيحة على هذا السؤال وغيره يبين أن بعض العلمانيين يصلون أحياناً إلى حقائق فكرية بعقولهم ، أو من خلال التصويت ، كما وصل الغرب إلى أهمية الديمقراطية وأجزاء كبيرة من الحرية الصحيحة .

 

الإجابة الإسلامية : نعم يوجد خالق

الدليل العقلي لابد لكل مخلوق من خالق فلابد لهذا الكون والكائنات والبشر من خالق

 

ملاحظات :

أ- إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بدليل عقلي معناه خطأ كل العقائد الشيوعية وغير الشيوعية القائمة على إنكار الخالق لأنها قائمة على باطل .

ب- إثبات وجود الله سبحانه وتعالى قائم على أدلة عقلية وليس إيماناً فطرياً أو وراثياً وسنتطرق لهذا الموضوع لاحقاً .

 

 

 

 

هل يوجد أنبياء ؟ وهل محمد r نبي ؟

أ- الإجابة العلمانية : (1) نعم      (2) لا      (3) لا أعلم

الدليل العقلي: لكل فريق أدلته العقلية وهناك إجابة واحدة صحيحة ، وإجابتان خاطئتان والخطأ ليس في العقل بل في صحة الأدلة واعتمادها على حقائق أو ظنون وأوهام .

ملاحظات : أ- من يؤيد من العلمانيين بصدق كل أو بعض الأنبياء يقول : أنه يؤمن بالدين كعلاقة بين الإنسان وخالقه ، وأن الدين لا علاقة بالدولة والسياسة والاقتصاد ، وهذا فهم خاطئ ، فمن يؤمن بصدق محمد ورسالته " الإسلام " لا يحق له تحريف ورفض أجزاء واضحة من الإسلام .

ب- من ينكرون وجود الأنبياء من العلمانيين ليست لديهم أدلة عقلية صحيحة تثبت صواب قولهم أو تُفند صحة الأدلة العقلية التي جاء بها الأنبياء من معجزات وغيرها .

 

ج- الإجابة الإسلامية : نعم

الدليل العقلي : معجزات الأنبياء والتي منها القرآن الكريم ، وعظمة الشرائع السماوية ، وسيرة حياة الأنبياء الراقية .

 

ملاحظة :

الاقتناع العقلي بصدق محمد r معناه خطأ كل المبادئ العلمانية الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية ... الخ ، والدينية الأخرى لأنها ليست قائمة على أدلة عقلية ، أو حدث فيها تحريف كما حصل في الأديان السماوية السابقة .

ب- القرآن الكريم والسنة النبوية هما منبع الحقائق الفكرية سواء كانت عقائدية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية .

الاقتناع بالرسل قائم على أدلة عقلية ، فالإيمان قائم على العلم وليست هذه الأدلة وراثية أو عاطفية .

 

 ما هي الإجابات الصحيحة عن بقية الأسئلة العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ؟

 

 

 

أ- الإجابة العلمانية :

الرأسمالية

الاشتراكية

الشيوعية

النازية

الوجودية

6- .... الخ إجابات كثيرة متناقضة ولا يوجد معيار لتحديد الصواب من الخطأ والإجابات تعتمد على آراء شخصية وأدلة عقلية متناقضة ، فهناك آلاف الإجابات العلمانية المتناقضة الشاملة والجزئية ، وهذا قمة الجهل والضياع والتخلف ، ولا تستطيع العلمانية إعطاء إجابة واحدة ، وهذا لأنها لا تعرف ما هي الحقائق الفكرية ، ولم تصل إليها ، ولن تصل إليها .

 

ب- الإجابة الإسلامية : القرآن الكريم والسنة النبوية هما منبع الحقائق الفكرية وفيهما الأجوبة الصحيحة على كل الأسئلة الفكرية وهما معيار تحديد الحق من الباطل.

كيف تتعامل مع الحياة ؟

أ- الإجابة العلمانية :

1- الجهل الفكري ( العلمانية أو أحد مدارسها رأسمالية أو شيوعية أو وجودية ... الخ )   ( 2) العقل (3) علم الواقع (4) العلم المادي (5) العلوم الأخرى النافعة وغير النافعة .

     النتيجة النهائية : تخبط وظلام وصراعات وصواب وخطأ وضياع للفرد والمجتمع والبشرية .

 

ب- الإجابة الإسلامية :

1- العلم الفكري ( الإسلام ) + ( 2) العقل + (3) علم الواقع + (4) العلم المادي + (5) النافع من العلوم الأخرى كالإدارة وغيرها النتيجة النهائية : نور وهداية وحكمة وبصيرة للفرد والمجتمع والبشرية.

 

 

 

 

 

 

من سلبيات العلمانية

أدى الاقتناع بالعلمانية إلى كوارث ومصائب كثيرة ، ولعنا لا نبالغ أبداً إذا قلنا أن أكبر كارثة أصابت البشرية خلال القرون الثلاثة الماضية هي العلمانية ، فهي الأم لأغلب الكوارث والانحرافات العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حصلت ، وإليكم بعضاً من أهم سلبياتها :

انتشار الجهل الفكري : أدى الاقتناع بالعلمانية إلى انتشار الجهل الفكري بين البشر ، فلم تعد هناك حقائق فكرية تؤمن بها البشرية ، ولم يعد هناك علم فكري صحيح ، وأخذ الكثيرون من فلاسفة وسياسيين واقتصاديين وغيرهم يتكلمون في العلم الفكري عن جهل ، ويؤلفون النظريات العقائدية والاقتصادية والاجتماعية كالرأسمالية والشيوعية والنازية والوجودية والفرويدية ...الخ مما أدى إلى ضياع الحقائق   الفكرية ، وضياع البشرية ، والعلم يوحد والجهل يؤدي إلى اختلافات وتناقض وتخبط وجدل وصراعات وحروب ، فالعلمانية هي التي أعمت البشرية وتركتها تسير في طريق كله أشواك بدون بصيرة وحكمة ونور ، وهذه السلبية هي أساس السلبيات الأخرى ، ونقدها الخاطئ ، لما بقي عند البشر من حقائق فكرية دينية أو وراثية أو عقلية جعل الكثيرين يرفضون هذا الحقائق ويعتبرونها تخلفاً وجهلاً ورجعية ، فهي لم تكتف بنشر جهلها بل ساهمت حتى في تحطيم حقائق فكرية يملكها الآخرون فالعلمانية أعطت الجهل " الشهادات العلمية المزورة " ، وضاعت بلاييـن الساعات في جدل لا ينتهي ، وصرفت أموالاً طائلة على جامعات ومعاهد ومدارس وكتب وبرامج وأنشطة أغلب ما فيها هو جهل وضياع وصحـيح أن العلمانية شجـعت الحوار ، ولكن الأغلبية الساحقة من هذه الحوارات لا يصـل أصـحابها إلى اتفـاق، بل هـي حوار الطرشان، ومن المعروف أن الشيوعيين هم أكثر الناس علمانية وعداء للدين ، وهذا ما جعلهم أشد الناس جهلاً وضياعاً مما انعكس على تخلف عقائدهم وأنظمتهم السياسية واقتصادهم وحياتهم الاجتماعية ، فهل من الحكمة أن تتجرع البشـرية كل هـذه المرارة حتى تقتنع بفشل الشيوعية العلمانية وهل من الصـواب أن ندخل ناراً عظـيمة ونحـترق بها حتى نتأكد بأنها شر ، وكان علماء المسلمين يُتهمـون بالتخلف والرجـعية لأنـهم كانوا يقولون الشـيوعية كفر وجهل وسخـافة وخطأ ، وأين هم اليـوم المتشـدقون بالعلمية والتقدم والتفكير العلمي ؟ أما العلمانية الغربية فهي أقل جهلاً من


 

 

الشيوعية ، فهي لم تدع " العلمية " بتطرف ، ولكن لا زالت تقول أنا ضائعة ، ولا زالت تفكر كيف تصل للحقائق ؟ ولا زالت تنتج نظريات فكرية تصيب وتخطئ ، ولا زالت وستبقى وللأبد خاضعة للآراء الشخصية وللواقع وتأثيراته ، وما تقرره الأغلبية أو الأقلية أيهما أقوى ولم تعد تهتم كثيراً بأين الحقائق افكرية وأين الحق وأين المبادئ الصحيحة ؟ بل أصبحت مادية تدور أفكارها حول الاقتصاد والمال والقوة والشهوات .

البعد عن الله سبحانه وتعالى : ساهمت العلمانية في ابتعاد الكثيرين عن الأديان السماوية مما أدى إلى ابتعاد البشر عن خالقهم ، فالابتعاد عن الكنيسة والمسجد وعلماء الدين أدى إلى الابتعاد عن الله سبحانه وتعالى ، والعلمانية تدعونا للابتعاد عن الدين ، ولفصل الدين عن الدولة ، بل عن الحياة كلها ، وهذا ابتعاد عن الله سبحانه وتعالى ، والدين هو القرب من الله وعبادته وذكره ، ومعرفة قصص أنبيائه وشريعة الله وأمر الله ، وهذه أمور أصبحت لا تجدها في السياسة ولا أنظمة التعليم العلماني ولا التفكير العلماني ، ولا فهمنا للغاية من خلق الإنسان ، فاتهام العلمانية للأديان السماوية بأنها رجعية وتخلف وأساطير وأنها ضد العلم والتقدم والحضارة وربطها جهلاً بما صدر عن بعض المتعصبين للأديان من حروب وجرائم وجهل أدى في النهاية إلى ابتعاد كثير من البشر عن الله سبحانه وتعالى ورسله وكتبه مما أغلق أبواب كثيرة للخير وفتح أبواباً كثير للشر ولو انتقدت العلمانية الجمود والتخلف المنسوب خطأ للأديان السماوية لقلنا أحسنت ولكنها أحرقت الأخضر واليابس ومن الحقائق المعروفة في تاريخ البشرية وبعيداً عن تشويه العلمانيين ، أن أفضل البشر حكمة وأخلاقاً ورحمة هم المؤمنون حقاً بالله سبحانه وتعالى والقريبون من كتبه ، وقد قالوا قديماً : رأس الحكمة مخافة الله وقالوا : خف ممن لا يخاف الله سبحانه وتعالى ، فالحقـائق الواقعية القديمة والحديثة تثـبت أن هؤلاء لا يظلمون ولا يكذبون ، وليسـت لديـهم طموحـات غير مشروعة ولم تفتنهم الدنيا بمناصب أو مال أو شهوات ، أسـرهم أفضـل الأسر وأكثرها ترابطاً ورحمة ، وصحيح أنه ظهر في تاريخ البشر نماذج بشرية متمـيزة بالخير إلا أن أغلب المتميزين هم أتباع الرسل ، وتمـيزهم في مختلف المجـالات أي هـم يُجسدون النموذج البشري الراقي ومن المعروف أن سعادة الإنسان مرتبطة كلياً بالعلاقة الصحيحة مع الله سبحانه وتعالى ، فهذه العلاقة هي باب العلم الفكـري ، وباب العبادة ، وباب الإخلاص في العمل وباب الأخلاق الرفيعة .. الخ وقد يقـول قائل إن في هذا تجن على العلمانية لأن هناك كثير من العلمانيين يؤمنون بوجود الله


 

وليس كلهم ملحدين ، ونقول الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى بدون معرفته وعبادته وتصديق أنبيائه والالتزام بشرائعه هو كفر بالله ، فكفار قريش كانوا يؤمنون بالله ، قال تعالى : " ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله " سورة لقمان (25) فالعلمانية جعلت حتى هؤلاء بعيدين عن الله ، فهم يبحثون عن العلم الفكري في أقوال الفلاسفة والمفكرين ، وشجعت الكثيرين على الانحرافات الأخلاقية لأن التمسك بالأخلاق والعبادة أصبح من صفات الرجعية والتخلف ، ونقول ونكرر نحن ضد المفاهيم الخاطئة التي نسبت للأديان فنحن ضد عبادة القبور ، وضد الفتاوى والاجتهادات الخاطئة وضد ظلم وانحراف الحكام والأغنياء وضد إهمال الدنيا والانعزال للآخرة وضد عقائد وأساطير وحكايات مزورة تنسب جهلاً للأديان السماوية ، فلا يوجد في الإسلام تصوف ولا رجال دين ولا رفض لحقائق مادية فالعلمانية هي أم الإلحاد والزندقة ، قال جود " لا أستطيع أن أعد أكثر من ستة من معارفي ممن أعدهم مؤمنين بالمسيح والمسيحية ، في حين أستطيع أن أعد بسهولة أكثر من مائة من معارفي الملحدين " (1)  وقال الغزالي عن الفلاسفة " فإني رأيتهم أصنافاً ، ورأيت علومهم أقساماً ، وهم على كثرة أصنافهم يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد ، وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين ، وبين الأواخر منهم والأوائل تفاوت عظيم في البعد عن الحق والقرب منه " (2)  وما قلناه لا يتعارض مع وجود كنائس ومساجد وأعمال خيرية وعبادات ومؤسسات دينية وغير ذلك في الدول العلمانية ولا ينفي أيضاً وجود احترام للأديان وللمناسبات الدينية في دول علمانية .

 

3- المادية : من أهـم أسباب انتشـار سيطرة المادة على الإنسـان العصـري هـو اقتناعه بالعلمانية أو نتيجة انتشار العلمانية في طريقة التفكير البـشري ، فأهم شيء أصـبح اليـوم عند الكثيرين هو الحصول على المال ، وبأي طريق ومستقبل الكثــيرين أصبـح يعنـي فقط المستقبل المادي ، وهذا ينطـبق على الأفـراد والدول ولا شـك أن المال مهم وضــروري ، ولكنه أخذ مسـاحة كبيرة جداً ، وأكثر ممـا يستحق ، فالمـال الآن قـوة كبيرة لشراء النفوس والمناصـب التنفـيذية والتشريعـية ، وكما قالـت أم جون كنيدي : " معك دولار فقيمـتك دولار " أي لا قيمة للإنسان ، بل القيمة الوحيدة


هي للمال وأصبح يجوز في سبيل الحصول على المال أن تنافق وتكذب وتغش ، فالمبادئ والقيم الروحية كالإخلاص والصدق والأمانة لا مكان لها في نفوس كثيرين ، بل يتهم بالسذاجة والسطحية من يرفض قبول رشاوى أو هدايا مشبوهة أو يرفض مبدأ الوسيلة تُبرر الغاية هذا المبدأ الذي شجعه ميكافيللي الفيلسوف العلماني ، فالعبقرية العلمانية صنعت لنا إنساناً من نوعية " دينهم دينارهم " فالمصالح وأهمها المال هي التي تحرك الكثيرين وجعلت عقيدة الإنسان هي الحياة الدنيا والتمتع بها فلا مكان لحياة أخروية ولا يوجد ثواب ولا عقاب إلهي ، ولا يوجد خالق أنعم علينا بالخير والصحة والمطر والأولاد والهواء والماء والشمس والأكل والملبس ... الخ ولا توجد شريعة إلهية وأحكام نلتزم بها تمنع من الكذب والنفاق والغرور والفساد والظلم والمال الحرام ... الخ ولو آمن الإنسان بأن الرازق هو الله سبحانه وتعالى ، وأن المناصب هي بيد الله سبحانه وتعالى يعطيها من يشاء وينزعها ممن يشاء وغير ذلك من العقائد الإسلامية لأمتنع عن كثير من الانحرافات ، وأصحاب الأعمال وأصحاب المناصب هم الآلهة التي يعبدها الإنسان العصري فهم عبيد له يتضاحكون إذا ضحك ، ويتباكون إذا بكى ، ففي سبيل المادة يتم التضحية بكثير من المبادئ ، وهذه هي الحالة التي وصل لها إنسان الحضارة الغربية بشكل عام، كان المفروض أن ينتج غنى العالم الغربي إنساناً عزيزاً وقوياً ، ولكن العلمانية جعلته ضعيفاً ، فهو لا يعرف القناعة ولا يؤمن بأن الرزق من الله ، وهدفه التمتع بأكبر قدر من الرفاهية في المسكن والملبس والمأكل والمركب ، ولهذا تجده يسعى نهاراً وليلاً ليعيش حياة مادية تعيسة فحياته أصبحت عملاً مرهقاً وجنساً وخمراً فنصفها للمال ونصفها للشهوات ، وليس من الخطأ أن نطلق عليه إنسان مالي جنسي ، فالعمود الفقري لحياته هو المال والجنس ، وإذا كانت الأديان السماوية تقول للإنسان التزم بالمبادئ والأخلاق في حياتك  الدنيوية ، فالعلمانية تقول له تمتع بالشهوات والملذات فأنت تعيش مرة واحدة ، وهذه فلسفة شيـطانية ، والعقـائد المادية تجعل علاقة الإنسان بالله وبوالديه وجيرانه وأقاربه ضعـيفة ، ومن المعـروف أن الغربيين من أكثر شعوب الأرض قطعاً للرحم ، وإهمالاً لآبائهم وأمهاتهم ، وهذا تصرف طبيعي لأنه إذا كان الدافع للعلاقات الاجتماعية مادياً فكثير من هـذه العلاقات غير ذات فائدة ، في حين أن الإسلام يجعل من أهم الواجبات على المسـلم طاعة أمه وأبيه ، ويجعلهما أولويتهما تأتي قبل الجهاد في سبيل الله ، ويمنعه حتى أن يقول لهما كلمة أف ويجعل رضى الله من رضاء الوالدين ، وتبقى نقطة أخيرة وهي أن


 

 

الإسلام لا يتجاهل أهمية الجوانب المادية في حياة الإنسان ، فهو يدعوه للعمل والاجتهاد فيه ، فالمال من ضروريات الحياة ، ولا يمنعه من الطموح المشروع للمناصب ، ولا يمنعه من الاستمتاع بالحياة ، بل يدعوه لأن يسعى في طلب رزقه ، وأن يطور نفسه علمياً وعملياً ، وأن يتمتع بالأمور الحلال وهي كثيرة جداً ، فاعمل واستثمر واقرأ واجتهد وتزوج وكل واشرب ضمن ضوابط شرعية ، وبدون أن تطغى هذه الجوانب أو تتعارض مع العقائد والعبادات وعلاقتك بالله سبحانه وتعالى .

4- الديكتاتورية وأخواتها : قد يبتسم بعض العلمانيين عندما نتهم العلمانية بالديكتاتورية ، وقد يتهمنا بأننا ظلمنا العلمانية لأنها تدعو للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ، ونقول أولاً العلمانية تدعو لاستخدام العقل في البحث عن الحقائق الفكرية ، فهي ليست في أساسها مع الديمقراطية ، ولا الديكتاتورية ، كما أن تطبيق الديمقراطية في الدول الغربية العلمانية لا ينفي تطبيق الديكتاتورية في الدول الشيوعية العلمانية وفي كثير من الدول النامية العلمانية ، كما أن في كثير من الدول العلمانية يتم رفض إعطاء حرية لأحزاب دينية ، بل يمنع تشكيل الجماعات والتجمعات الدينية ، هذا غير التدخل حتى في منع الحجاب الإسلامي في المدارس والجامعات وأحياناً الحياة العامة ، ونحن كمسلمين مع الشورى وحكم الأغلبية وحقوق الأقلية والانتخابات وحرية الرأي ولكننا ضد العلمانية ، فالقول بأن الدول الغربية الديمقراطية هي الدول العلمانية الصحيحة أما بقية الدول العلمانية الديكتاتورية فليست دولاً علمانية هو خطأ شـائع ، فأغلب الدول الديكـتاتورية في العـالم هي دول علمـانية فهي في مرجعيتها الديكتاتورية لا ترجع في أغلبيتها الساحقة إلى دين سماوي في اختيار دستورها وقوانينها وأهدافها وسياستها ، بل تتحكم فيها آراء عقلية علمـانية لحـاكم أو حزب أو عرق أو طبقة أو عصابة ، وأهدافهم هي أهداف دنـيوية مادية أي علمانية ، وليست دينية ، وفشل العلمانية في الوصول إلى علم فكري شامل عقائدي وسياسي واقتصادي واجتماعي جعل الباب مفتوحاً لكل علماني ، ولكل دولة علمانية أن تخـتار ما تشاء من دساتير وقوانين ، ولهذا نجد دولاً ديمقراطـية ، ودولاً ديكتـاتورية ، وما بينهما ، ونجد مختلف ألوان الطيف الاجتـماعي وكل أنواع الأخـلاق الفاضلة والفاسدة ، وكل أنواع الشعارات وجميع الأهداف المتناقضة ، فالمخلصون العلمـانيون يتخبـطون في كل هذا عن جهل ، كما أن أصحاب النوايا الفاسـدة يستـغلون الفوضى العلمانية والجنون العلماني لاختيار ما يشاؤون من دساتير وقوانين لتحقيق مصالحهم


 

 

وتبرير ديكتاتوريتهم فالعلمانية فتحت الباب لكل انحراف ومنها الديكتاتورية لأنه لا توجد حقائق فكرية بل توجد آراء ، فما دام الأمر كذلك فاختر ما شئت من آراء ، وكل عقيدة باطلة استفادت من الضياع العلماني في إيجاد فلسفة لها جعلها تبدو كأنها علمياً صحيحة، ولو كان هناك اقتناع بأن الإسلام هو الحقائق الفكرية لعرفنا أن الشورى واجبة وأن دماء الناس وأموالهم حرام وأن العصبية العرقية جاهلية منتنة ، وأن التعصب الطبقي للأغنياء أو الفقراء جاهلية مرفوضة وأن حرية الرأي قضية بديهية ... الخ وبالتالي فالمخلص سيعرف الطريق إلى الديمقراطية والعدل والحرية والمنحرف لن يسهل عليه الخداع أو المتاجرة ، ونحن لا نريد أن نظلم العلمانية ونقول أنها دعت الناس للديكتاتورية ، فهي لم تدعهم لا للديمقراطية ولا للديكتاتورية ولكنها ساهمت بصورة أساسية في انتشار الديكتاتورية لأن العقل البشري المخلص قد يتبنى أنظمة ديكتاتورية وهو يعتقد أنها حقائق فكرية وأنها الديمقراطية " الحقيقة " كما حصل مع الشيوعيين المخلصين ، حيث طبقوا أسوأ ديكتاتورية عرفتها البشرية ، وأقنعتهم عقولهم بأن تحطيم المعارضة والحرية الإعلامية هو عمل مشروع لأنه جزء من الصراع الطبقي ، وجزء من حماية الثورة والوطن .. الخ وكان الشيوعيين يدعون أنهم أهل العلمانية الحقيقية ، وأنهم أهل العقل والعلمية ، وسيطروا على دول كثيرة بل كانوا يحكمون حوالي نصف البشر ، والعلمانية هي التي أعطتهم الشرعية الفكرية التي يحتاجونها لأنها جعلت العقل البشري يبتعد عن الله سبحانه وتعالى ، وكلما ابتعد أكثر كلما تطرف أكثر ، وصار أكثر ديكتاتورية ، وما ينطبق على الديكتاتورية ينطبق على الانحرافات الأخرى وأرجو أن نقتنع بأن العلمانية فتحت أبواباً كبيرة للانحرافات وللصراع الوطني والقومي والعالمي ، فكل انحراف سواء كان ديكتاتورية، أو ظلماً أو غروراً أو مخدرات أو وزناً أو اختلاساً .. الخ فالعلمانية شجعته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولا يقتصر ذلك على الانحرافات الحديثة بل ينطبق على كل انحراف قديم أيضاً كان فاعله يتصرف بناء على عقله بدون التزام صحيح بالأديان السماوية بل حتى الانحرافات التي تنسب للدين قديماً وحديثاً فإن أصحابها اتبعوا عقولهم ، ولم يتبعوا الدين لأن الدين الصحيح لا يأمر بالانحراف والظلم ، والمبررات العقلية الخاطئة كما ذكرنا سابقاً تعطي الشرعية الوهمية لكل انحراف ، فإذا قلت لأحدهم لماذا تشتري هذه السيارة غالية الثمن ؟ لقال أنا حر في مالي وإذا قلت لبلد لماذا تعطون هذه الرواتب المتدنية للعمالة الوافدة ؟ لقالوا الاقتصاد حر ، أو إذا لم يعجبه الأجر فليترك البلد فالمطار مفتوح


 

 

والأمثلة كثيرة جداً ، وقد يقول قائل أن الانحرافات تحدث حتى في المجتمعات المسلمة وعند أفراد مسلمين ، ونقول نعم ولكن الإسلام لا يعطيها شرعية وموافقة في حين أن الانحرافات جزء من الفكر العلماني لأنه يفتح المجال لعقائد باطلة كالشيوعية والنازية والرأسمالية ، فالصادق يظن أنها عدل أو حرية ، والكاذب يستغل العلمانية لاكتساب فلسفة لانحرافاته وتصرفاته الخاطئة وانحرافات المسلمين جاءت لتركهم الإسلام واتباع شهواتهم ومصالحهم غير المشروعة نتيجة ضعف إيمانهم أو جهلهم بالدين ، ونعرف جميعاً أن المسلم الملتزم والواعي هو أبعد الناس عن الانحرافات بكافة أشكالها وأفضل الناس أخلاقاً ، كما أن الرادع الأساسي للانحرافات في العلمانية هو القانون أي الحكومة في حين إضافة إلى ذلك يردع المسلم حبه لله سبحانه وتعالى ، وشكره لنعمه الكثيرة ، وخوفه من عقابه ، وحرصه على حماية أبنائه من المال الحرام ، ويردعه رغبته في الجنة وخوفه من النار وحرصه على أن يكون قدوة لأبنائه ، وكل هذه الأمور تردع عن الانحرافات " الشر " وتدفع لأمور الخير الكثيرة ، في حين أن العلمانية تجعلك شخصاً بلا مسؤوليات ولا واجبات ولا محرمات خارج إطار القانون

5- غرق السفينة الزوجية : في الإسلام حقائق فكرية كثيرة مرتبطة بصورة مباشرة وغير مباشرة بالحياة الزوجية ، فتصورك للكون والحياة له أثر كبير في نجاح الحياة الزوجية ، واقتناعك بالمفاهيم الإسلامية للظلم والخيانة الزوجية والواجبات والحقوق الزوجية يجعل لديك معايير لترشيد حركة السفينة الزوجية ، والأمراض الاجتماعية من خيانة زوجية أو خمر أو مخدرات أمور بعيدة عن حياة المسلم الملتزم ، كما أن الأمور المالية وهي مصدر كثير من المشاكل الزوجية لها ضوابط منها الصرف من مسؤولية الزوج ، وعدم التبذير في المسكن والملبس والمأكل وعدم تدخل كلا الزوجين في الحقوق المالية للطرف الآخر ، وغير ذلك كثير هذه الحقائق الفكرية وغيرها تجعل الحياة سهلة وسعيدة وناجحة ، أما بالنسبة للبيئة العلمانية فالزواج يتم بين أطراف غامضة ، فهل هو رأسمالي أو شيوعي أو عنصري ؟ وهل هو خيالي أو مثالي أو وجودي أو ميكافيللي ؟ وما هي فلسفته في الأمور المالية ؟ وهل مبادئه تردعه عن الخيانة والظلم ؟ وما هو أسلوبه في تربية الأبناء ؟ وغير ذلك كثير، كل هذه الأمور بالنسبة للأزواج العلمانيين أو حتى المتأثرين بالعلمانية جزئياً هي آراء شخصية ، وغالباً لا يمكن التعرف عليها قبل الزواج حتى لو كانت هناك معرفة   سابقة ، فكل إنسان يحاول أن يظهر بأفضل صورة ممكنة أمام الطرف الآخر في فترة ما قبل الزواج فلن تجد شاباً عاقلاً يقول لمن يريد


أن يتزوجها أن رأيي الشخصي أن علاقات الرجل الجنسية بعد الزواج نوع من الحرية الشخصية ، أو أنني أتعاطى المخدرات ، وإذا حدث الزواج فإن الأسرة بحاجة إلى قوانين تحكمها ، فلابد من صياغة هذه القوانين العلمانية من خلال النقاش البيزنطي والجدل وميزان القوة والضعف ، واستخدام الأدلة العقلية المتناقضة وقد تعتبر المرأة من حقها أن تعمل في أي مجال وأي مكان ، وأي وقت بدون الحاجة إلى موافقة الزوج وقد يكون الزوج ، مقتنعاً بأن الالتزامات المالية الأسرية مناصفة بين الرجل والمرأة وغير ذلك ، فكل قضية أساسية يمكن أن يحدث حولها اختلاف ، فالآراء الشخصية متناقضة جداً بين البشر ، ولا يوجد لدى العلمانيين أو من تأثر بهم قرآن ولا أحاديث ولا علماء يتم الاحتكام لهم في موضوع الخلاف ، كما أن كلمات مثل أنا حر ، وهذا رأيي الشخصي أمور خطرة جداً إذا دخلت في دائرة الثوابت الفكرية ، والعلمانية هي التي فتحت لها هذه الدائرة ، فالآراء الشخصية في الأمور التي فيها حرية شخصية أمر مقبول ، أما في الأمور الأساسية أي الحقائق الفكرية الزوجية فهي أمر مرفوض لأن القرار العلمي الفكري الصحيح هو أننا لا نريد حتى أن نسمعها ، باختصار العلمانية أشعلت الخلاف والصراع والغموض والضياع في الحياة الزوجية الغربية، فإذا كانت الأسرة منبع المشاكل والهموم والتعاسة فكيف سيسعد الإنسان ؟ ما نقوله ليس افتراضاً أو توقعات بل هو حقائق واقعية في الحياة الغربية مما أدى إلى عزوف أعداد كبيرة من الرجال والنساء عن الزواج ، فالغرب من أعلى دول العالم عزوبية وطلاقاً وعنوسة ، وفي هذا تعاسة كبيرة للجميع ، ومنهم الأطفال وإذا كان أغلبنا كمسلمين عشنا في أسر سعيدة ومستقرة فهذه نعمة كبيرة ودليل أننا وصلنا للحقائق الفكرية الاجتماعية وطبقناها ورأينا نتائجها ، ولو فكر العقل البشري بطريقة صحيحة لاقتنع بأن بناء الأسرة السعيدة من أهم أدلة التقدم والحضارة والمدنية، وتصور الوضع التربوي المأساوي في أسرة علمانية الأب ملحد والأم متشككة في وجود الله والابن يتعلم أموراً متناقضة ، يريد الأب أن يربي ابنه على فكر عنصري ، أما الأم فتريد أن تجعله شيوعياً أو رأسمالياً ، وكل سؤال يسأله الطفل يجد إجابات متناقضة ، ولا يتعلم غير الجدل والنقاش البيزنطي ، وعمودهم الفقري في التربية هو نقول لك مختلف الآراء وأنت حر في اختيار طريقك ، أي عليه أن يبحث بعقله الصغير عن الحقائق وعن فلسفة يقتنع بها ، أي يبدأ من الصفر ، وهذا دليل على إفلاس العلمانية فكأن في تاريخ البشر لا يوجد علم ولا أنبياء ، ولا عقول ناضجة .

 

 

6- فتنة العلمانية : قال الأستاذ زكريا فايد : " والعلمانية بفصلها الدين عن الدولة ، تفتح المجال للانتماءات الوضعية لكي يلتف حولها الناس ، لأنه لا يمكن للإنسان إلا الانتماء، وبالتالي فهي تفتح المجال للفردية والطبقية والعنصرية والمذهبية والقومية والحزبية والطائفية والعشائرية " (1) فالعلمانية فتحت الأبواب للعقول البشرية لتبحث عن الحقائق الفكرية بأسلوب خاطئ ، ولتصل إلى عقائد ومبادئ متناقضة ، وبالتالي فهي المنبع الرئيس للاختلافات والصراعات بين المخلصين لأن كل واحد منهم سيدافع عن ما يراه حقائق فكرية ، وهذا أشعل نيران الفتنة والحروب ليس فقط بين العلمانيين وأهل الأديان السماوية بل أيضاً بين العلمانيين أنفسهم ، كما حصل بين الرأسمالية والشيوعية حيث انقسمت كثير من الدول في القرن العشرين إلى أحد العسكرين ، وأشعلت حروباً ساخنة وباردة ، ويكفي أن نعرف أن العلمانية من نازية ورأسمالية وشيوعية كانت خلف حربين عالمتين في القرن العشرين ، ومن أشرس حروب البشر في تاريخهم ، كما أن أغلب الحروب في القرن العشرين هي حروب علمانية ، وأغلب أهدافها فكرية ضائعة ، أو مصالح ، فالصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني هو صراع بين طرفين علمانيين ، والصراع العرقي والسياسي في بعض الدول الأفريقية هو صراع بين علمانيين ، ولنتذكر أن الشعوب والحكومات المتمسكة بالمبادئ السماوية على اختلافها في القرن العشرين هي حالات قليلة وينسى الكثيرون أن الدول الأوروبية أو بعضها هي الدول الاستعـمارية خلال القرون الثلاثة الماضية ، كما أن طلبة الدول النامية الذين درسوا في الغرب وخدعتهم العلمانية تصارعوا عندما عادوا إلى بلادهم مع عقائد ومبادئ قومهم ، وتصارعوا أيـضاً فيما بينهم ، ولم يكونوا أبداً جبهة واحدة ، فأضافوا فتناً عقائدية وسياسية لأوطانهم وأممهم ، فهم كعلمانيين لديهم قدرة على تشويه المبادئ الأخرى ولكن ليست لديهم الق،درة على طرح البديل الفكري ، فبعضهم رأسمالي ، وبعضهم اشتراكي ، وبعضهم عنصري ، وبعضهم شيوعي ... الخ ويمكن تقسـيم المجتمعات النامية إلى تقسـيمات كثيرة متنـافرة ومتصارعة فاتجاه مع التبرج والاختلاط، واتجاه مع الاحتـشام، واتجـاه مقلد للغرب، واتجاه وطني وقومي، واتجاه مع المعسكر  الشرقي ، واتجاه مستقل ، واتجاه مع المعسكر الغربي واتجاه مع الحكومة، واتجاه ضدها ، واتجاه مع الحرية


" المجهولة " ، واتجاه ضدها ، واتجاه مع الأغنياء ، واتجاه مع الفقراء ، واتجاه مع أعراق معينة ، واتجاه مع أعراق أخرى ، وهذه اختلافات جذرية وليست اجتهادية يمكن القبول بها كالاختلافات بين أصحاب المبدأ الواحد ( الإسلام أو الرأسمالية أو الشيوعية ) حيث الاختلاف حول الأولويات أو الفرعيات والاختلاف الجذري هو بين حق وباطل ، وهو منبع الفتنة وجعل الكثيرون يعيشون في دائرة الاختلافات الجذرية مما أضر مجتمعاتهم وجعلهم يدورون في حلقة مفرغة منعتهم من الانتقال لقضايا هامة ومواضيع جديدة وتحديات معاصرة ، فكل اتجاه له آراؤه وأفكاره وأدلته العلمانية من منطق وتاريخ وأحداث معاصرة ... الخ وهذا الاختلاف والشر ثمرة العلمانية أو التأثر بها جزئياً في حين أن التقسيم الصحيح هو من مع الله سبحانه وتعالى ومن مع الشيطان ؟ من مع الحقائق الفكرية ومن ضدها أي من مع الإسلام ومن مع الكفر والشرك ؟ وكانت العلمانية تقول أن العقل العلماني سينقذ البشرية من الحروب والتعصب الديني والاختلاف فإذا العكس صحيح ، كما أن الدين الصحيح ليس مصدراً للتعصب أبداً ، وإذا حدث تعصب منسوب للدين فهو خطأ من البشر لا من الدين ، أما حروب الدين الصحيح فهي حروب لنصرة الحقائق الفكرية أي العدل الحقيقي والعقائد الصحيحة .. الخ ، أما حروب العلمانية فهي حروب مصالح مادية أو أوهام فكرية ، وظن العلمانيون وما أكثر ما يظنون أن استعداد العقل العلماني لمناقشة مختلف الآراء سيوصلهم للحقائق ، ولم ينجحوا ، وظنوا أنهم سيكونون بعيدين عن التعصب لآرائهم فشاهدنا صراعاً عنيفاً بن العقائد العلمانية في القرن العشرين عندما تحولت آراء الفلاسفة إلى عقائد وأحزاب ودول رأسمالية وشيوعية ونازية وشاهدنا ألواناً من التعصب في أفكارهم وأقوالهم ومواقفهم ، وترجم هذا التعصب إلى اضطهاد وسجون وتعذيب وقتل وحروب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   

الطريق إلى الحقائق الفكرية

 

كيف نصل للحقائق الفكرية ؟

بعد أن أثبتنا عجز العقل العلماني في الوصول إلى الحقائق الفكرية فإنه من المهم أن نذكر أن الخطأ ليس في العقل ولكن في الطريقة العلمانية في استخدامه أما الطريقة الصحيحة فهي الطريقة الإسلامية والتي تدعو إلى البحث أولاً في القضايا الكبرى أي في وجود الله سبحانه وتعالى وصدق الأنبياء كما قال أرسطو " إن أرقى العلوم هو علم المبادئ الأولى الذي سماه الفلسفة الأولى أو الميتافيزيق أو اللاهوت " (1) أما نقاش قضايا فرعية فلن يوصلنا إلى نتائج حاسمة فالمقارنة بين اقتصاد رأسمالي واقتصاد شيوعي واقتصاد إسلامي مقارنة محدودة الفائدة ، وهناك تبريرات منطقية من الصعب بيان صوابها أو خطئها فنحن بحاجة إلى التركيز على القضايا الكبرى وما هي أدلتها العقلية ؟ وما مدى صحة هذه الأدلة ؟ فإذا كان الدليل العقلي صحيحاً قبلنا الفكرة وقلنا إنها حقيقة فكرية أما إذا كان الدليل العقلي خاطئاً رفضناها واعتبرناها باطلة والقضايا الكبرى هي الأصول والأساس والمنابع للعقائد والنظمة والأخلاق والشعارات والدساتير والقوانين ومفاهيم الحرية والعدل والمساواة المطروحة على الساحة ، فالشيوعية كمبدأ قائم على عدة أصول أهمها أنه لا يوجد خالق لهذا الكون ، فإذا ثبت وجود خالق بطريق عقلي فالشيوعية مبدأ قائم على الخطأ والوهم والظن والجهل ، وإذا ثبت أن محمداً نبي فإن الإسلام دين صحيح ، وهو منبع الحقائق الفكرية ، وكم ضل كثير من البشر في الوصول إلى الحقائق الفكرية لأنهم سلكوا طرقاً خاطئة قال الغزالي رحمه الله : " اختلاف الخلق في الأديان والملل ، ثم اختلاف الأمة في المذاهب على كثرة الفرق وتباين الطرق ، بحر عميق غرق فيه الأكثرون، وما نجا منه إلا الأقلون  " (2) .

 

الدليل الفكري للملحدين : ولنطالب المسلمين والملحدين بإعطاء أدلة تثبت أن مبادئهم تقوم على أدلة عقلية ، سنجد الملحدين يقولون أن دليلهم الفكري هو أننا لا نرى الله فهو أذن غير


موجود ، ولنسألهم أين بحثتم عن الله ؟ وما الأماكن التي بحثتم عن الله فيها فلم تجدوه ولم تشاهدوه ؟ وهل بحثتم في الكرة الأرضية ؟ نعم تستطيعون أن تقولوا ذلك ، هل بحثتم عنه في المجموعة الشمسية ؟ نعم تستطيعون أن تقولوا ذلك ، ولكنكم نسيتم أن تناسيتم حقيقة علمي مادية وهي أن في هذا الكون عشرات الآلاف من النجوم والكواكب لم تبحثوا فيها عن الله ويكفي أن نعرف أن في هذا الكون نجوماً تبعد عن الأرض أكثر من عشرة ملايين سنة ضوئية والسنة الضوئية أطول بكثير من السنة العادية بمعنى لو خرج ضوء من أحد هذه النجوم البعيدة في هذه اللحظة سيصل إلى الكرة الأرضية بعد اكثر من ثلاثين مليون سنة عادية ، فهل بحث الملاحدة ومنهم الشيوعيون في هذه الأماكن ، ولم يجدوا الله ولم يشاهدوه أنهم كمثل من بحث عن فرد في جامعة الكويت ، فلما لم يجده قال إن هذا الشخص غير موجود في الكرة الأرضية كلها ، فهل هذا كلام علمي أو منطقي ؟

إذن فالدليل العقلي الذي يبني عليه الملحدون كلامهم دليل غير صحيح ، فاعتقادهم بعدم وجود الله ليس إذن حقيقة علمية ، ثم أن الله سبحانه وتعالى ليس مخلوقاً نبحث عنه هنا أو هناك بل هو خالق هذا الكون بما فيه من كواكب ونجوم وبشر قال الله تعالى " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " 67 سورة الزمر .

الأدلة الفكرية للمؤمنين بوجود الله : والآن تعالوا لنسأل الذين يؤمنون بوجود الله عن دليلهم الفكري وسنجد لديهم دليلين أولهما : أن هناك خالقاً لكل شيء منظم ، فعندما نشاهد طائرة أو سيارة أو تلفاز نعرف أن هناك من صنع ذلك ، فالطائرة بها خزان للوقود وعجلات للإقلاع والهبوط ومحركات وأماكن مكيفة وأجهزة كهربائية لقياس الارتفاع والضغط ، فالطائرة عبارة عن نظام متكامل ويوجد تنسيق بين أجهزتها ، وهذه الطائرة لم توجد صدفة لأن البشرية خلال تاريخها كله لم تجد طائرة تكونت بالصدفة ، ولا حتى سيارة أو دراجة بخارية أو هوائية ، فلابد أن يكون هناك صانع لكل نظام متكامل دقيق ولو قارنا الطائرة بالأرض أو الكون لوجدنا أن الأرض أكثر نظاماً والإنسان أكثر تعقيداً ودقة من الطائرة فلابد أن يكون هناك من صنع الأرض والإنسان والكون ، فالكون يسير وفق نظام دقيق متوازن ، قال تعالى " الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ( 3 ) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير (4 ) سورة الملك وقال تعالى " أم


 

 

 

 

خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون " سورة الطور 36) وباختصار لابد أن يكون هناك من صنع هذا الكون ، والشواهد في الكون كثيرة. قال تعالى : " سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " (53) سورة فصلت وقال الله تعالى " هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين " (11) سورة لقمان .

 

فإذا كان العقل البشري يقول لابد أن يكون هناك صانع لكل شيء ، وهذه حقيقة فكرية ومادية واضحة لأننا نشاهد أرضاً وسماوات وبشراً وكائنات وشمساً ونجوماً ورياحاً وماء وبحاراً ونباتات وغلافاً جوياً ، فلابد أن يكون هناك صانع لذلك وهو الله سبحانه وتعالى ، فالآيات القرآنية تخاطب عقولنا وتقول لا يمكن أن يكون هذا الخلق من غير خالق ، ولا يمكن أن يكونوا هم الذين خلقوا السماوات والأرض وأنفسهم ، إذن لابد أن يكون هناك خالق عليم حكيم قادر قوي قال الدكتور عمر الأشقر " وقد تقرر في العقول أن الموجود لابد من سبب لوجوده " وقال " ولا يُكاد يعرف منُكر لوجود الخالق في الماضي إلا النزر اليسير ، وهم لا يمثلون في البشرية نسبة تُذكر " (1) وقال الدكتور إبراهيم مدكور " سلك فلاسفة الإسلام في هذه البرهنة ( على وجود الله سبحانه وتعالى ) مسلك المتكلمين من معتزلة وأشاعرة ، فعولوا على الدليل الكوني الذي يحاول أن يثبت وجود الله عن طريق وجود الكون ، والدليل الغائي الذي يستخلص من نظام الكون وإبداعه أن له هدفاً وغاية لا تصدر إلا عن مدبر حكيم " (2) وقال الدكتور وأين أولت " إن ذلك النظام البديع الذي يسود هذا الكون يدل دلالة حتمية على وجود إله مُنظم " (3) وقال هنترميد " ذلك لأن الإيمان بوجود الله قد تأصل في التفكير الغربي منذ أقدم العهود إلى حد أصبح معه أي تحد لهذا الإيمان ، أو حتى التفكير جدياً في أي بديل عنه ، يُعد في نظر أذهان كثيرة أمراً لا يتصوره العقل " (4) ونقول لأن وجود الله سبحانه وتعالى بديهية


 

عقلية قامت عليها كثير من الأدلة العقلية ولأنه ينسجم مع الفطرة ، قال تعالى " قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض " سورة إبراهيم (10) وقال تعالى " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " سورة البقرة (164) أي لمن لديهم عقول صحيحة قال الأستاذ أديب صعب " معظم الفلاسفة الذين اعترف بهم دارسو الفلسفة ومؤرخوها ، على اختلاف نظرات هؤلاء الدارسين إلى الموضوع ، لا يجوز نعتهم بالملحدين على الإطلاق ، والآحرى أنهم اعترفوا بوجود الله ، وكان لهذا الاعتراف أثر بارز في توجيه أنظمتهم الفكرية ككل ، أما الذين أنكروا وجود الله علنا أو وقفوا موقفاً تشكيكياً من الأمر أو اعتبروا أن الله ليس موضوعاً للفلسفة من قريب أو بعيد فكانوا قلة بين الفلاسفة" (1) وقال الإمام الغزالي " ليكف عن غُلوائه من يظن أن التجمل بالكفر تقليداً يدل على حسن رأيه ، ويُشعر بفطنته وذكائه ، إذ يتحقق أن هؤلاء الذين يتشبه بهم من زعماء الفلاسفة ورؤسائهم براء عما عُرفوا به من جحد الشرائع ، وأنهم مؤمنون بالله ، ومصدقون رسله ، وأنهم اختبطوا في تفاصيل بعد هذه الأصول قد زلوا فيها ، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل " (2) وقال الأستاذ أديب صعب " وكانت فلسفة أفلاطون دينية إلى الحد الذي جعل الآباء المسيحيين الأوائل ينظرون إليه كما لو كان مسيحياً قبل المسيح " (3) وقال الأستاذ أحمد أمين " يكاد يكون كل إنسان مفطوراً على الاعتقاد  بوجود إله خلق العالم ودبره ، ويكاد الناس بفطرتهم يجمعون على ذلك مهما اختلفت أسماء الله عندهم ، واختلفت صفاته ، يستوي في ذلك الممعن في البداوة ، والمعرق في الحضارة " (4) وصحيح أن قلة من العلمانيين ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى ولكنهم جميعاً يفصلون الدين عن الدولة والحياة ، ولا يعتبرون الدين مصدراً للحقائق الفكرية ، ويعترفون بوجود الله ولكنهم يرفضون معرفته ، ولماذا خلقنا ؟ ولا ما هي العقائد


 

والأنظمة التي يريدها خالقنا ؟ ولا ما هي نهايتنا كبشر عندما نموت ؟ وأخذوا يضعون أهدافاً للناس والدول ، ويتكلمون في الحقائق الفكرية ، ومن البديهي أن المفروض أن نتساءل لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى ؟ فهو لم يخلقنا عبثاً وبلا هدف ، وبالتالي فإذا تركنا الفلاسفة العلمانيين يقررون لنا ما نفعل في حياتنا فقد تجاهلنا الهدف من خلقنا ، فما دام أغلبية البشر من المؤمنين بوجود الله سبحانه وتعالى سواء كانوا أهل أديان سماوية أو علمانيين فإن هذا يفرض أن يتساءل الجميع لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى ؟ فوجود الله سبحانه وتعالى حقيقة فكرية واضحة عند أهل الأديان السماوية وعند أغلب العلمانية ووصلنا لها من خلال تفكير عقلي ، فالدين إذن قائم على تفكير عقلي ، وليس إيماناً أعمى ، وسنأتي بعد قليل لبعض شبهات الملاحدة لنبين خطأها وعدم وجود أدلة عقلية عليها والدليل الفكري الثاني على وجود الله سبحانه وتعالى هو وجود الأنبياء ومعجزاتهم ، فالمسلمون والمسيحيون واليهود شاهدوا معجزات الرسل ، فمن عاصر عيسى عليه السلام شاهد كيف أحيا الموتى بإذن الله ، وكذلك شاهد الناس ومنهم السحرة معجزات موسى عليه السلام وما فعله الأنبياء ليس سحراً فالناس تعرف السحر وحدوده وإلا لشاهدنا معجزات السحرة في زمننا هذا، ولأحيا بعضهم الموتى أو أنقذوا قومهم من أخطار شديدة كما أنقذ الله سبحانه وتعالى موسى وقومه من فرعون بأن جعل لهم طريقاً داخل البحر لينقذهم ثم ليغرق فرعون وقومه ، فوجود معجزات يعجز البشر عنها دليل على أن هناك قوة خارقة هي التي ساعدت الأنبياء ، وهذه القوة هي قوة الله سبحانه وتعالى ، والمعجزات هي دليل أيضاً على صدق الأنبياء والأدلة على صدق الأنبياء كثيرة ومن أهمها ما يلي :

1) المعجزات هي أمور خارقة للعادة ومن أمثلتها معجزة القرآن الكريم ومنها عصى موسى عليه السلام وغيرها قال تعالى " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " سورة الإسراء (101) ومنها إنزال المن والسلوى وشق البحر له ، أما معجزات عيسى عليه السلام فبعضها مما جاء في قوله تعالى " وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني ، وإذ تخرج الموتى بإذني " سورة المائدة 110 ومعجزة محمد r القرآن ومعجزات أخرى حدثت في وقتها قال الدكتور عمر الأشقر " وقد تحدى الله بهذا الكتاب فصحاء العرب ، وقد كانت الفصاحة والبلاغة وجودة القول هي بضاعة العرب التي نبغت بها ، وقد عادى العرب دعوة الإسلام ورسول الإسلام ، وكان مقتل


 

 

 

 

هذه الدعوى أن يعارض فصحاؤهم هذا الكتاب ويأتوا بشيء من مثله ولكنهم عجزوا عن ذلك قال تعالى " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا، فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " سورة البقرة 23-24 " (1) وقال تعالى " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " سورة الإسراء 88 وقال الدكتور عمر الأشقر عن القرآن " معجزاً في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني باستقامته على خصائص واحدة ، في مستوى واحد ، لا يختلف ولا يتفاوت ، ولا تتخلف خصائصه ، كما هي الحال في أعمال البشر "(2) وقال " معجزاً في بنائه الفكري ، وتناسق أجزائه وتكاملها ، فلا فلتة فيه ولا مصادفة ، كل توجيهاته وتشريعاته تلتقي وتتناسق وتتكامل ، وتحيط بالحياة البشرية ، وتستوعبها ، وتلبيها وتدفعها ، دون أن تتعارض جزئية واحدة من ذلك المنهج الشامل الضخم مع جزئية أخرى"(3) وقال " معجزاً في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس ، ولمس مفاتيحها ، وفتح مغاليقها ، واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها ، وعلاجه لعقدها ومشكلاتها في بساطة ويسر عجيبين"(4)  فالقرآن معجزة دائمة ، وتتحدى الناس قديماً وحديثاً وهي أهم دليل على صدق محمد r وعموماً فمعجزات الأنبياء والتي شهدها الناس وآمن بها اليهود والمسيحيون والمسلمون دليل عقلي قاطع على وجود رسل ، ووجود معجزات وهذا أمر لم يختلف فيه بينهم وإن اختلفوا في الإيمان ببعض الأنبياء ، والمعجزات ليست اختراعاً إسلامياً بل حقيقة فكرية لا يجادل فيها إلا ضال أو معاند فالقول بأن المعجزات نوع من السحر يُرد عليه بأن الناس تعرف حدود قوة السحرة ، وأنهم لا يُحيون الأموات ، كما أننا لم نشاهد سحرة ادعوا النبوة خلال عشرات القرون ، ونجحوا في دعوتهم .

 

2) من أدلة صدق محمد r هو بيان القرآن لحقائق غيبية قديمة ومستقبلية منها قوله تعالى " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامه



أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " سورة آل عمران (44) فكثير من التفاصيل التي حدثت للأنبياء وأقوامهم ذكرها القرآن مع أن النبي r لم يكن كاتباً ولا قارئاً وقد أخبر أيضاً عن أحداث مستقبلية كاستشهاد قادة المسلمين الثلاثة في معركة مؤتة وإخباره بمقتل بعض الكفار في معركة بدر قبل بدايتها وقال r " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتُنفقن كنوزهما في سبيل الله " رواه البخاري ومسلم والترمذي وحدث هذا وانتصر المسلمون على الفرس والروم بعد موت النبي r وأخبر بأحداث أخرى حدثت ولو قارناها بتنبؤات ماركس المثقف لوجدنا أن تنبؤاته أخطأت أغلبها إن لم نقل كلها ، ونعطي أمثلة على ذلك مما قال الدكتور مصطفى محمود " ولهذا أخطأ ماركس في جميع تنبؤاته فقال بخروج الشيوعية من مجتمع صناعي رأسمالي متقدم مثل انجلتر أو ألمانيا فكذب التاريخ نبوءته وخرجت الشيوعية من بلد زراعي متخلف كالصين " (1) وقال " تنبأ ماركس بازدياد تمركز رءوس الأموال في احتكارات هائلة يزداد معها غنى الأغنياء وفقر الفقراء ولكن الذي حدث كان اتجاهاً إلى تفتيت رءوس الأموال " (2) .... الخ ونعلم أن الإنسان مهما كان ذكياً فلا يستطيع التنبؤ بأحداث مستقبلية كثيرة ، فالغيب مجهول للبشر ، ومعرفة الأنبياء به جاءت لأن الله أعلمهم بذلك .

3- حياة الأنبياء كتاب مفتوح ، قرأه الناس وعرفوا صدقهم وزهدهم في الدنيا وسمو أخلاقهم واجتهادهم في العبادة وبعدهم الكبير عن أهداف دنيوية أو أطماع أو مناصب أو انتقام أو تعصب عرقي أو طبقى أو غدر ... وكانوا قدوة في صبرهم وتواضعهم وحكمتهم ... فهذه الصفات ليست أبداً صفات كذابين قال أحمد شوقي رحمه الله في مدح الرسول r

      فإذا سخوت بلغت بالجود المدى              وفعلت مالا تفعل الأنواء (3)

     وإذا عفوت فقادراً ، ومقدراً                    لا يستهين بعفوك الجهلاء

     وإذا رحمت فأنت أم ، أو أب                    هذان في الدنيا هما الرحماء

 

 

 

 

4- من الأدلة القوية على صدق الرسل جميعاً هو دراسة القرآن والسنة والنظر فيما فيهما من العلم والحكمة والنور ومقارنتهما مع عقائد البشر وأحكامهم فتجد في الإسلام العقائد المنطقية المتكامل المدعمة بأدلة فكرية ومادية وواقعية ، وتجد الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العادلة والمفيدة ، وتجد الأهداف السامية وتجد الأخلاق الفاضلة وقد سُئل أعرابي بم عرفت أن محمداً رسول الله ؟ فقال : ما أمر بشيء فقال العقل : ليته ينهى عنه ، ولا نهى عن شيء ، فقال العقل : ليته أمر به ، ولو تأملنا في الجوانب الاقتصادية في الإسلام لوجدناها وسطاً في جوانب كثيرة بين الرأسمالية والشيوعية ، ولو درسنا أسلوب التربية الإسلامي لوجدنا الحكمة والعلم والبصيرة ... الخ فالعقول السليمة تقبل الإسلام ، وتقتنع بصوابه ، ولكن العلمانية والمستشرقين والأعداء والفهم الخاطئ لبعض المسلمين والمتطرفين وعدم دراسة الإسلام على أيدي علماء مخلصين وأعين مثقفين غير جامدين ولا متطرفين ... كل هذا وغيره أدى إلى تشويه مفاهيم وعقائد وأحكام الإسلام عند الكثيرين ، ومن الأمور الغريبة أن بعض من رفض الإسلام لم يدرسه ولم يعرفه ولا يريد أن يعرفه ومع هذا يحكم عليه بالرجعية والتخلف ، قال ابن القيم " فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله r أتم دلالة وأصدقها " (1)

5- قال الدكتور عمر الأشقر " ومما يدلنا على صدق الأنبياء والمرسلين نصرة الله لهم ، وحفظه إياهم ، فإنه يستحيل على الله تعالى أن يتقول عليه متقول ، فيدعي أنه مرسل من عند الله وهو كاذب في دعواه ، ثم بعد ذلك يؤيده الله وينصره " (2)  فالله سبحانه وتعالى يخذل من يدعي النبوة وهو كاذب ، وينصر النبي الصادق ومن قرأ سيرة الرسول r يعلم أنه مؤيد بنصر من الله لأنه تعرض إلى مخاطر كثيرة منها عدة محاولات لقتله وتعرض لحروب كثيرة ، وكان النصر الأخير له ، ولو كان رجلاً عادياً لما عارض قومه ولسايرهم لأن له هدفاً مادياً أو سياسياً ولما عرض حياته لأخطار وحروب ، وكان النبي يقول دعوته صريحة وواضحة وقوية في عقر دار الكفار وهو ضعيف ، ولا سند له إلا إيمانه بالله سبحانه ، وهو يفعل ذلك تنفيذاً لأوامر الله ، فكيف ينتصر رجل أعلن عقيدة ضد قريش


 

والعرب والفرس والروم وهو ليست لديه أموال ولا قبيلة قوية ولا دولة ولا حصون تحميه ولا أسلحة متطورة ومع هذا ينتصر عليهم .

 

6- وقال تعالى " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء " سورة النمل 88 وهذه الآية الكريمة تقول أن الجبال متحركة وتسير ، وهذه حقيقة علمية مادية ثبتت قبل حوالي خمسمائة سنة ، أي بعد أكثر من سبعة قرون من وفاة الرسول r فمن أين يعلم الرسول هذه الحقيقة لو لم يخبره الله سبحانه وتعالى ، وفي القرآن الكريم حقائق مادية أثبتها العلم المادي مثل انخفاض كمية الأوكسجين بالارتفاع عن سطح الأرض ، قال تعالى : " ومن يُرد أن يُضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء " سورة الأنعام (125) وأن الرياح تقوم بنقل حبوب اللقاح من الزهور المذكورة إلى الزهور المؤنثة قال تعالى " وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه " سورة الحجر / 22    (1)

 

الدليل الفكري للرأسمالية العلمانية :

العلمانية الرأسمالية كفكر ليست قائمة على أدلة تنفي وجود الله ، أو تنفي صدق الأنبياء ، بل هي قائمة على فصل الدين عن الدولة وعن الحياة ، وما دمنا أثبتنا وجود الله وصدق الأنبياء فإن تقييم العلمانية الرأسمالية يعتمد على ميزان الإسلام لأن الكتب السماوية هي الحقائق الفكرية ، وهي العلم الفكري ، وبها نعرف الحق من الباطل ، والصـواب من الخـطأ قال تعـالى " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور " سورة إبراهيم (5) وقال تعالى مخاطباً محمداً r " ونزلنا عليـك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " سورة النحل 89 وقال تعالى " وما أنزلنا عليك الكـتاب إلا لتبـين لهم الـذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " سـورة النحل (64) وقال تعالى " أفـمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مسـتقيم " سورة الملك (22) وقال رسول الله r " تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " وبناء على منبع الحقائق الفكرية نقول إن فصل الدين عن الدولة أي الرأسمالية العلمانية


 

 

خاطئة وضائعة ومظلمة بدليل قوله تعالى " فأحكم بينهم بما أنزل الله " سورة المائدة (48) وقوله تعالى " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون  (18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين (19) هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون" (20) سورة الجاثية وقال ابن تيمية " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين ، وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد r فهو كافر"(1) وقال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " أما قضية فصل الدين عن الدولة بمعنى أقصاء الدين عن أن يكون له دور في تنظيم أمور المجتمع فإنها المكون الرئيس من مكونات العلمانية الذي يسع مسلماً قبوله "(2) فهدف الرسل هو إذن بيان الحق من الباطل في عقائد الناس وقوانينهم وأنظمتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحياتهم الأسرية والشخصية وتأتي العلمانية الرأسمالية لترفض هذه الحقائق الفكرية ولتتخبط في عقائدها وأنظمتها ، فتحصد التعاسة والشقاء والقلق والضياع بل تأتي بعد الرفض الإسلامي الصريح لها من خلال آيات وأحاديث لتقول لا يوجد تعارض بين العلمانية والإسلام، وتتجاهل هذه الآيات الصريحة، وأقوال العلماء وهذه محاولة فاشلة لم يعد يصدقها الناس، وأقل ما يقال عن أصحابها أنهم لا يملكون الشجاعة الأدبية، أو أنهم يكذبون فإذا قال العلمانيون نؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى وصدق محمد r وبأن القرآن كتاب الله ، فلماذا إذن يفصلون الإسلام عن الدولة فهم كأنهم يقولون وصلنا إلى الحقائق الفكرية ، ولكن لا نريد أن نستخدمها في الدولة ولا في حياتنا الشخصية ، وتعالوا نبحث عن الحقائق الفكرية في مكان آخر، أو لنبني حياتنا على أساس من الآراء الخاطئة المتناقضة وكأنهم يقولون نحن كبشر لا نحتاج هذه الحقائق ، وأخطأ الله سبحانه وتعالى في تبليغها لنا، بل هي منبع التعصب والتطرف والجهل ، ومثل هذا الكلام معناه أن ما يوجد في القرآن ليس بحقائق فكرية وأنه لا يوجد أنبياء، وأن ما ثبت بالعقل السليم صحته مرفوض، وأن الآراء الفكرية المتناقضة التي يصل إليها العلمانيون والشعوب هي التي يجب أن تُطبق وهذا ليس فقط كفراً بواحا بل أيضاً جهل عظيم بالله سبحانه وتعالى وبرسله وبكتبه


 

 

ــــــــــــــــــ

(1) فتوى شيخ الإسلام في حكم من بدل شرائع الإسلام – شيخ الإسلام ابن تيمية

(2)  ص 530 كتاب القومية العربية والإسلام – مركز دراسات الوحدة العربية

 

 

وبالهدف من خلق الإنسان وبالمبادئ الصحيحة والقوانين العادلة ، وهناك من العلمانيين من يقول نعم الإسلام دين صحيح ولكنه علاقة بين الإنسان وخالقه ولا دخل له في السياسة وشؤون الدولة ، وهذا أيضاً من الجهل لأن الإسلام يقول عكس ما يقولون وليس من حقهم أن يعطوا تعريفاً للإسلام يناقض آيات قرآنية وأحاديث صريحة ، فمثل هذا التعريف ليس لديه أي شرعية موضوعية ، فالعلمانية الرأسمالية ليست لديها أي أدلة عقلية صحيحة تثبت صوابها وليست لديها شرعية دينية مستندة إليها والغريب فعلاً أنه ليس لديها إطلاقاً إثبات على صحة أصولها الفكرية ، فهي قائمة على رد فعل لأخطاء الكنيسة وعلى بحر من الآراء والأفكار المتناقضة ، وفلسفة الحلول الوسط واتباع الشهوات والهوى ، والهروب من الأسئلة القلقة فهذه هي الأسس " العلمية " للعلمانية الرأسمالية فالابتعاد عن الكنيسة ليس معناه أنك تسير في الاتجاه الصحيح ، وتناقض الأفكار وتصادمها لم يكن أبداً جزءاً من العلم ، والحلول الوسط ليست أسلوباً للوصول للحقائق الفكرية أو المادية ، أما الهروب من الأسئلة القلقة فهو دليل عجز وحيرة وضياع ويأس ، وفتح الباب للشهوات والأهواء دليل على الطيش والجهل لا التفكير والعلم قال تعالى " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين " (16) سورة البقرة وقال تعالى " قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " (123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره  يوم القيامة أعمى " (124) سورة طه ولو نظرنا للعلمانية الرأسمالية والمؤمنين بوجود الله من العلمانيين من زاوية عقلية ثانية لوجدنا أن وجود الله سبحانه وتعالى حقيقة فكرية وصدق رسله حقيقة فكرية ، ووجود كتب سماوية حقيقة فكرية ، ويؤمنون بأن الله أعلم وأحكم وأقوى منهم


ومع هذا يقولون سنصل بعقولنا إلى نظام لحياتنا أفضل وأرقى مما علمنا الله سبحانه وتعالى قال ابن الجوزي " وهذه هي المحنة التي جرت لإبليس ، فإنه أخذ يعيب الحكمة بعقله، فلو


تفكر علم أن واهب العقل أعلى من العقل ، وأن حكمته أوفى من كل حكيم ، لأنه بحكمته التامة أنشأ العقول " (1) قال ابن تيمية قال الله تعالى "أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " سورة


 

الأنعام (122) فهذا وصف المؤمن ، كان ميتاً في ظلمة الجهل ، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان ، وجعل له نوراً يمشي به في الناس ، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات "(1) وقال ابن القيم في كتاب مفتاح دار السعادة " حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية ، فوق حاجتهم إلى كل شيء ، لا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها ، ألا ترى أكثر العالم يعيشون بغير طبيب " وقال ابن القيم " ومن ههنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول ، وما جاء به ، وتصديقه فيما أخبر به ، وطاعته فيما أمر ، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل ، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ، ولا ينال رضا الله ألبتة إلا على   أيديهم ، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به ، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأخلاقهم توزن الأخلاق والأعمال وبمتابعتهم يتميز أهل الضلال "(2)

وقال "  فالعقل يدرك حسن العدل ، وأما كون هذا الفعل المعين عدلاً أو ظلماً فهذا مما يعجز العقل عن إدراكه في كل فعل وعقد "(3) أي العقل يريد العدل ويعلم أنه هدف نبيل ولكن لا يستطيع في كل القضايا الفكرية أو أغلبها معرفة ما هو العدل فهل من العدل أن نوزع المسؤولية المالية في الأسرة بين الزوجين بالتساوي أم هي مسؤولية الزوج وما هو الموقف العادل من الربا أو الثورة على الحكومات أو حقوق الحكومات ... الخ وقال ابن القيم " فمن أين للعقل معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته أو من أين له معرفة تفاصيل شرعه ودينه الذي شرعه لعباده ؟ ومن أين له معرفة تفاصيل محبته ، ورضاه ، وسخطه ، وكراهيته ؟ ومن أين له معرفة تفاصيل ثوابه وعقابه ، وما أعد لأوليائه وما أعد لأعدائه ، ومقادير الثواب والعقاب وكيفيتهما ودرجاتهما ؟ " (4) وبعد أن ثبت للعقل البشري وجود الله وصدق الأنبياء فعليه أن يعتبر الإسلام مصدره للحقائق الفكرية لأن ما بُني على صواب فهو صواب ولأنه لا يوجد طريق آخر للوصول للحـقائق الفكرية فالتفـكير العقلي العلمـاني المجرد يؤدي إلـى تناقضات ، فالإيمان بما جاء به الرسل جاء عن عقل وتفكـير وعلم وبحث ، ولم يكـن أبداً إيماناً أعمى كما يقول كثير من العلمانيين قال الشيخ عبد الحليم محمود


 

ـــــــــــــــــــ

(1) ص 32 الرسل والرسالات د. عمر سليمان الأشقر

(2) ص 31 الرسل والرسالات د. عمر سليمان الأشقر

(3)، (4) ص 36 الرسل والرسالات د. عمر سليمان الأشقر

 

 

رحمه الله " لقد كان من الطبيعي – بعد أن تثبت النبوة – أن يتلقى العرب كل ما جاء في القرآن بالقبول " (1) فالوحي هو الذي جاء بالحقائق الفكرية ولهذا قيل " والوحي مع العقل كنور الشمس أو الضوء مع العين ، فإذا حُجب الوحي عن العقل لم ينتفع الإنسان بعقله كما أن المبصر لا ينتفع بعينيه إذا عاش في ظلمة ، فإذا أشرقت الشمس وانتشر ضوءها انتفع بناظريه "(2)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــ

(1) ص 50 التفكير الفلسفي في الإسلام الشيخ عبدالحليم محمود

(2) ص 39 الرسل والرسالات د. عمر سليمان الأشقر

 

 

شبهات حول الحقائق الفكرية

ذكرت أدلة عقلية واضحة تثبت وجود الله وصدق الأنبياء ، وسأذكر هنا قضية مهمة جداًَ ، وكثيراً ما غابت عن المدافعين عن وجود الله ، وعن المدافعين عن الحقائق الفكرية وهي أن النقاش يجب أن يكون نقاشاً عادلاً وواضحاً ، ويتعامل مع أدلة لا آراء لا يسندها أي دليل فإذا قال الملحد مثلاً أن الكون خلق صدفة نقول أين الدليل العقلي على وجود صدفة أي أثبت علمية كلامك أولا ولا تقل كلاماً لا يثبت بدليل ، أي نريد حقائق لا نريد آراء فالكلام مجاناً ، وإلا فبالإمكان القول بأن الكون خلق من صدفتين أو عشر ، وأن الإنسان تطور من قرد أو حمار فهذه الأقوال آراء وافتراضات وظنون وأوهام وليست حقائق مادية أو فكرية ، وقبل أن نناقش العلمانيين في الشبهات التي يثيرونها ويشككون بحقائق فكرية إسلامية نقول الرد المختصر على كل هذه الشبهات هو أننا وصلنا بالعقل والأدلة الصحيحة إلى إثبات صحة الحقائق الإسلامية وبالتالي فما يخالفها هو بالتأكيد باطل لأن العقل السليم لا يعارض العقل السليم ، والحقائق لا تعارض الحقائق فإن كان الله سبحانه وتعالى قد أرسل لنا أنبياء وكتب فيستحيل أن يكون فيها باطل أو خطأ لأن الله سبحانه وتعالى عليم وحكيم وقادر وعادل ورحيم ، ويستحيل من ناحية عقلية أن يستطيع العقل البشري والذي نعرف محدوديته وجهله وضعفه ، أن يهدينا إلى عقائد وشرائع أفضل مما هدانا الله سبحانه وتعالى فلا توجد إطلاقاً مقارنة بين علم الله وقدرته على الخلق وقوته وبين ما عند البشر جميعاً ، وهذه حقيقة فكرية وحقيقة مادية أيضاً نراها في ما خلق الله سبحانه وتعالى من كون وكائنات وقوانين وما خلفها من علم وقدرة وإبداع ، وقد أدرك المسلمون هذه الحقيقة ، فلم تخدعهم الشبهات والأوهام ، وأخذوا يبنون بنيانهم الفكري على الحقائق الفكرية بطريقة متسلسلة ومنطقية ومتكاملة وشاملة ، وتعالوا معنا نناقش ما يقول العلمانيون والملاحدة :

1- قال الدكتور صادق جلال العظم " ولماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود وبذلك يُحسم النقاش دول اللجوء إلى عالم الغيبيات " (1) وقال " في الواقع علينا أن نعترف بكل تواضع بجهلنا حول كل ما يتعلق بمشكلة المصدر الأول للكون .. وعندما تسألني وما علة


 

وجود المادة الأولى ؟ فإن أقصى ما أستطيع الإجابة به : لا أعرف إلا أنها غير معلولة الوجود " (1) لاحظ كلمة نفترض أي نظن ونقترح ، وفي نفس الوقت يعترف بجهله في هذه القضية والغريب أنه يصل إلى أن المصدر الأول غير معلول الوجود ، وهذا ما يقوله المؤمنون بالله سبحانه وتعالى ولكنه يرفض أن يكون هذا المصدر هو الله سبحانه وتعالى ، فنفى وجود الله لم يعتمد على دليل عقلي ولكنه افتراض ، كما أننا لم نلجأ كمسلمين إلى افتراضات وغيبيات بل عندنا حقيقة واضحة أن هناك كون مُنظم وخلق فلابد من خالق ، فالدليل الإلحادي هو دليل مبني على الجهل والظن وليس العلم واليقين ، ومع هذا يشرعون ويعتبرون أنفسهم مفكرين ويطالبون الناس باتباعهم ، وأسسهم الفكرية الجهل والظن ، وهم يعترفون بأنهم ضائعون وحائرون وجاهلون قال أندرو كونواي أيفي " وقد يُنكر مُنكر وجود الله ولكنه لا يستطيع أن يؤيد إنكاره بدليل ... أنني لم أقرأ ولم أسمع في حياتي دليلاً عقلياً على عدم وجوده تعالى " (2) وقال الدكتور مصطفى محمود " ثم من كان موجوداً أول الخلق ليقول : في البدء كانت المادة هذا كلام ظني غيبي ولا علمية فيه " (3) وقال الأستاذ محمد علي يوسف " وكل منطق يؤدي في نهايته إلى التسليم بوجود خالق مدبر حكيم ، عند المؤمنين ، ينتهي عند الملاحدة بوجود شيء لا وجود له ، هو المصادفة " (4) وجاء في كتاب العلم يدعو للإيمان ترجمة محمود صالح الفكي " وإذا نظرنا إلى حجم الكرة الأرضية ، ومكانها في الفضاء ، وبراعة التنظيمات ، فإن فرصة حصول بعض هذه التنظيمات مصادفة هي بنسبة واحد إلى مليون ، وفرصة حـدوثها كلها معـا لا يمكن حسابها حتى بالنسبة للبلايين ، وعلى ذلك فإن وجود هذه الحقـائق لا يمكـن التوفـيق بينه وبين أي قانون من قوانين المصـادفة " (5) وجـاء في سيـرة مختصـرة عن حـياة ألبرت اينشتاين العالم الفيزيائي الشهير " وعلى الرغم من أن اينشتاين قد نشأ في عائلة منكرة للدين ، فإنه قد ارتد إلى حظيرة الإيمان بعد أن توغل في معرفة حقيقة العالم الذي لا يمكن إلا أن يكون نتيجة تدبير مُحكم لإله قادر عظيم ، وقد استبعد دور


 

المصادفة في حقل العالم وقوي عنده الشعور الديني، فقال إن كل بحث علمي دقيق هو ما قام على شعور ديني يستند إلى أن العالم نتيجة عقل مُدبر وليس وليد صدفة عشوائية " (1)

 

2- يقول هيجل " إنني أستطيع خلق الإنسان لو توفر لي الماء والمواد الكيماوية والوقت " (2) ونقول له أخلق ذبابة أولاً ولا تقول لدي القدرة على خلق إنسان فهذا افتراض وظن لا يصح بناء عليه أن تنفي وجود خالق كما أن المطلوب أسهل من ذلك أمنع الموت عنك ... وهو قد مات فعلاً أو أحيي من مات من البشر وهو أمر أسهل من خلقهم ، بمثل هذا الكلام وغيره ، شوه بعض الفلاسفة الحقائق الفكرية ، ووجود الله سبحانه وتعالى هو الحقيقة الكبرى في الوجود وهي الأساس لكل الحقائق الفكرية ، فالفيلسوف الذي يجهل ذلك هو من أكثر الناس جهلاً حتى لو ألف مئات الكتب وحصل على أعلى الشهادات الجامعية .

 

3- من أساليب تزوير الحقائق ما قاله الفلاسـفة الماديون حيث قالوا نحن لا نعـتبر شيئاً حقيقة ما لم يخضع للتجربة والمشـاهدة والاستنـتاج ، ونقول لهـم هذا الأسلوب لا ينطبق على القضايا الفكرية ، كما أن هذا الأسـلوب لم يوصـلكم إلى أن وجود الله سبـحانه وتعالى ليس حقيقة بل أقصى ما يقول إنني لا أستـطيع أن أنفـي ولا أثبت وجـود الله لأنه شيء غيبي وراء الطبيعة ، فلماذا إذن اعتبرتم عدم وجود الله حقــيقة وهو شيء لم يثبـت من خلال التجربة والمشـاهدة والاستنتاج ولماذا اعتـبرتم الدين باطلاً ولم تثبـتوا في المخـتبر أنه باطل وأيضاً لم تثبتوا في المخـتبر أن الرأسمالية أو العلـمانية أو الشـيوعية أنظمة صحيحة قال الأستاذ وحيد الدين خان " إذا كان المبـدأ هو أن الحقـيقة ليست إلا نتائج المشاهدة والتجـربة العلمية ، فلن تسـتقيم قضـية معارضي الديـن إلا إذا توصـلوا بالمشاهدة والتجربة إلى أن الدين في حقيقته  النهائية باطل " (3) كان المفـروض أن يقـولوا أن العلم المادي لا يتدخل في القضايا الفكرية وأن يكون جوابهم في هذه القضايا لا أدري


 

قال هكسلي " إن المادة وقوانين المادة قد أبطلتا عقيدة الخلق ووجود الروح " (1) وهذا الكلام هو خلط للأوراق ، وظلم للعلوم المادية المختبرية لأن هذه العلوم لم تبطل قضية الخلق أبدأ ، ولم تبحث في المختبر قضية الروح لأنه لا يمكن بحثها لأنها ليست قضية مادة ، والصحيح هو ما قاله الأستاذ عبد الباري الندوي " والواقع أن أسطورة الصدام بين العلم " المادي " والدين مُصطنعة ومُلفقة لا أساس لها مطلقاً " (2)

 

4- من الأمور التي اقتنع بها بعض الفلاسفة الملحدين هو الربط بين بعض الأمور وبين وجود الله كما قال برتراند رسل " إن الشر الطبيعي والخلقي برهان ساطع على عدم وجود الله " (3) وقال الأستاذ أديب صعب " وفي الفلسفة الوجودية بجانبها الملحد نقع على النتيجة نفسها والمنطق نفسه : (1) إذا كان الله موجوداً ، لا يمكن أن يوجد الشر (2) لكن الشر موجود (3) إذا الله غير موجود " (4) وقال أم  بوشنسكي " والدين عند برتراند رسل يقوم على الخوف ، وبالتالي فهو شر ، وهو كما يقول رسل عدو للطيبة والذوق في العالم   الحديث ، وهو يوجد عند الأقوام التي لم تبلغ بعد نضجها " (5) والرد على هذا هو ما علاقة الشر أو الخوف أو الخير بوجود الله وكيف تكون برهاناً عقلياً ساطعاً كما يقول على عدم وجود الله ولماذا لا يقول الخير كثير وموجود وهو دليل على وجود الله ، والحقيقة الفكرية هي أن الله سبحانه وتعالى سمح بوجود شر في الأرض لحكم منها العقاب ، ومنها الاختبار ، وهو ليس بعاجز عن منعه لو أراد ، فلا يوجد ربط علمي بين وجود الشر والخوف ووجود الله ، وليس صحيحاً أن الدين قائم على الخوف وأين الحب والشكر والرجاء والجنة والاقتناع وهذا يثبت حقيقة نعلم يقيناً أنها جزء من مشكلة العلمانيين على اختلاف مدارسهم وهو جهلهم بالدين الصـحيح ومفاهـيمه وأهدافه وعقائده ، ولكن كما قلت يقولون كلاماً واتهامات بدون أدلة تـشوه الحقائق الفكـرية أي الدين أما الظن بأن الدين موجود عند أقوام لم تبلغ نضـجها فهو ظن خاطئ لأن هذه الأقوام وصلت للحقائق الفكرية ، ونضج عقلها ، والعقول التي لم تنضـج هي العقـول العلمانية التي لا


 

تملك ولم تتفق حتى على حقيقة واحدة وتتبنى مبادئ ثم تكفر بها ، وتغـير رأيها وتتناقض مع بعضها البعض وهذا دليل على ضياعها ، وعدم نضجها ، وعدم وصولها للحقائق ، وإثارة شبهات وربطها بطريقة غريبة باستنتاجات معينة ليس أسلوب حديث ، فهو أسلوب الملاحدة والمعاندين في كل زمان فقد قال الكفار في الماضي لماذا لا يكون النبي رجلاً له مكانة كبيرة ؟ لماذا يكون إنساناً عادياً ؟ وقالوا لماذا يكون النبي بشراً مثلنا ؟ فهذه الأمور تثير الشبهات ولكنها ليست أدلة عقلية مقنعة ، والمفروض أن يناقشوا صدق الرسول وأدلته العقلية ، أي البينات لا أي قضايا أخرى ، قال تعالى " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد " سورة التغابن (6) قال ابن الجوزي رحمه الله : " وإذا نظر العاقل إلى أفعال الباري سبحانه رأي أشياء لا يقتضيها العقل ، مثل الآلام ، والذبح للحيوان ، وتسليط الأعداء على الأولياء مع القدرة على المنع ، والابتلاء بالمجاعة للصالحين ، والمعاقبة على الذنب بعد البعد بزلة ، وأشياء كثيرة من هذا الجنس ، يعرضها العقل على العادات في تدبيره ، فيرى أنه لا حكمة تظهر له فيها ، فالاحتراز من العقل به أن يقال له : أليس قد ثبت عندي أنه مالك ، وأنه   حكيم ، وأنه لا يفعل شيئاً عبثاً ؟ فيقول : بلى : فيقال : فنحن نحترز من تدبيرك الثاني بما ثبت عندك  في الأول ، فلم يبق إلا أنه خفي عليك وجه الحكمة في فعله ، فيجب التسليم له ، لعلمنا أنه حكيم ، حينئذ يذعن ويقول : قد سلمت " (1) وقال بعض الحكماء : من لم يحترز بعقله هلك بعقله ، ومعنى هذا أن العقل الذي أوصلنا بأدلة عقلية صحيحة إلى الحقائق   الفكرية ، وأنها موجودة في القرآن والسنة ، وأن هناك خالق لهذا الكون حكيم وعليم وقوي يأتي ليثير شبهات فكرية مثل لماذا يحدث الظلم في هذه الأرض ؟ لماذا هناك فقر وأمراض وشر ؟ ويأتي ليطعن في حكمة الخالق وعلمه وعدله بل حتى وجوده وكل هذا يحدث بدون أدلة عقلية صحيحة تثبت أن وجود الفقر أو الظلم أو المرض يتعارض مع وجود الله سبحانه وتعالى ومع صفاته الكمالية ومع صدق أنبيائه وشريعته ، فلا يوجد تعارض فهذه الدنيا دار اختبار ، وهناك ثواب وعقاب ، وسيؤخذ لكل إنسان مظلوم حقه يوم القيامة بل سيصل العدل حتى إلى إنصاف الحيوانات بعضها من بعض ، وأي عمل سواء كان خيراً أو شراً


 

حتى لو بلغ من الصغر مقدار ذرة لن يتم نسيانها ، وسيأتي بها الله وأعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان العقل والحرية وأمره بأن يعمل الخير ويبتعد عن الشر، وعموماً فمن وصل بالعقل السليم ، إلى أن الله سبحانه وتعالى حكيم وعادل لا يعود ليتبع ظنون وشبهات لعقول ضائعة ويقول إن الله سبحانه وتعالى ليس حكيماً وعادلاً ، فالله سبحانه وتعالى حكيم ، هذه حقيقة فكرية " أي علم " أما اتهام الله سبحانه وتعالى بعكس ذلك فهذه أوهام فكرية ، أي جهل ، وكثير من الشبهات التي تُشكك في صحة بعض الحقائق الفكرية الإسلامية هي فعلاً تشكيك في وجود الله سبحانه وتعالى ، أو عدله أو صدق أنبيائه ، وهذه حقائق بأدلة عقلية قطعية ، ومن لديه علم بالإسلام وبما قاله علماء الإسلام يعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر الحكمة في بعض الأمور كوجود المصائب ، وشرح ذلك كثير من العلماء وتطرق العلماء أيضاً إلى الحكمة من أحكام الشريعة كالأمر بالزكاة والصدقات والزواج والعمل الإنتاجي وصلة الرحم ... الخ والحكمة من منع الزنا والربا والخمر ، وأي عاقل منصف سيقول بأعلى صوته هذا هو ما تدعو له العقول السليمة وهذا هو الحق والعدل .

5- ومن الأدلة التي يستند إليها الملحدون في نفي وجود الله وفي نفي صحة الدين ما حصل من تعارض بين ما يقوله رجال الكنيسة وبين بعض الحقائق المادية ، فقد كان رجال الكنيسة يعتبرون الأرض مسطحة وأن الأرض هي مركز الكون، وأن علاج الأمراض هو بإقامة الطقوس لطرد الشياطين التي تجلب المرض وهذا ليس صحيحاً فقد كان علماء المادة لديهم أدلة من التجربة والمشاهدة والاستنتاج تقول أن الأرض كروية وأنها تدور حول الشمس، والأمراض يمكن علاجها بالأدوية وبما أن ما يقوله علماء المادة صحيح، وما يقول علماء الكنيسة خطأ فاستنتجوا أن الكنيسة على خطأ في كل ما تقول ، فلا يوجد إله لأن الإله لا يقول أشياء خاطئة وحل هذه الإشكالية بسيط وهو أن معارضة الكنيسة لبعض الحقائق الفكرية والمادية جاء أحد احتمالين ، أما إضافات غير صحيحة للكتب السماوية ، أو تفسيرات خاطئة لنصوص دينية، وإذا أضفنا إلى ذلك أن الإسلام قال قبل خمسة عشر قرناً (أي قبل أن تأتي العلمـانية الحديـثة) بأن هناك تحريف في المسـيحية واليهودية ، وفي فهم حقائقـها وخاصة في القضـايا الفكرية يصبح اكتشاف العلمانية أخطاء في الديانة المسيحية حقيقة تتفق فيها مع الإسلام والإسلام كدين حق لم يتطرف ويعتبر كل ما في المسيحية خطأ كما فعلت العلمانية وجعل الملحدون من العلمانيين ذلك دليلاً على عدم وجود الله وهذا تطرف وربط غير


 

 

 

منطقي، وكان المفروض علمياً أن يقال أن الكنيسة أخطأت في هذه القضايا المادية ، لا أن يتم رفض كل الحقائق الفكرية المسيحية ، بل حتى لو افترضنا جدلاً أن المسيحية كلها خاطئة فإن هذا ليس دليلاً على عدم وجود الله ، فأدلة وجود الله من خلق لا زالت قائمة ، ولا توجد أدلة على عدم وجود الله ، فالعلم المادي أثبت وجود انحرافات في المسيحية ، ولكنه لم يقل ولم يثبت عدم وجود الله ولكن خلط الأوراق العلماني ضيع    الحقائق ، كما أن العلمانيين اتهموا كل دين بأنه باطل حتى قبل أن يدرسوا الإسلام ويعرفوه ، ولم يثبتوا وجود أي تناقض بين العلم المادي والحقائق الفكرية والمادية الموجودة في القرآن ، ولا شك أن أي تشكيك في حقيقة قرآنية  من علماء العلوم المادية أو مفكرين علمانيين هو باطل وخطأ هذا إذا فهمنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بصورة صحيحة بعيداً عن تفاسير خاطئة قديمة أو حديثة .

6- تقول نظرية دارون : أن أصل المخلوقات كائن صغير تطور مع مرور السنين إلى سلالات أخرى أرقى إلى أن وصلنا إلى الإنسان ، وبما أن الأديان السماوية تقول ، أن الله خلق الإنسان مباشرة ، وأنه لم يتطور من قرد فإن هذا يخالف نظرية دارون ، إذن الأديان خاطئة والله غير موجود ، ونقول إن نظرية دارون وخاصة تكون الإنسان من قرد عملية لم تثبت علمياً أبداً بل هي نظرية أي رأي ووجهة نظر ، قال الأستاذ وحيد الدين خان " فقبل كل شيء يجب ألا يفوتنا أن الداروينية لا تزال نظرية غير ثابتة كلياً حتى الآن ، أن نظرية الارتقاء لا تثبت شيئاً أكثر من أن الأنواع المختلفة لم توجد في وقت واحد " (1) وقال آرثر كيث " الارتقاء غير ثابت ولا يمكن إثباته " (2) وقال الأستاذ وحيد الدين خان " إن محامي نظرية الارتقاء لم يتمكنوا حتى الآن من تمكيننا من مشاهدة أو تجربة أي أساس تقوم عليه مزاعمهم فعلى سبيل المثال ليس بوسعهم أن يثبتوا لك بالرؤية المباشرة في معمل ما ، كيف تُوجد الحياة من مادة لا حياة فيها " (3) وقال الأستاذ محمد علي يوسف " هل يمكن أن تكون الطفرات حقيقة وسيلة للتطور ، أن الدراسة الطويلة المتصلة لهذه الطفرات في كثير من الكائنات وخاصة ذبابة الفاكهة المسماة دورسوفيلا ميلانوجستر تدل على أن الغالبية العظمى من الطفرات تكون من النوع المميت، أما


 

الأنواع غير المميتة منها فإن التغيرات المصاحبة لها تكون من النوع الذي يؤدي إلى التشويه ، أو على الأقل من النوع المتعادل الذي يحدث تأثيرات فسيولوجية تضعف من قوة الفرد "(1) ومع أن الأدلة المادية لم تثبت أن الإنسان تحول من قرد ، " وأن رأي الطفرة كلام في الهواء وظن وافتراض إلا أننا سنرد جدلاً بأن البشر لم يشاهدوا خلال تاريخهم أي قرد تحول إلى رجل ، وإذا كان هذا حدث نتيجة طفرة فالغريب أن تحدث طفرة أخرى لقردة لتتحول إلى امرأة وأن يجتمع الرجل والمرأة في الأرض الشاسعة في مكان واحد وزمن واحد كما أن محاولة إيجاد تسلسل في الخلق غير منطقية ، فهناك حيوانات وطيور وحشرات وأسماك ونباتات وبينها تناقضات كثيرة لا يجوز تجاهلها حتى لو كان هناك بعض التشابه ، فما هو التشابه بين الحمامة والحمار ، وبين السمكة والشجرة وبين البعوضة والفيل ، وحكاية التطور تصلح كقصة خرافية أو أفلام خيالية ومع هذا حصلت على شهرة عالمية لأسباب لعل أهمها ، أن كثيراً ممن تكلموا فيها وأيدوها ليس لديهم معرفة بعلم الأحياء وعلم الطفرة بالذات بل هم فلاسفة لا يعرفون حتى بديهيات علم الوراثة ، ولكن وجدوا فيها " تأييداً " لفكرهم الإلحادي سواء كان ماركسياً أو غير ماركسي ، أما ما مدى صحة هذه النظرية فليس مهماً المهم هو أن يجادلوا المؤمنين بالله وبالأديان ، والمهم أن يتخلصوا من سيطرة الكنيسة ومن أعدائهم الفكريين والسياسيين ، ومثل هؤلاء الذين لا تهمهم الحقائق لا يهديهم الله ، قال الدكتور عمر الأشقر " إن آيات الله في الكون لا تتجلى على حقيقتها الموحية إلا للقلوب الذاكرة العابدة " (2) وقال تعالى " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداَ وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض  ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " 190-191 سورة آل عمران

 

7- محاكمة الواقع : الحقائق الفكرية هي أجوبة نظرية صحيحة لأسئلة عقائدية وسياسية واجتماعية واقتصادية وصلنا لها بأدلة عقلية ، ولكن هناك من عجز عن تشويه هذه الحقائق بأدلة عقلية وبحث وحوار ، فأخذ يُسلط الأضواء على سلبيات التطبيق عند دول أو جماعات


 

ــــــــــــــــــــــ

(1) ص 49 الفجوة المفتعلة بين العلم والدين الأستاذ محمد علي يوسف

(2) ص 148 العقيدة في الله د. عمر سليمان الأشقر

 

 

أو أفراد ليثبت بعد ذلك أن الخلل هو بسبب الإسلام ونقول تدخل في الجانب العملي لأي مبدأ سواء كان الإسلام أو غيره عوامل كثيرة من واقع وبشر ومعلومات وإشاعات فهناك مخلصون ومنافقون وهناك أذكياء وأغبياء ، فمحاكمة الفكر بناء على الواقع مرفوضة   علمياً ، وهذا لا يمنع أن يكون الواقع هو عنصر ثانوي في المناقشة بمعنى أن الهدف من الفكر هو خدمة الناس وإصلاح الواقع ، ومن المعروف أن بعض من يحملون مُسمى المسلمين لا يتورعون عن قتل أو سرقة أو نفاق أو غير ذلك مع أن الإسلام كفكر يأمر بعكس ذلك ، كما أن هناك من الحكومات من ترفع الشعارات الإسلامية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وهناك جماعات إسلامية متطرفة شرح تطرفها علماء مسلمون مخلصون وواعون ، ونقول أن الممثلين الحقيقيين هم من يلتزمون بالمبادئ الإسلامية ويطبقونها بقدر ما يستطيعون ، وهذا لا يعني أنهم أنبياء أو كالصحابة في إيمانهم ووعيهم وأخلاقهم ، بل يبقون بشراً ولكن لهم إيجابياتهم الكثيرة وأيضاً لهم بعض السلبيات والأخطاء الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية ، وبالتالي فمحاكمة البشر والواقع يجب أن تكون محاكمة ذات معايير واقعية وإسلامية ، وليست مثالية أو علمانية ، فإذا اعتبرنا الطالب الذي يحصل على أقل من 90% ساقطاً فسيسقط الأغلبية ، أما إذا كنا واقعيين واعتبرنا علامة النجاح 60% فإن المحاكمة ستكون عادلة وهذا ينطبق على أفراد وجماعات ودول إسلامية حيث نجد لهم كثيراً من الإيجابيات وقليلاً من السلبيات ، وإذا قارناهم بغيرهم  فإنهم أفضل بكثير إذا حدثت مقارنة شاملة في العقائد والأخلاق والأمانة والصدق وهم بالتأكيد أمل الأوطان والأمة والإنسانية  في واقع أفضل ونقول للعلمانيين العرب إذا كنتم صادقين في إيمانكم بالإسلام وأن اختلافكم هو مع جماعات ودول إسلامية وترون أنها متطرفة فطبقوا أنتم الإسلام بصورة صحيحة .

8- الاتهامات السرية : تبني المبادئ الصحيحة " الحقائق الفكرية " عملية يجب أن تتم بصورة عقلية وعلنية ولكن بعض العلمانيين العرب يهربون من النقاش العلمي في ساحة الأدلة العقلية ، إلى ساحات الاتهامات للإسلام بالمثالية أو الاستبداد أو السطحية ، أو غير ذلك ، وهناك نوع غريب من الاتهامات السرية حيث يقول بعض هؤلاء همساً أو في دوائر مُغلقة إنكم يا مسلمون لا تعرفون دينكم ، ففيه تعارض بين بعض الآيات القرآنية أو أن تفسير هذه الآية يعني كذا وكذا مما لا يقبله عقل أو مبادئ إسلامية معروفة أو يوجد في كتب تاريخية إسلامية كذا وكذا ، أو أن الإمام البخاري لم يكن علمياً في جمعه الأحاديث الصحيحة أو غير ذلك،


 

 

 

 

 

وما يقوله هؤلاء هو ترديد لشبهات كثيرة نقلوها من مستشرقين أو أعداء للمسلمين قديماً وحديثاً ، وهي أمور تكلم فيها علماء الإسلام ، وبينوا أنها إما فهم خاطئ ، أو كذب ، والمشكلة أن توجيه اتهامات سرية في دوائر مغلقة أسلوب يضر صاحبه حيث تبقى في عقله معلومات خاطئة لأنه لم يوصل شبهاته إلى علماء مسلمين يشرحون له الحقائق الفكرية ، وقد يقول قائل إنهم لا يستطيعون ذلك خوفاً من غضب الناس ، ونقول أن هناك وسائل مختلفة لسماع وجهة نظر العلماء كمخاطبتهم هاتفياً ، أو الكتابة لهم بأسماء مستعارة ، أو غير ذلك ، والأهم من ذلك أن من الخطأ تبني عقائد واقتناعات في مجال الفكر من خلال بيئة السرية والظلام لأنه تسمع فيها آراء ولا تسمع من يخالفها ، وهذا ما جعل بعض الجماعات الإسلامية تتطرف حيث تتكون الاقتناعات في دوائر مغلقة وهي دوائر يفرح بها الجهل ويرفضها العلم ، وعموماً فالسرية مقبولة في نشاط سياسي أو عسكري أو صناعي أو إداري ، ولكن ليس مجالها العقائد والمبادئ.

 

الخلاصة : إنكار وجود الله سبحانه وتعالى وصد ق الأنبياء r ، وصحة الكتب السماوية ضيع المنبع للحقائق الفكرية ، وفتح المجال لأراء وأفكار ونظريات أسسها الظن   والافتراض ، أي الجهل ، وبنوا عليها عقائد وأخلاقاً وحقـوقاً وواجبات وأنظمة ، فبعضهم اعتبر الإنسان كالمادة ، ووضـعه تحت التجارب والتأمل ، وأنتج نظريات وآراء كما فعلت الشـيوعية وعلم النفس ، وبعضهم أخذ يدرس التاريخ وببني عليه نظريات سياسية واجتماعـية واقتصـادية ، وبعضهم دفعه الإعجاب بشعبه إلى تبني مفاهيم وعقائد عنصرية ، وبعضـهم نتيجة اليـأس والإحباط من حـرب أو أوضـاع بلده السـيئة أخذ يؤلف نظـريات متشائمة وعقـائد غريبــة قال أ.م . بوشنسكي " ويصح أن يرى البـاحث في فلسـفة سارتر ( الوجـودية ) تعبـيراً عـن يـأس الإنسان الأوروبي في فترة ما بعد الحرب ، والإنسان الفرنسي خاصة ، وأن يجد


 

 

 

 

أن تلك الفلسفة هي التي تقابل تصور العالم عند كائن بلا إيمان أو عقيدة ، بلا عائلة ، وبغير هدف في الحياة ، كما قال بعضهم" (1) وأقول هذا هو جان بول سارتر الفيلسوف المشهور تنبع أفكاره من اليأس لا من العقل ، فالمسألة أصبحت فوضى فكرية ضيعت الحقائق الفكرية حتى لو أصابت في حالات جزئية فإعطاء مختلف الآراء والإجابات على مشكلات الإنسان يجعل بعض الإجابات صحيحة ، ونذكر هنا أنه ليس كل ما تقوله الرأسمالية أو الشيوعية أو غيرهما خطأ بل هم يتفاوتون في نسبة صوابهم وخطئهم ، ولكن الأخطاء الكبيرة هي السائدة في عقائدهم وفكرهم قال الدكتور  مصطفى محمود " ومن هذه الأمور أيضاً " علم النفس " وهو ليس بعلم على الإطلاق ، ولا ينطبق على بحوثه التي قدمها فرويد وأدلر وغيرهما شروط العلم الواجبة .... فلا هو يقيني ، ولا هو موضوعي بل هو مجموعة نظريات وفروض وتخمينات اختلف فيها أصحابها وتناقضوا وكذب كل منهم الآخر "(2)  وقال الأستاذ وحيد الدين خان " ولقد بلغ الصراع بين مختلف مدارس علم النفس أقصاه لدرجة أن بعض العلماء قد ذهب إلى إنكار وجود شيء اسمه " علم " فيما يتعلق بالنفس "(3) والأفضل أن نقول الدراسات النفسية لأن ليس كل ما فيه علم ، بل فيه علم ( أي حق وصواب ) ، وفيه جهل " أي باطل وخطأ ، وما ينطبق على علم النفس ينطبق على علم العقيدة ، وعلم الاقتصاد وعلم الزواج ، وعلم العبادة ، وعلم الأسس السياسية ، وعلم الأخلاق ، وعلم الإصلاح ، وعلم تربية الأبناء .... الخ فالكلام فيها كثير ومتناقض ، فالعلمانية هي التي شوهت كل هذه العلوم ، وحولت محتوياتها ، إلى آراء متناقضة لا يعرف الدارس لها أيها الصواب وأيها الخطأ وتركت ذلك لإقتناعه الشخصي وجعلت البشر حقول تجارب لاقتناعات شخصية لعلماء العلمانية ، أما من درس الإسلام وفهمه فهو لديه كل أنواع العلم الفكري من عقيدة وسياسة وتربية واقتصاد وأخلاق ... الخ قال تعالى " ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور " سورة النور (40)

 

 

 

ـــــــــــــــــــــ

(1) ص 286 الفسلفة المعاصرة في أوروبا أ.م. بوشنسكي ترجمة د. عزت قرني

(2) ص 78 لماذا رفضت الماركسية د. مصطفى محمود

(3) ص 90 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان

 

 


 

لماذا انتشرت العلمانية ؟

 

ذكرت سابقاً الضعف العقلي والعلمي للعلمانية وإنه ليس لها نصيب من الحقائق الفكرية ومن القوة الفكرية ، ومع هذا نجد أنها كفكرة منتشرة ونجد عقولاً كثيرة مقتنعة بها والسؤال الطبيعي هو لماذا انتشرت ؟ والجواب أن لذلك أسباباً كثيرة لعل أهمها :

 

1- انحراف رجال الدين المسيحيين : احدأهم أسباب انتشار العلمانية هو انحراف رجال الدين المسيحيين في العصور الوسطى وخاصة في معارضتهم لحقائق مادية قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق " وعندما بدأ عصر النهضة الأوروبية ، واكتشفت بعض العلماء حقائق جديدة عن الأرض والكون والحياة هب الرهبان والقساوسة ينكرون ذلك ، ويتهمون من يعتقد بالحقائق الجديدة ويصدق بها بالكفر والزندقة ، ويوعزون إلى السلطات الحاكمة بقتلهم وحرقهم بالنار ، ولقد لقي كثير من العلماء هذا المصير المؤلم جزاء مخالفتهم لآراء الكنيسة ..... ولكن حركة العلم لم تتوقف واستطاع العلماء أن يقدموا كل يوم براهين جديدة على نظرياتهم العلمية، وأبتدات آراء الكنيسة ومعتقداتها تُهزم كل يوم هزيمة جديدة، وكانت الجولة في النهاية لعلماء المادة على رجال الكهنوت فاندفع الناس نحو الإيمان بالعلم المادي كإله جديد سيحمل الرخاء والقوة والرفاهية للناس " (1)  وقال " لقد كانت الكنيسة الأوروبية سبباً غـير مباشر أحياناً وسبباً مباشراً أحياناً أخرى في نشر الإلحاد والزندقة والكفر الكامل بوجـود الله وذلك لأن القائمين على هذه الكنيسة من الرهبان والقساوسة أدخلوا في دينهم كثيراً من الخرافات والخزعبلات وجعلوها، عقائد دينية " وقال الشيخ عبد الرحمن " وفتـش الناس أسرار الكنيسة فها لهم ما رأوه من فساد أخلاقي بين الرهـبان والراهبات ، وأرادوا التخـلص ، إلى غير رجعة من السلطان الكهنوتي والقهر الزمني الذي مارسته الكنيسة ضدهم ومن الإتاوات والضرائب التي فرضتها الكنيسة على رقابهم ، فكان الرفض الكامل لكل


 

المعتقدات الدينية ، والكراهية العامة لكل عقيدة تنادي بالغيب ، واتهام الرسل جميعاً بالكذب والتدليس ، وهكذا برزت الموجة الأولى من موجات الإلحاد العالمي"(1) فالكنيسة قالت إن المرض من الشياطين ويمكن مداواته بإقامة القُداس والتمسح بالصلبان وأثبت الطب ( العلم المادي ) خطأ ذلك ، وقالت إن الأرض مسطحة ، وأثبت الفلك ( العلم المادي ) أنها كروية ، فأصبح الإنسان العادي لا يستطيع أن يعتنق المسيحية إلا إذا ألغى عقله ، فالكنيسة عارضت بعض الحقائق العلمية المادية نتيجة تحريف التعاليم المسيحية ، أو خطأ في التفسير ، كما أن فساد رجال الكنيسة وتحالفهم مع الأنظمة الحاكمة سبب غضب الفقراء والناس عموماً ، وأدى إلى النفور منهم ، فالصراع الحقيقي هنا ليس بين دين صحيح وعلم صحيح وبين علم فكري صحيح وعلم مادي صحيح ، بل هو بين علم مادي صحيح وتحريفات وتفسيرات خاطئة حدثت للمسيحية ، كما أن انحراف رجال الكنيسة ليس دليلاً على خطأ المسيحية أو الدين، فالانحرافات البشرية موجودة في كل العقائد السماوية والعلمانية ووجدنا أيضاً علماء مسلمين منحرفين في سلوكهم ، فتجد المنافق وتجد المتطرف وهكذا فالحقيقة هنا هي انتصار العلم المادي على الأخطاء والانحرافات التي نسبت زوراً للمسيحية وننبه هنا إلى أن العلماء الماديين تطرفوا في عدائهم لرجال الكنيسة التي اضطهدتهم ، وجعلوا كل تطور مادي يحققونه كأنه هزيمة للكنيسة وعلمائها مع أن تخصصهم هو العلم المادي ، وتخصص الكنيسة هو العلم الفكري ، والمفروض أن يرفض أجزاء من المسيحية لا كل المسيحية واعتبارها رجعية وأساطير ، فالعقل الأوربي تشكل من خلال الصراع والاضطهاد والثأر والعواطف ورد الفعل والفهم الخاطئ وخلط الأوراق ، وليس من خلال بحث عقلي أمين ، قال الدكتور عبد الحليم عويس: " فالأناجيل مع اختلاف في الدرجة إنما هي صياغة شخصية لأفكار وانطباعات فردية عن المسيح، وليست نصا صادراً مباشرة عن المسيح أوحاه الله إليه "(2) وقال " أما الجانب الآخر من القضية ، ففي رأينا ورأي من نعرف من الدارسين المحايدين أن النص القرآني هو النص الوحيد


 

ـــــــــــــــــــ

(1) ص 11 المصدر السابق

(2)، (3) ص 35 ص 36 لا نزاع بين الدين والعلم في المنهج والموضوع د. عبد الحليم عويس

 

 

 

 

 

الصادر عن الله بألفاظه ومعانيه" (3)  والتطرف الأوروبي جعله يعتبر كل دين خطأ وخرافات قياساً على ما حدث عنده حتى لو لم يدرسه ويعرفه، وحتى لو لم يجد فيه أي تناقض مع العلم المادي، أو العقل السليم، ووجدنا هذا عند بعض العرب ممن درسوا في أوروبا وأمريكا فقد عادوا بعقائد علمانية وهم لم يعرفوا حقيقة ما حدث في أوروبا، ولا حتى حقائق واقعنا حيث لا توجد عندنا مشكلة في الصراع بين الإسلام والعلم المادي، ولا في أي عقائد يقولها الإسلام ويعارضها العقل الواعي، بل كل ما فعلوه أنهم قلدوا أوروبا والتقليد ليس علماً، قال الدكتور محمد عمارة " المستغربون استعاروا مشكلة أوروبية كي يستعيروا لها حلاً أوروبياً " وقال الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين عن من تأثر من الشباب العربي بالعلمانية ممن درس في أمريكا والغرب " فهم عندما واجهوا الغرب واجهوه بقلوب فارغة وعقـول خـاوية ونفوس مجردة من معاني الأصالة والعزة واستقلال الشخصية، واجهوه مواجهة سطـحية من مواطن الجهل والذلة والشعور بالدونية والهزيمة ، فانبهروا بكل ما عنده دون منـاقشة"(1)  وقـال عن  العلمانيين بشكل عام" وداء العلمـانيين الأول الذي جرهم إلى ما هم فيه هو الجهل بدين الإسلام" (2)

 

2- القدرة العلمانية على تشويه الحقائق الفكرية : يؤدي استخدام العقل بالطريقة العلمانية إلى القدرة على تشويه أي عقيدة أخرى من خلال المبررات المنطقية التي تكلمنا عنها سابقاً، فإذا سجد المسلم لخالق هذا الكون قالوا هذا إضاعة لوقت يمكن استخدامه في الإنتاج، وإذا تبرع المسلم لفقير قالوا هذا تشجيع للكسل أو أن هناك أهدافاً سياسية لهذا العمل، وإذا سكت عن انحراف الأنظمة أو نصحها سلماً قالوا هذا عميل أو من وعاظ السلاطين، وإذا حمل


 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــ

(1)، (2) ص 21 ، ص20 رسالة الإصلاح الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين

 

 

 

السلاح عليها قالوا هذا إرهابي ويزعزع الأمن والاقتصاد ، وكان بعض العلمانيين العرب يتهمون الاتجاه الإسلامي في الخمسينات والستينات بأنه عميل لأمريكا لأنه يعادي الشيوعية وبعض الأنظمة العربية ، واذكر جواب عالم فاضل عندما سُئل : هل يجوز شراء أجهزة كمبيوتر تمت صناعتها في دولة أسيوية من دون رخصة من الشركة الأمريكية الأم لأنها تباع بسعر رخيص فقال : لا يجوز ، ثم ابتسم وعلق " فتوى أمريكية " ، والطريف أن أغلب العلمانيين العرب وخاصة الشيوعيين والاشتراكيين أصبحوا اليوم حلفاء وأصدقاء لأمريكا بعد أن كانوا يعادونها ويتهمونها بالإمبريالية وأنها العدوة رقم واحد للأمة العربية ، فالعقل العلماني نجح في تشويه كثير من الأمور والحقائق فقال عن الإسلام ليس به ديمقراطية ، وأنه يضطهد المرأة وأنه ضد الحريات وأن علماء الإسلام الواعين ، أما جامدون وأما متطرفون وإما أصحاب مصالح وإما غير ذلك ولم يتركوا تقريباً عقيدة أو حكماً إسلامياً إلا ووجهوا إليه سهامهم ، وحتى الأعمال الخيرية عادوها وشوهوها وكل أو أغلب ما قالوا غير صحيح إذا استثنينا الممارسات البشرية والأخطاء الاجتهادية ، فالإسلام هو دين الشورى منذ أربعة عشر قرناً أما تطبيقها في الواقع فهو مسؤولية البشر لا الإسلام ، وقد طبقها بصور مختلفة كثير من الحكام المخلصين على مدى تاريخنا الإسلامي ، والحرية الواعية الصحيحة هي تلك الموجودة في الإسلام وحقوق الإنسان عرفناها قبل أن نعرف الغرب بقرون كثيرة ، ومكانة المرأة في الإسلام ، وعند المسلمين الملتزمين أفضل مئة مرة من مكانتها الموجودة في الغرب وسنتكلم عن بعض هذه الأمور لاحقاً ، وما نريد أن نصل إليه أن العلمانية شوهت كل خصومها ، ومنهم الإسلام من خلال اتهامات ليست لها أدلة صحيحة ، وهي أصابت أحياناً في نقدها للعقائد الخاطئة ، ولكنها أخطأت في فهمها للإسلام ، وسلاح التشويه يستخدمه العلمانيون ضد بعضهم البعض كما حصل بين الرأسمالية العلمانية والشيوعية العلمانية وكما نشاهده يحدث بين التجمعات والأحزاب والدول العلمانية في كل مكان وزمان.

 

 

 

3- الأقنعة الكثيرة : أحد أسباب  نجاح العلمانية هي قدرتها على التأقلم وتغير أقنعتها ، وهذا يؤدي إلى بقائها على الساحة ، فالمبررات المنطقية العلمانية تجعلها قادرة أيضاً على الدفاع عن أي فكرة أو نظام أو حاكم أو مصلحة أو عقيدة سواء كانت صحيحة أو خاطئة ، فهي تتأقلم مع الواقع فأحياناً هي شيوعية وأحياناً هي رأسمالية ، وأحياناً هي نازية ، وأحياناً هي قومية أو وطنية ، وأحياناً مع الأغنياء ، وأحياناً مع الفقراء ، فكل هذه المبادئ علمانية فالعلمانية لم تطرح نظاماً فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً واحداً سيثبت الواقع والعقل نجاحه أو فشله ، بل هي تتحرك بألف وجه ، فالشيوعية سقطت ، ولكن العلمانية بقيت لأنها تتبرأ من الشيوعية بعد سقوطها مع أن الشيوعية أكثر علمانية من الرأسمالية ، وأصدق في علمانيتها في حين أن الرأسمالية تقبل الحلول الوسط ، ولا تبحث عن الحقائق الفكرية ، فالعلمانية تتأقلم مع الواقع وتغيير جلدها وتنوعه ، وبالتالي تبقى كاسم ، وتصلح لأي نظام وأي فكر وأي حاكم سواء كانوا صادقين أو كاذبين ، فالعلمانية تفتح الأبواب لهم ليقولوا ما شاءوا والمبررات المنطقية العلمانية ستساندهم ، وابتعاد العلمانية عن تحديد فكر وأنظمة وعقائد محددة ومفصلة جعلها تتبرأ ممن يسقط أو يفشل وتنسب إليها من يبقى وينجح جزئياً فاليوم أمريكا قوية فإذاً العلمانية هي الرأسمالية ونسي الناس أن الشيوعية علمانية أيضاً ، فالعلمانية يؤيدها مخلصون ضائعون اقتنعوا بأحد وجوهها الكثيرة ، ويتبنى بعض هذه الوجوه فئة غير مخلصة لا تهمها المبادئ بل تسعى لمصالحها وانحرافاتها وشهواتها ، فمثلاً المنحرف أخلاقياً يجد في بعض الفلسفات العلمانية ما يؤيد أفكاره وانحرافه ، ويعطيه الشرعية العلمية المزورة ، فيعتبر هذا حرية شخصية ، ومن يكره الأغنياء سيجد فيها أيضاً أفكاراً اشتراكية وشيوعية كلية أو جزئية تبرر أفعاله وأقواله ، وهكذا بالاستناد إلى العقل المجرد يمكن تبني أي عقائد منحرفة بل يمكن اختراع فلسفات جديدة علمانية لإثبات " صحة " أي عقيدة منحرفة ، فوجودها على الساحة العالمية ليس دليلاً لإثبات " صحة " العلمانية ، وليس دليلاً على قوتها الفكرية ، بل لأنها ثوب يستطيع أن يلبسه من يشاء لأنه ثوب ليس داخله فكر أو محتوى ثابت.

4- المتاجرة بالشعارات والأهداف العامة: نجحت العلمانية نجاحاً كبيراً في جعل نفسها من خلال الشعارات والأهداف العامة وغيرهما كأنها المنقذ للإنسانية ، فهي التي تطالب بالحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وإنصاف المرآة ، وهي أم التقدم العلمي المادي والتكنولوجي، وهي منبع الحضارة والغنى والرفاهية، وهي التي ستقضي على الحروب وعلى التعصب الديني


 

 

 

 

لأن الجميع سيحتكم للعقل، وتزعم العلمانية بأنها عدوة الاختلاف والتفرق مع أنها المصنع الأول له في العالم وأنها مع التسامح الديني وحرية القول، هذه الأمور بحاجة إلى تفصيل، فإذا كانت العلمانية الرأسمالية نجحت في أمور كثيرة من الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية فأن العلمانية الشيوعية فشلت فشلاً ذريعاً، فلماذا نأخذ الوجه الرأسمالي للعلمانية، وننسى الوجه الشيوعي، كما أن هناك كثير من الأنظمة العلمانية الرأسمالية في الدول النامية ليست ديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان مع أنها أنظمة وشعوب علمانية وليست دينية، وكذلك بالنسبة للغنى والفقر فليست كل الأنظمة العلمانية غنية ، وليست كل الأنظمة الأخرى فقيرة، كما أن العلمانية الغربية كما في أمريكا وأوروبا من أسوأ الأنظمة في العالم في مجال حياة المرأة وتعاستها وسنتطرق إلى هذا الموضوع لاحقاً ، إن شاء الله ، وهناك قضية مهمة جداً وهي أن الشعارات والأهداف العامة هي خلف كل المبادئ الرئيسة أي هي أهداف لا خلاف عليها ، فلا يوجد مبدأ يقول إنني ضد الحرية أو ضد الشعب أو ضد العدل أو ضد حقوق الإنسان فالمسلمون والمسيحيون وحتى الشيوعيون يقولون هذه أهدافنا الرئيسة ، ولكن العلمانية الرأسمالية نجحت في إعطاء صورة مزورة كأنها الوحيدة الساعية لذلك وكأنها الوحيدة التي نجحت في ذلك ، وهي أيضاً نجحت في إخفاء فشلها ، أما بالنسبة للربط بين العلمانية والديمقراطية فهو أيضاً ربط خاطئ ، فالشيوعية علمانية ولكنها ليست ديمقراطية ، كما أن الشورى جزء من المنهج الإسلامي منذ أربعة عشر قرناً ووجدت أنظمة تشاور شعوبها على مدى التاريخ ، ولكن بصور متنوعة فالمبدأ نفسه موجود قال تعالى " وأمرهم شورى بينهم " سورة الشورى 38 وقال تعالى " وشاورهم في الأمر " سورة آل عمران 159 ومن الكذب الذي قالت به العلمانية أنها تستخدم العقل كأن البشرية على مدى تاريخها لم تستخدم العقل مع أن كل إنسان مثقف محايد يعلم أن التاريخ البشري مملوء بالكتب والحوارات والآراء والعلم والدراسة والبحث بين المؤمنين والملحدين ، وبين أهل الأديان السماوية وبين مختلف العقائد ، وهـناك حوارات عقلية بين موسى عليه السلام وفرعون ، وبين إبراهيم وقومه ، ونجد في كتب علماء المسـلمين القديمة مختلف المناقشات والأدلة العقلية والحوارات بينهم وبين غيرهم وبينهم أنفسـهم ، ولكن للأسف أكثر الناس لا يقرأون ولا يبحثون بل هم سطحيون يصدقون ادعاءات العلـمانية واتهاماتها للغير، ومنها أنها الوحيدة ضد الخرافات والبدع والسـحر وهي أمور حطـمها الإسلام وعارضها وبينها في آيات قرآنية واضحة وصريحة ، فالعمل السحري


 

مرفوض فهو من الذنوب الكبيرة والشورى تم تطبيقها وحرية العقيدة تم احترامها وحمايتها وتعليم المرأة هدف إسلامي فمن المعروف أن عائشة رضي الله عنها زوجة الرسول r كانت عالمة ، وتعليم الناس ومحاربة الجهل والخرافات والظلم هو عمل قام به علماء واعون عل مدى تاريخنا الإسلامي ، ولكن العلمانية شوهت هذا التاريخ ، ولم تر فيه إلا صفحات سوداء ، وتجاهلت الصفحات البيضاء بل نسبت الصفحات السوداء للإسلام لا للبشر ، كما أن العلمانية نسبت إليها التقدم العلمي المادي وجعلت نفسها أما له في حين أن العلم المادي كان موجوداً على مدى التاريخ ، وصحيح أن العلمانية كانت أحد العوامل التي شجعته ولكن هناك عوامل أخرى هامة مثل التنافس الاستعماري الأوروبي ، والتنافس القومي ، وارتباط العلم المادي بالاقتصاد والشركات ، فلم يعد قضية تهم العلماء بل أصبح يهم الدول والأغنياء ، وله أثر هام في كسب الحروب وتأثير الحروب في التطور التكنولوجي كبير ، فكل هذه العوامل ساهمت في التقدم العلمي المادي، ومن البديهيات المعروفة أن الإنسان يدرس اليوم البحث العلمي والكيمياء والطب والفيزياء دون أن يسمع كلمة علمانية ، وهذه العلوم المادية تنجح في بيئة إسلامية أو مسيحية أو بوذية وليس فقط في البيئة العلمانية ، كما أن الدين الصحيح لا يعارض ولم يعارض التقدم العلمي المادي لا في تاريخنا الإسلامي ولا في زمننا الحالي ، بل إن حتى رجال الكنيسة لم يعارضوا من العلم المادي إلا ما ظنوا أنه يخالف المسيحية ، أما أغلبية العلم المادي والتقدم به على مدى التاريخ من صناعة سفن وأقمشة وأسلحة وهندسة مدنية وزراعة .... الخ فلم يتم معارضتها ، وفي نفس الوقت الذي قامت العلمانية بنسبة كل خير وتقدم في العصور الحديثة لها حتى لو لم يكن لها قامت أيضاً بإنكار كل سلبية حديثة أو تجاهلها ، فالاستعمار الأوروبي خلال الثلاث قرون الماضية تم في العصر العلماني، ومن دول علمانية والحروب الكثيرة المدمرة ومنها حربان عالميتان في القرن العشرين من إنتاج العلمانية وصناعة أسـلحة ذرية قادرة على تدمير الأرض عدة مرات يتم بأيدي دول علمانية ، وهذا وحده أخطر على البشـرية من كل الظلم والانحرافات التي تنسب للعقائد الصحيحة والباطلة في تاريخ البشـرية، كما أن ارتفاع نسبة الطلاق والعنـوسة والأمراض النفسية والجنـسية وأعداد الأطـفال غير الشـرعيين وجرائم القتل والاغتـصاب وانتشـار الفقر في العالم والحـروب كلها أمـور موجودة في الدول الغربـية والعالم في العصر العلمـاني ، فلماذا تنسـب لها الخـير وتنفي عنـها الشر وباختصار العلمانية نجحت في نسبة كل خير لها،


 

 

 

 

وتبرأت من كل شر، فظن الكثيرون أن النور ظهر بظهور العلمانية ، والحقيقة أن الظلام الفكري زاد من خلال افتراءات وادعاءات كثيرة قالت بها العلمانية فشوهت عقائد وتاريخ ومفاهيم لخصومها، أما بالنسبة لإدعاء التسامح الديني فنقول أن العلمانية هي العدوة الأولى للدين ، فما هو التسامح إن التسامح الديني موجود على الطريقة العلمانية وهو أن تنفصل العلمانية عن الدولة والسياسة والحياة وتبقى سجينة في مكاتب ومباني كما فعلت مع الدين فهي لم تحمه بل سجنته ، فالعلمانية لم تكن أبداً موضوعية أو محايدة في مدح نفسها أو في نقد خصومها فكأن حضارات البشر وعقولهم وكتبهم وما حققوه من تقدم فكري ومادي في كل تاريخهم هو فقط أساطير وخزعبلات وصفحات سوداء ، قال الدكتور عبد الحليم عويس " وفي تعميم شديد تذهب رواية أخرى إلى أن العلم ظاهرة متأخرة في حياة البشرية ، وأن البشرية عاشت قبل ذلك عشرات الألوف من السنين دون أن يتكشف نشاطها عن تلك الظاهرة التي يطلق عليها : اسم العلم ، أن هذه الجرأة في الحكم الظالم على مراحل تاريخية طويلة وحضارات مندثرة هي بذاتها ليست من العلم في شيء " (1) ولو قرأت البشرية ما كتبه الإمام ابن القيم أو الإمام الغزالي قبل مئات السنين لتعجبت من ثقافتهم وعلمهم وذكائهم وتنوع كتبهم ، وهما وبلا مبالغة أرقى فكرياً من كل فلاسفة ومفكري العلمانية مجتمعين ، ولكن المشكلة أن كثيراً من الناس لا تقرأ ولهذا خدعتهم العلمانية فمن من الناس بحث في الأصول العلمية للعلمانية ؟ ومن من الناس يعرف العلاقة بين العقل والحقائق الفكرية ؟ ومن من الناس درس اتهامات العلمانية للأديان وتعمق فيها وسأل عن أدلة تثبتها ؟ أو درس ردود المتهمين ودفاعهم ؟ أو درس التاريخ بموضوعية ومن مصادر أمينة ؟ .... الخ

5- الدفاع عن المظلومين والفقراء : قال الشـيخ عبد الرحمن عبد الخالق " تبنت الشيوعية الدفاع عن المظلومين والفقراء وهذه قضية عادلة وإنسـانية في ذاتها ولذلك تبنى هـؤلاء الفقراء والمظلمون وهم أغلبية الناس دائماً هذه العقيدة الجديدة والدين الجديد، لأنه يدافع عن مصالحهم ويتبنى قضاياهم وبالطبع أخذ هذا الدين بفلسفته العقائدية وليس بفكره الاقتصادي فقط "(2) وقال الدكتور مصطفى محمود : " حينما بدأت أكتب في الخمسينات كانت


الماركسية هي موضة الشباب الثائر في ذلك الوقت ... وكنا نقرأ منشوراتها في نهم فتحرك مثالياتنا بما تعد به من فردوس وعدالة ورخاء وغذاء وكساء للعامل والفلاح ومحاربة الإقطاع والاستغلال وتحرير للجماهير الكادحة "(1) وقال " ويذكرني ما يحدث برأي للدكتور والمفكر المغربي المهدي بن عبود بأن الماركسية ليست فكراً ولا فلسفة وإنما هي طبع وخُلق وغل مكبوت لنفوس موتورة تطلب الثأر ولا ترتاح إلا للقتل والتنكيل والاعتقال والتسلط ، وهي تجد في الأيدلوجية الماركسية أفضل ذريعة وأحسن مبرر تتستر به " وقال " ثم نكتشف في النهاية أننا لا نتعامل مع عقول وإنما نتعامل مع طباع ورغبات وشهوات مجردة عن المنطق "(2) فأحد أسباب انتشار الشيوعية العلمانية هو استغلالها للظلم الرأسمالي العلماني ، وتشجيع الناس على الانتقام والثأر ، فالنجاح ليس نجاحاً علمياً فكرياً للنظرية الشيوعية العلمانية بل هو نجاح لشعارات رفعتها مثل العدل وإنصاف العمال والفقراء وتحطيم الإقطاعيين ، فهي أخرجتهم من ظلم لتوقعهم في ظلم أفدح وأشد ، وتمنعهم حتى من الخروج من الدول الشيوعية .

6- القوة والمال : استفادت العلمانية الرأسمالية كثيراً من قوة العلم التكنولوجي الغربي مما جعل الناس يظنون أنه والعلمانية وجهان لعملة واحدة ، فالناس تريد التكنولوجيا والغنى والرفاهية والقوة العسكرية ولا تريد أن ترى إلا هذا الجانب ، وهو الجانب الأهم عندها كما أن العلمانية الغربية نجحت فكرياً لدرجة كبيرة في قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهذا ساهم في انتشارها ولكن الناس لم ينتبهوا إلى ضياعها وجهلها العقائدي والاجتماعي، والعلمانية الغربية أرقى من غيرها من العلمانيات وهي أرقى من الانحرافات والأساطير والجمود والتعصب المنسوب للأديان السماوية ولكن الإسلام أرقى فكرياً منها بكثير ، بل لا مجال للمقارنة ، فارتباط مصالح البعض في الدول النامية بالعلمانية الأمريكية سواء مصالح سياسية أو مالية أو عسكرية جعل هؤلاء أفراداً أو حكومات يتقربون لأمريكا وهي قوة عظمى وذكية فالقضية هي مصالح مع دول عظمى ، وليس نجاحاً للعلمانية ، فالقوة والغنى تجذب الكثيرين ، وقد وجدنا في الدول النامية من تعاون وتحالف مع روسيا الشيوعية ليس


 

ــــــــــــــــــــ

(1) ص 5 لماذا رفضت الماركسية ؟ د. مصطفى محمود

(2) ص 86 لماذا رضت الماركسية ؟ د. مصطفى محمود

 

 

 

 

بسبب اقتناعه بها بل لأن مصالحه معها ، وخصومه وأعداءه مع أمريكا وعندما انهار الاتحاد السوفيتي تغير هؤلاء أو أغلبهم ، وماتت الشيوعية واليسارية والاشتراكية وحقوق العمال ، أما اليوم فالقوة والانتشار هو لأمريكا القوية والغنية لا للعلمانية الضعيفة والفقيرة فكرياً .

 

7- غياب الفكر الإسلامي الصحيح : لا شك أن أحد أهم عوامل انتشار العلمانية هو غياب الفكر الإسلامي الصحيح عن الساحة ، فالإسلام كقرآن وأحاديث موجود ولكن علماء المسلمين الواعين كانوا قلة وخاصة خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين ، كما أن فقر المسلمين واختلافهم وجهلهم واستعمار أغلب دولهم أضعف كثيراً من قدرتهم على بيان جهل العلمانية ، خاصة عندما نعلم أن أغلب دول المسلمين كانت فقيرة وتفتقد الاستقرار السياسي وتعيش في عزلة كبيرة وخاصة عن العالم الغربي ، فصوت الحق كان ضعيفاً لأسباب مختلفة ، كما أن كثيراً من الكتب الإسلامية التي انتقدت العلمانية بصورة جزئية موجهة أساساً للعلمانيين العرب ومركزة على التعارض بين الإسلام والعلمانية ، أو كانت غير منصفة في نقدها للعلمانية بمعنى ترفض حتى ما يتم تحقيقه من نجاح فكري جزئي في الغرب وخاصة في الديمقراطية والحرية ولعل أهم العوامل هو ضعف قدرة المسلمين على بيان عظمة الإسلام ورقية الفكري وترجمة هذا الرقي في كتب وأفراد وأحزاب ودول فمن المعروف أن التزام كثير من المسلمين بدينهم ضعيف ، كما أن هناك متطرفين وجامدين يشوهون الإسلام ويعرضونه بطريقة منفرة غير صحيحة ، هذا مع صدقهم وإخلاصهم ، ووجدنا في بعض الشباب المسلمين ممن درسوا في الغرب نماذج سيئة خلقياً ، وعاجزة فكرياً عن فهم الإسلام وشرحه بل الأغلبية الساحقة منهم ذهبت وهي جاهلة بإسلامها لدرجة كبيرة لا تعرف من الإسلام إلا أجزاء بسيطة ، فالعلمانية كانت تعدو في سباق ليس فيه غيرها ، ولهذا كانت تفوز به والضعف ليس في الفكر الإسلامي بل في المسلمين ، ومن الواضح أن هناك قفزات في وعي المسلمين وفي قدرتهم على بيان فكرهم في العقدين الأخيرين ، وفي بيان سلبيات العلمانية وأخطائها مما جعلها منبوذة في العالم الإسلامي ، وحالات شاذة هي من تعلن في العالم العربي والإسلامي اقتناعها بالعلمانية .

 

 

 

 

 

الإسلام والعقــل

 

    الاختلاف بين العلمانية والإسلام أن العلمانية تقول إن العقل لوحده قادر على الوصول، إلى الحقائق الفكرية في حين أن الإسلام يقول إن العقل سيوصلنا للحقائق الفكرية الكبرى أي وجود الله وصدق الأنبياء، ثم بعد ذلك نعتمد في معرفة الحقائق الفكرية على الكتب السماوية أي هي منبع العلم الفكري. ولكن العلمانية اتهمت الإسلام بأنه ضد العقل، واتهمته أنه ضد الحقائق الفكرية، وهذا خطأ أيضا، واليكم الأدلة:

الإسلام والعقل والعلم: قال الدكتور عبد الحليم عويس "لقد حشد القرآن ما يقرب من خمسين آية في تحريك العقل البشري وانتشاله من وهدة التقليد والتبلد، كما حشد عشرات الآيات في إيقاظ الحواس من سمع وبصر ولمس، وعشرات أخرى في إيقاظ التفكير والتفقه فضلا عن آيات طلب البرهان والحجة والجدال بالتي هي أحسن . . بل أن القرآن أضاف حقيقة في غاية الأهمية هي أنه أطلق كلمة العلم على الدين قال تعالى"ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذن لمن الظالمين" سورة البقرة (145) وقال تعالى "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم سورة آل عمران (61) أي: الدين " ([1])  ونقول الدين "الإسلام"هو العلم الفكري، إما العلمانية فهي الجهل الفكري قال تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" سورة الزمر (9) وقال تعالى "وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" سورة النحل (12) وقال تعالى "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" سورة الملك (10) وقال تعالى "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" سورة آل عمران (190) وقال تعالى "يُؤتي الحكمة من يشاء ومن يُؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وما يذكر إلا أولو الألباب" سورة البقرة (269)، فالقرآن هو منبع العلم الفكري وكل ما فيه حقـائق فكرية فالإنسان العالم هو الذي عرف الله سبحـانه وتعالى، وان صفـاته هي التي جـاءت فـي القرآن والسنة، وعرف قصص الأنبياء وسنن اله تعالى في الكون وعرف شريعـته وكيفـية تطبيقها، والتزم بها، ومن ينفي وجود الله أو يُشكك في شريعته فهو


الجاهل لأن عقيدته نابعة من الظن والشبهات أو الهوى والعناد، وكان المسلمون ولازالوا يطلقون كلمة العلم وأهل العلم على القرآن والسنة، وعلماء الإسلام، أما أهل العلمانية فاعتبروا العلماء هم فقط أهل العلم المادي أما في الجانب الفكري فلبس عندهم علم لان أرائهم متناقضة، ومع هذا عندهم مفكرون "علماء"، وهذا تناقض قال الدكتور عبد الحليم عويس " وحسبنا أن نشير إلى أن كلمة"علم" بتصريفاتها المختلفة قد وردت في القرآن أكثر من سبعمائة وخمسين آية"  (1)  أما بالنسبة للعلم المادي من كيمياء وطب وزراعة وصناعة فقد كان موقف الإسلام مشجعا له قال الرسول صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" ودعا الإسلام إلى العمل وإعداد ما أستطعنا من قوة في الحرب وغيرها، واهتم المسلمون بعلوم الفلك وصناعة السفن وصناعة الأقمشة وعلوم الزراعة والطب ولم يوجد في تاريخنا أبداً أي اضطهاد لعلماء العلوم المادية، ونجح المسلمون في كثير من فروع العلم المادي، وظهر منهم علماء بارزون قال الدكتور عبد الحليم عويس "وقد ظلت آثار هؤلاء العلماء المسلمين هي الآثار العلمية المعتمدة خلال العصر الوسيط كله ، ومن هؤلاء العلماء: ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وجابر ابن حيان مكتشف الصودا الكاوية وحامض الكبريتيك المخفف بعد تقطيره، والرازي مكتشف زيت الزاج وعدة أمراض ، وابن الهيثم مكتشف علم البصريات والفرغاني واضع علم المثلثات" (2).فالمسلم وصل إلى الحقائق الفكرية من خلال العقل والأدلة العقلية القوية التي أثبتت وجود الله سبحانه وتعالى وصدق الأنبياء وبنى أفكاره وعقـائده بناء على القـرآن والسنة في حين أن العلماني هو من يرفض حكم العـقل والأدلة العقـلية، ويبني عقـائده وأفكار على  آراء شخصية له وللفلاسفة المتناقضـين فكريا ومن خـلال التصويت والحلول الوسط والمصالح الشخصية أو الجماعية والأهواء والشهوات . . الخ وما نقـوله ليس اتهـاما بـل هو اعتراف من العلمانيين بان فكرهـم يعتمد على الرأي وليـس على الحقـيقة. والرأي قد يصيب وقد يخطئ، أما الحقيقة فهي العلم، والرأي عنـدهم هو منبع أسـسهم الفكرية في حين ان الرأي والاجتهاد عندنا ضمن حدود معينة، أما الحقائق الفكرية


 

فهي ثابتة ولا تتغير لأنها حقائق وعلم. كما أن الحقائق الفكرية الإسلامية ترشد استخدام الرأي، وتجعله يصيب أكثر مما يخطئ، قال الدكتور عبد الحليم عويس "وليس ما يشرعه الله إلا سياجا يحوط مسيرة العقل من الحيرة والزيغ، وليس – كما يتصور البعض ... عقبات في طريق مسيرة العقل"(1) فالاقتناع بالإسلام ليس مبنياً على إيمان أعمى كما يقول العلمانيون، بل على عقل متفتح واع اقتنع بأدلة وجود الله وهو أمر مقتنع به اغلب العلمانيين أيضا واقتنع بصدق الأنبياء بناء على أدلة عقلية حيث رأى معجزاتهم في القران الكريم وفي إحياء الموتى وفي عصى موسى وفي حكمة وصواب ما يدعون اليه، وفي رقي أخلاق الأنبياء، وفي عظمة البناء الفكري الإسلامي وفي اعتداله وواقعيته وشموليته. وباختصار المسلمون اتبعوا العقل الصحيح ، والعلمانيون اتبعوا العقل الضائع ، ويتميز المسلمون في القضايا الاجتهادية بالحذر من الكلام بها خوف الخطأ مع إن عقولهم لديها القرآن والسنة (فقد سُئل الإمام مالك ابن أنس رضي الله عنه عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا ادري، وسُئل "أبو يوسف" عن شيء فقال "لا أدري" فقيل له تأكل من بيت المال كل يوم كذا وكذا وتقول لا ادري : فقال:"آكل منه بقدر علمي ، ولو أكلت بقدر جهلي ما كفاني ما في الدنيا جميعا"(2) أما العلمانيون فإذا سألتهم مئة سؤال فكري فاغلبهم سيجيبون عليها لان العلمانية فتحت أبواب الفكر والعلوم الفكرية لكل من له لسان وقلم، فعلماء الإسلام كلامهم أقل من علمهم والعلمانيون كلامهم أكثر بكثير من علمهم هذا إذا كان لبعضهم علم.

 

2- ثقافة المسلمين: تتهم العلمانية الإسلام والمسلمون بالجمود وعدم الثقافة وعدم التعليم، ونقول إن الجمود حدث في القرون الأخيرة لأسباب مختلفة منها الفقر وعدم الاستقرار السياسي والتأثر باقتناعات معينة جاءت كرد فعل لأحداث فكرية قديمة منها تعطيل باب الاجتهاد، وأما المسار الفكري والثقافي الأصلي والمعروف فهو العلم والثقافة والانفتاح قال الأستاذ تقي الدين النبهاني "نعم إن الإسلام لم ينه عن الدراسة الفكرية بل أباحها، ولم ينه عن أخذ الأفكار بل أباح أخذها، ولكن الإسلام قد جعل العقيدة الإسلامية قاعدة الأفكار،


 

 

ــــــــــــــــــ

(1) ص 12 المصدر السابق    

(2) ص 122 ، 123 غرائب الأخبار الأستاذ أحمد عيسى عاشور

 

ومقياساً لأخذها أو رفضها، فأنه لا يجُيز أخذ فكر يتناقض مع هذه القاعدة"(1)  قال الشيخ عبد الحليم محمود " درس الكندي الفلسفة اليونانية والفلسفة الفارسية والفلسفة الهندية ودرس الهندسة والطب والجغرافيا والموسيقى "(2) وكتب الكندي أكثر من مئتي كتاب ورسالة أما الفارابي فله أكثر من مائة كتاب ورسالة في الفلسفة وغيرها ولأبي موسى الأشعري أكثر من ستين مؤلفاً منها كتاب الفصول ، وكتاب " إيضاح البرهان " وكتاب " اللمع " وكتاب " التبيين عن أصول الدين " وكتاب " الشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل " وكتاب " القياس " وكتاب " الجهاد " ... الخ وألف الإمام الغزالي قبل أكثر من ألف عام كتاب مقاصد الفلاسفة وكتاب تهافت الفلاسفة وكتاب المنقذ من الضلال وكتاب الاقتصاد في الاعتقاد وكتاب " إحياء علوم الدين " ... الخ وفي هذه الكتب مناقشة للفلاسفة والفرق الإسلامية وتكلم في العقائد والأخلاق فكيف يقال أن العقل الإسلامي تعطل منذ القرن الأول أو الثاني الهجري وهم كانوا يناقشون الفكر العالمي كله بمدارسه العلمانية والدينية وفهموه بطريقة صحيحة ويصلحون له أخطاءه قال ابن القيم " وأرباب هذه المذاهب مع كل طائفة منهم خطأ وصواب وبعضهم أقرب إلى الصواب وبعضهم أقرب إلى الخطأ ، وأدلة كل منهم وحججه ، إنما تنهض على بطلان خطأ الطائفة الأخرى ، لا على إبطال ما أصابوا فيه ... وأهل السنة وحزب الرسول ، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء .. بل هم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه ، وهم مع أولئك فيـما أصـابوا فيـه ، فكـل حق مع طائفة ، فهم يوافقونهم فيه ، وهم براء من باطـلهم .. فمذهبـهم جمع حـق الطوائف بعضه على بعض ، والقول به ، ونصره ، ونفي باطـل كل طائفـة وكسره "(3) وما ذكرناه من أسماء لعلماء الإسلام هو فقـط عينة قليلة ، فالعالم عرف منذ قديم الزمان الحوارات والكتب والمدارس والأفكار والعقائد والأدلة ولكن العلمـانية تظن أن العقل البـشري لم يعرف ذلك قال الشيخ عبد الحليم محمود " ومن المعـروف أن الإلهـيات والأخـلاق ( الكتـب اليونانية القديمة ) لم يترجما إلا في أيام المأمون وفي هذه الفـترة كان هنـاك معـتزلة وصوفية ونصيون وملحدون يتصارعون فيما بينهم تصارعاً لا هوادة فيه "(4) وقال


ـــــــــــــــــــ

(1) ص 143 التفكير الأستاذ : تقي الدين النبهاني

(2) ص 210 التفكير الفلسفي في الإسلام الشيخ عبد الحليم محمود

(3) ص 127 بنيات الحل الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي

(4) ص 183 التفكير الفلسفي في الإسلام الشيخ عبد الحليم محمود

 

 

 

" ويرى الكندي وابن سينا وغيرهما موقف الإسلاميين من الفلسفات القديمة : نظروا فيها فانتقدوا منها الباطل ، واعتنقوا الحق ، وساهموا في تكملة صرح الحق ، على قدر طاقتهم "(1) وقال الدكتور إبراهيم مدكور " وقدس المعتزلة أيضاً حرية الرأي ، قدسوها لدى معارضيهم كما قدسوها فيما بينهم ، فاستمعوا من خصومهم إلى أغرب الآراء وأشنعها ، وحللوها وأثبتوا بطلانها ، وأفسحوا مجال البحث فيما بينهم ، ولم يضرهم أن يعارض التلميذ أستاذه "(2) وقال " الأشاعرة مدرسة موفقة ، حاولت أن تقف موقفاً وسطاً بين طرفين ، بين النقل والعقل ، بين السلف والمعتزلة"(3) ومن الشبهات الغريبة لبعض العلمانيين العرب هو قولهم بأنهم معتزلة في حين المعتزلة لا يؤمنون بفصل الدين عن الدولة ، ويلتزمون بالنصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة وبالصلاة وكثيراً ما نلاحظ مثقفين عرب يستشهدون بما قال مفكرون وسياسيون غربيون ، ونحن لسنا ضد ذلك ، فالحكمة ضالة المؤمن ولكننا نستغرب أن يجهل هؤلاء أو كثير منهم ما في ثقافة المسلمين من آراء وأفكار واجتهادات وطرائف وأشعار ، ولو قارنا الشعر العربي من عنترة بن شداد ليومنا هذا لوجدناه أرقى وأغزر من الشعر الإنجليزي أو الفرنسي ووجدنا أن لغتنا العربية أجمل وأعرق وأشمل ولكنها وللأسف الهزيمة النفسية ، والتقليد الأعمى ، ونضيف إلى ثقافة المسلمين أن الإسلام لم يغلق أبواب الإبداع الفكري أو الأدبي أو الرياضي أو السينمائي فالقيود الشرعية هي ضد الخرافات والسخرية والأمور التافهة والإثارة الجنسية والألفاظ السوقية والإلحاد والزندقة ... الخ وهي مع القصة الهادفة ، ومع المسرحية المحترمة ، ومع الفلم المفيد ومع الشعر الجميل ، ولم نجد من علماء المسلمين من انتقد أي عمل فكري أو أدبي أو مسرحي مفيد أو ترفيهاً برئياً .

3- الاجتهاد العقلي : لا ينتهي دور العقل بأن يوصلنا إلى أن القرآن والسنة هما مصدر الحقائق الفكرية، بل لا زال مهما وأساسياً في فهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وفي التأمل في الكون والكائنات والحياة ، وفي معرفة عقائد ونظريات الأمم والشعوب وفي معرفة حقائق الواقع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وأيضاً في تحقيق التقدم الزراعي والصناعي والطبي


ــــــــــــــــــــ

(1) ص 196 المصدر السابق

(2) ، (3) ص 38 ، ص 46 في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه د. إبراهيم مدكور

 

 

 

... الخ والمجالات التي ذكرتها في العلم الفكري تحتاج دراسة وبحثاً وتجميع معلومات ونقاشاً فالقرآن والسنة يُعطياننا الحقائق الرئيسة والنور ، والعقل يعطينا العين ، قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد : " على " المؤمن " أن يعيش حياته محُلقاً في الكون من حوله بجناحيه ، أحدهما جناح العقل والآخر جناح النقل ( أي النصوص الدينية ) "(1) قال عليه السلام " من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " فقمة التقدم الفكري موجودة في الإسلام لأنها تشجع البحث الحاد ، والدراسة ، و" الاجتهاد " إلى درجة أن من يخطئ بعد ذلك الجهد له أجر ، وقال r لمعاذ بن جبل " بم تحكم ؟ " قال " بكتاب الله " فقال " إن لم تجد ؟ " قال " بسنة رسول الله " فقال " إن لم تجد ؟ " فقال " أجتهد رأيي " فقال عليه السلام " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله "(2) وقال ابن القيم " وقد نهى النبي r أميره بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله ، وقال " فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ؟ لكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك " وقال ابن القيم عن الأمور الاجتهادية واختلافها " ولا يُكفر ولا يُفسق من خالفها ، فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله ، بل قالوا اجتهدنا برأينا فمن شاء قبله ومن شاء لم يقبله ، ولم يلزموا به الأمة " وقال أبو حنيفة " هذا رأيي ، فمن جاءني بخير منه قبلناه "(3) وقال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " إن النصوص مهما تعددت – فهي محدودة بالقياس إلى المشاكل المتجددة .. والسوابق الثابتة من عهد النبوة وعهد صدر الإسلام مهما تعددت كذلك فهي محدودة العدد بالقياس إلى ما يطرأ كل يوم من أوضاع جديدة ومشاكل لم تكن تواجه الناس العصر الأول "(4) وقال " ليعلم هؤلاء كذلك أن التجربة الإنسانية لا تُرفض لمجرد أنها تمت في أرض غير إسلامية أو تحت راية غير إسلامية وأن هذا لا يكفي وحده لرميها رمية مسبقة قاطعة بأنها تجربة " جاهلية " فالحق هو الحق ، والحكمة ضالة المؤمن ، والحضارات قيم ومبادئ من ناحية ونُظم وأدوات لخدمة هذه القيم والمبادئ ، من ناحية أخرى "(5) ومعنى هذا أن الاجتهاد


ــــــــــــــــــــــ

(1) ص 11 حوار لا مواجهة د. أحمد كمال أبو المجد

(2) ص 88 القسطاس المستقيم الإمام أبو حامد الغزالي

(3) ص 39 ، ص 40 تهافت العالمانية دكتور صلاح الصاوي

(4) ص 89 حوار لا مواجهة د. أحمد كمال أبو المجد

(5) ص 46 المصدر السابق

 

وهو ( النص + العقل ) له مكانة كبيرة في الإسلام ، وأن تطبيق النصوص القرآنية والنبوية لم يكن أبداً تطبيقاً أعمى، فالعقل له دور في فهمها ، وفي فهم الواقع ، وفي ترتيب الأولويات ، وثبات النصوص القرآنية هو عبارة عن حقائق فكرية لا تتغير فصفات الله سبحانه وتعالى وأسمائه لا تتغير ، وطبائع النفس البشرية من حب وكره وغضب ورضى ... الخ لا تتغير ، والمبادئ الرئيسة في السياسة والاقتصاد من عدل وشورى ومساواة لا تتغير، وتحريم الربا والغش أمور لا تتغير وهناك تفصيل أكثر في الحقائق الاجتماعية لأنها لا تتغير، وهناك مرونة للقضايا السياسية والاقتصادية حتى تناسب واقع كل مكان وزمان ، وهنا يكون للاجتهاد دور كبير في اتخاذ قرارات البرامج السياسية ، وتوزيع الميزانيات وتحديد الأهداف ، والاستراتيجيات والخطط ، وفي اختيار تفاصيل النظام السياسي والاقتصادي الذي يتناسب مع المصلحة الوطنية ، قال الدكتور يوسف القرضاوي " وهكذا كان في الفقه الإسلامي منطقة مغلقة لا يدخلها التغيير أو التطوير ، وهي منطقة ( الأحكام القطعية ) وهذه هي التي تحفظ على الأمة وحدتها الفكرية والسلوكية ... ومنطقة مفتوحة هي منطقة ( الأحكام الظنية ) ، ثبوتاً أو دلالة ، وهي معظم أحكام الفقه ، وهي مجال الاجتهاد ، ومعترك الأفهام ، ومنها ينطلق الفقه إلى الحركة والتطور والتجديد " (1) وهنا ننبه إلى قضية هامة وهي أن مساحة الاجتهاد كبيرة في الفكر الإسلامي ، ولكن لا يسمح بالدخول لها من غير دراسة وفهم للآيات والأحاديث واللغة العربية وفهم الواقع وآراء الآخرين وبذل الجهد في الوصول إلى الرأي الصحيح أي الحقيقة مع أن ما يتم الوصول إليه يُعتبر اجتهاداً وليس حقيقة ملزمة ومن هنا يتضح خطأ اتهام الإسلام بأنه دين يعتمد كلياً على النص القرآني ، وأن لا مكان فيه للعقل ، ومكانة العقل في الإسلام تم الاختلاف في درجة فهمها بين العلماء ، وبين الفرق الإسلامية ، فهناك من قللوها لدرجة كبيرة كالخوارج وهناك من زادوها لدرجة كبيرة كالمعتزلة ، وهناك من اعتدلوا كأهل السنة والجماعة على اختلاف آرائهم ، أما بالنسبة للتطبيق الحالي في واقع المسلمين فإننا نرى أن هذا التطبيق ليس صحيحاً في بعض جوانبه ، وبقي متأثراً بالجمود الفكري الذي عاشه المسلمون ، أي لا ينسجم مع الإسلام قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " وإذا كانت آفة الدنيا من حولنا أن


 الأرض قد أخذت زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها ، وتصوروا أن " العقل " يستطيع – بغير النقل – أن يهدي إلى الرشد فإن آفتنا نحن المسلمين – أننا عطلنا العقول ، وركنت عامتنا وخاصتنا إلى المنقول "(1) وهناك اتهام يوجهه بعض العلمانيين وهو اتهام المسلمين بأن اجتهاداتهم كثيرة ومتناقضة ، وحالهم حال العلمانيين ، ونقول أولاً اتهاماتكم لا تنتهي فمرة نحن نتبع النص ولا نختلف ، ومرة نحن نختلف حول كل شيء والجواب هو أننا نتكلم عن أهل السنة والجماعة وليس عن كل ما في التاريخ الإسلامي من آراء ونقول إن أهل السنة والجماعة متفقون على كل ما في القرآن والأحاديث الصحيحة وهذه مئات الحقائق الفكرية أو أكثر في حين أن العلمانيين لم يتفقوا على حقيقة فكرية واحدة كما أن اختلاف أهل السنة والجماعة هو في الأمور الاجتهادية ، وهذا لا يخالف الإسلام ولا يتعارض مع حقائق الكتاب والسنة أي هو اختلاف صحي يتم حسمه إذا كانت هناك حاجة من خلال مجالس العلماء أو مجالس السياسيين المسلمين أو الاقتصاديين أو غيرهم ، أي حسب نوعية الاجتهاد ، أما التناقض العلماني فهو في الأسس الفكرية ، وفي الأمور الاجتهادية ، كما أن الالتزام بالأسس الفكرية الإسلامية يمنع الاختلاف الاجتهادي من التحول إلى اختلاف خطر يفرق الناس ، ولنضع الأمر بصورة أخرى الحقائق الكبرى ليس بها اختلاف بين المسلمين ، أما الفرعيات والتفاصيل فمن الطبيعي الاختلاف حولها ، ومن الاتهامات التي يثيرها العلمانيون هو القول بأن وجود كتب سماوية يعيق العقل من الانطلاق والتفكير ، ونقول لا يوجد تعارض ، فمن يدرس الكيمياء أو الهندسة بحاجة إلى أن يقرأ كتب مقررة حتى يتعلم حقائق العلم المادي ، ولم يقل أحد أن وجود كتب كيميائية يعيق الكيميائي ويعطل عقله ويمنعه  من التفكير والبحث والفهم ، بل الكتب الصحيحة تنير له طريقه ، وتجعله قادراً على الإبداع والاستفادة وتحقيق المصالح المرجوة ، فالكتب السماوية هي النور الذي تحتاجه لترى طريقك في ظلمات الجهل ، وإذا وجد هذا النور تستطيع أن تبصر بعقلك وتسير في حياتك الشخصية والعقائدية والفكرية بخطوات ثابتة قوية

 

4- فقه الواقع: فقه الواقع عنصر من عناصر الاجتهاد وأحببت أن أفصله لأبين أهميته ودور


 

ــــــــــــــــــ

(1) ص 208 حوار لا مواجهة د. أحمد كمال أبو المجد

 

العقل به، قال ابن القيم رحمه الله " فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله " (1) وقال " من شروط المفتي معرفة الناس ، وإلا راج عليه المكر والخداع والاحتيال " (2) وقال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " وحين يمارس الاجتهاد ، وتعرض على المشرع والفقيه ورجل السياسة حلول متعددة تقبلها الشريعة الإسلامية وتتسع لها ، فإن الاختيار حينئذ لابد أن يحكمه فهم الواقع الاجتماعي وتحليل حركته ، لذلك وجب أن يستقر في ذهن دعاة الإسلام والمنادين بتطبيق الشريعة أن الجهد الفقهي الخالص لابد أن يتممه عمل اجتماعي واسع ، حتى تأتي ثمرته رحمة حقيقية للناس ، ومخرجا لهم من الضيق ، ورفعاً للحرج " (3) ونقصد بقراءة الواقع وفقه الواقع معرفة حقائقه العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فما هي عقائد هؤلاء القوم حسب التعامل معهم لا حسب الكتب ؟ وما هي حقيقة الصراع الفكري والسياسي في منطقتنا وعالمنا ؟ وما هي أهداف هذه الجماعة أو ذاك الحزب ؟ وما هي سيرتهم الحقيقية بعيداً عن التشويه مدحاً أو ذماً ؟ وهذا ينطبق على الحكومات والأفراد أيضاً ، وإذا أخذنا الواقع السياسي فمن الضروري أن نفهم المعنى الصحيح للديمقراطية وإيجابيات وسلبيات الانتخابات والقوى السياسية المؤثرة من طبقية وعرقية وفكرية فنجد من علماء المسلمين من رفض الديمقراطية وهو لم يفهمها بعمق ونجد منهم من تكلم بالسياسة وهو لم يقرأ كتاباً واحداً فيها والمفروض أن يتعلمها كأي علم آخر مثل علم المحاسبة أو العقيدة ، فالاجتهاد الإسلامي السياسي لا يكون صحيحاً إن لم يكن هناك علم ودراسة لعلم السياسة وواقعها ونظرياتها ، هذا طبعاً مع معرفة الفكر السياسي الإسلامي وحقائقه الفكرية في القـرآن والسنة ، فمـن الخـطأ أن نجد متخصصاًَ في العلوم الشرعـية الإسلامية يتكلم في قضـايا سياسـية وعلاقـته بالسياسة محدودة لا تزيد عن متابعة الجرائد والأخبار ، ولا يعرف ما فيها من صدق وكذب ، وما نقوله ليس شيئاً جديداً بل فعله الرسول r في تعامله مع النـاس والقبـائل والـدول ، فأحياناً يأخذ قرار بالسلام ، وأحياناً بالحرب وأحياناً يسامح ، وأحياناًَ يعاقب ، وهذا يكون من ضمن اجتهاد ينطلق من معرفة النصوص القرآنية ومن معرفة الواقـع وما هو أفضل قرار يحقق المصلحة للمسلمين ، أما الاجتهاد من دون معرفة الواقـع فقد جعل بعض العلماء يخطئون في فتاويهم واجتهادتهم ، وكل جوانب الواقع بحاجة إلى عقل يقرأ


ويعايش ويسمع ويفكر ويحلل ويستنتج وبدون ذلك لا يكون هناك اجتهاد أصلاً ونصيب المسلمين سيكون من الحقائق الاجتهادية محدوداً أو لا شيء ، والإسلام في قضايا لا يقبل المساومة ، وفي قضايا أخرى يقبلها بمعنى أنه يصر على مبادئه ولكن يقبل ما هو متاح وممكن إذا كان أفضل الخيارات المطروحة حتى لو كانت جميعاً بعيدة عما يريد فالإصلاح ، خطوات كثيرة ، ولابد أن يسير فيها المسلمون، وما ينطبق على الجانب السياسي ينطبق على الجانب العقائدي والاجتماعي والاقتصادي ، ونذكر هنا أن الاجتهاد ليس قراراً للمتخصصين فقط في العلوم الإسلامية بل هو جهد جماعي حسب نوع الاجتهاد ، أي يتطلب علماء الشريعة وعلماء السياسة ومشاورة المختصين من قانونيين واجتماعيين وتجار ومدرسين ونواب .. الخ كما أن وجود مجالس علمية أصبح عملية ضرورية لترشيد الاجتهاد ، والرأي الجماعي أصوب غالباً من الرأي الفردي ، ودور علماء الشريعة هو بيان النصوص القرآنية والأحاديث وتفسيرها بصورة واضحة وترشيد ، حركة واجتهادات الآخرين بوضع الضوابط الإسلامية لها قال خير الدين التونسي 1825-1890 : " أهم العوائق في تقدم المسلمين وجود طائفتين متعاندتين ، رجال الدين يعلمون الشريعة ولا يعلمون الدنيا ويريدون أن يطبقوا أحكام الدين بحذافيرها بقطع النظر عما جد واستحدث ، ورجال السياسة يعرفون الدنيا ولا يعرفون الدين ، ويريدون أن يطبقوا النظم الأدبية بحذافيرها من غير رجوع إلى الدين ، فنقول للأولين : اعرفوا الدنيا ، ونقول للآخرين اعرفوا الدين .. ، فهناك أصول الدين يجب أن تراعى ، وهناك أمور لم ينص عليها تقتضيها مصالح الأمة ، يجب أن تقاس بمقياس المنفعة والمضرة ، ويعمل فيها العقل " (1) ولنتذكر أن كثير من اختلافات المسلمين اليوم سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو شعوباً أو حكومات في " اجتهاداتهم " لم تأت من خطأ في فهم آية قرآنية أو حديث نبوي بل جاءت من خطأ في فهم الواقع السياسي أو العقائدي أو الاجتماعي أو الإداري وتبنى الآراء والاقتناعات بلا دراسة شاملة ومتعمقة ليس اجتهاداً بل جهلاً ففهم الواقع المحلي والعالمي بمختلف جوانبه له دور كبير في تحقيق الاتفاق والتعاون وصناعة الإصلاح.

5- العقل والنقل : من شبهات العلمانيين هو ظنهم إن الإسلام يقدم النقل على العقل أي إذا قال العقل شيئاً وقال النص القرآني شيئا آخر فالصواب للنص القرآني والخطأ للعقل وهذا شيء صحيح ، ولكن حقيقة هذه القضية هو أن النص القرآني أو الحديث النبوي هو صحيح بشهادة العقل لأن العقل أثبت وجود الله سبحانه وتعالى ، وصدق محمد r ، فكل ما في القرآن هو صحيح بشهادة العقل ، فكيف يأتي العقل ليختلف مع النص


 

القرآني أي العقل يعارض هنا ما أثبته هو بنفسه وما دام النص القرآني صحيح فإن العقل هو المخطئ في رأيه الجديد فالقرآن حقائق فكرية ، والعقل يقول هذا رأيي ، والحقيقة أصوب من الرأي ، وقد يكون هناك احتمال خطأ في تفسير النص القرآني ، أو في تفسير الحديث النبوي وليس في النص نفسه وعندما قال علماؤنا باتباع النقل على العقل فهذا شيء صحيح عقلياً ، وهو إذا تعمقنا فيه إتباع للعقل وليس رفضا له ولا يمكن أبداً أن تكون هناك حقيقة فكرية قرآنية أو حديثية تعارض حقيقة فكرية جديدة أو حقيقة من حقائق العلم المادي فالحقائق لا تتصادم أبداً ولا تتعارض وحقيقة التعارض هو بين نص ورأي لا نص وعقل فالاصوب أن نستخدم النص  والرأي أو الحقيقة والرأي لا النقل والعقل ومن النقاط الهامة في هذه القضية أن البعض يتحدث عنها كأن عندنا مشكلة فكرية في عشرات القضايا الفكرية وهذا خطأ فلا توجد أبداً أزمة بين النصوص القرآنية وعقولنا وإذا وجدت أحياناً فهي نادرة جداً أو ظن بأن هناك تعارض فهو وهم في العقول وليس تعارضاً حقيقياً وما أكثر ما يشغلنا العلمانيون باتهامات وظنون باطلة وأي قول يقوله الفلاسفة ويزعمون أنه يعارض النصوص القرآنية فنقول لهم إن آراءكم باعترافكم آراء وليس حقائق فإذا عارضت حقائق قرآنية فهي الخاطئة والأهم من ذلك أثبتوا أن آراءكم حقائق ثم تعالوا لتناقشونا والتعارض الموجود هو بين آرائكم بعضها مع بعض فحلوا هذه المشكلة واتفقوا على رأي واحد ولا نقول حقيقة واحدة وعندها قد يكون عندنا وقت لمناقشتكم قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " وقولنا الذي نردده في ذلك أن النقل رواية عن واهب العقل ... وأن صريح المعقول لا يمكن أن يناقض صحيح المنقول .... إذ لا يمكن لليقين أن يصادم اليقين ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " (1) وقال الإمام الغزالي " إن أهل السنة قد تحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول " (2) وقال " فالمُعرض عن العقل ، مكتفيا بنور القرآن ، مثاله – المتعرض لنور الشمس مغمضاً للأجفان ، فلا فرق بينه وبين العميان ، فالعقل مع الشرع نور على نور " (3) وقال ابن رشد " إنا معشر


المسلمين نعلم ،على القطع ، أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع فإن الحق لا يضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له ... أعني أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت  الرضيعة " (4)

 

وقال الإمام الغزالي " وإياكم أن تجعلوا المعقول أصلاً ، والمنقول تابعاً ورديفاً فإن ذلك شنيع مُنفر ، وقد أمركم الله تعالى بترك الشنيع والمجادلة بالأحسن ... فإياكم أن تخالفوا الأمر ، فتهلكوا وتُهلكوا وتضلوا وتُضلوا " (5) وقال " فإن قوماً اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، وجعلوا التعليمات النبوية هباء منثوراً ، وكل ذلك من فضول الجاهلين ودعواهم في نصرة الدين منصب العارفين قال تعالى " وإن كثيراً ليضُلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين " (6) سورة الأنعام 119

 

6- علم الكلام : أحد الأخطاء الفكرية التي وقع بها المسلمون من معتزلة وغيرهم هو أنهم حاولوا الرد على القضايا الفكرية التي أثارها الفلاسفة وأسئلتهم حول صفات الله سبحانه وتعالى والروح والخير والشر والحياة الآخرة وغير ذلك بالبحث عن الأدلة العقلية المباشرة ، أي استخدام الأسلوب العلماني من أدلة وآراء وأمثلة وجدل ، فأصبحوا يتكلمون بألفاظ فلسفية ، ويجاوبون على أسئلة لا معنى لها ولا أهمية ويدخلون في نقاش لا ينتهي مع أهل الإلحاد ، والفلاسفة والمفروض أن يتركز النقاش على قضيتين الأولى وجود الله سبحانه وتعالى والثانية صدق النبي r أما غير ذلك فإن الأجوبة على الأسئلة العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية موجودة في القرآن والسنة ، فالحقائق الفكرية موجودة واضحة في مختلف المجالات فما الفائدة من الأسئلة الفلسفية والجدل البيزنطي والافتراضات والظنون وما الفائدة من البحث عن دليل عقلي قوي لإثبات كل حقيقة فكرية إسلامية والرد على شبهات الفلاسفة فإذا لم يكونوا يؤمنون بالله ورسوله فلا فائدة من أن يقتنعوا بصواب جزئيات أخرى من الدين ، كما أن إتباع الطريقة العلمانية في استخدام الحقائق الإسلامية في الرد على الفلاسـفة وغيرهم تبعد الناس عن الحقائق الفكرية ، وتجعل النقاش والجدل هو السائد ، فعلم الكـلام هو أسلوب استخدمه بعض المسلمين في الرد على الفلاسفة من خلال استخدام


 

 

الأسلوب الفلسفي في النقاش ، ولهذا حذر منه علماء المسلمين الواعين ونهوا عنه ليس عجزاً عن النقاش بل معرفة بأن هذا أسلوب محدود الفائدة إن لم يكن مضراً وأنه يبعد الناس عن الحقائق ، ويبعد الناس عما يفيدهم ويجعلهم يضيعون في المتاهات التي ضاع بها الفلاسفة قال الإمام الشافعي رحمه الله " لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه فرارهم من الأسد " (1) وقال " حُكمي في أهل الكلام أن يضُربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويُقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام " (2) وقال " ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس " (3) وقال الإمام أحمد بن حنبل " لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا عن السنة " وقال الرازي " لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً "  (4)  وقال :

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا              سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وقال الغزالي عن علماء الكلام من المعتزلة وغيرهم " وكان أكثر خوضهم في استخراج مناقضات الخصوم ( الفلاسفة ) ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم ، وهذا قليل النفع في حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئاً أصلاً " (5) وقال الجويني " يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به " (6) فعلماؤنا عرفوا أن الجدل والطريقة العلمانية في التفكير هي مضيعة للوقت ، فالحقائق الفكرية موجودة في القرآن والسنة ، والمطلوب هو فهمها وتطبيقها في الحياة وليس النقاش والجدل حولها ، فالإسلام منهج تطبيقي عملي ، والعلمانية منهج فلسفي جدلي ، الإسلام يريد الحقائق وما يفيد الناس والعلمانية تريد الكلام والجدل حتى لو كان بلا فائدة ، ولا يوصل لحقائق كما يفعل فلاسفتها بل تعتبر الجدل وطرح


 

الأسئلة والتحدث حول أي موضوع ميزة بها في حين أن عدم رغبة أهل الإسلام في الكلام الكثير والأسئلة الفلسفية الضائعة ليس جهلاً منهم ولا ضعفا بل هو حكمة فهم وصلوا إلى الحقائق الفكرية ، ولديهم الأجوبة الصحيحة ، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عندما سُئل عن الفرقة الناجية : " إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم " فمن كان قريباً من حقائق القرآن والأحاديث النبوية فهو الأقرب للنجاة والحكمة والنور والبصيرة .

7- الإسلام دين العقل : قال محمد إقبال " إنه كان من الطبيعي أن يكون محمد عليه السلام هو آخر الأنبياء لأنه بعد أن أسلم البشرية إلى عقلها لم يعد هناك مجال لنبوة جديدة ورسالة جديدة " – إذا كان وجود الله سبحانه وتعالى هو حقيقة فكرية أثبتها العقل فإن واجبنا أن نعبد الله ونطيعه ونحبه ونخاف منه ونشكره على نعم كثيرة لا تحصى من صحة وهواء وماء وعقل وكون منظم وبحار وجبال وسهول ونجوم وشمس وأنعام وزراعة ... الخ وهو لا شك خالق وقوي وعزيز وعليم وحكيم وكريم ورحيم وشديد العقاب وقادر .... الخ فإذا أمرنا أن نعبده ونكفر بطواغيت الأرض من أصنام وآلهة مزورة وعقائد باطلة وخرافات فلسفية علمانية وآراء علمانية فإن التصرف العقلي الصحيح هو أن نفعل ما يأمرنا الله به ففي هذا مصالحنا والفوائد الكثيرة وفي عكسه ضررنا والخسائر الكبيرة ولنضرب مثلاً أن أي دولة صغيرة تخاف من الدول الكبيرة القوية ، وترجو منفعتها وتخاف من عصيان أوامرها ، وكذلك يفعل الإنسان مع الحكومة القوية ولو فعل العكس لا تُهم بالحماقة وتعريض النفس والوطن للأخطار ، فمن باب أولى أن نخاف من الله سبحانه وتعالى فهو أقوى بلا حدود من كل القوى العظمى ومن كل الخلق كما أن الله سبحانه وتعالى يملك على الحقيقة الخير والمصلحة والغنى ، ويملك حياتنا وصحتنا ورزقنا وأولادنا وأمننا وسعادتنا ، وأخبرنا القرآن الكريم بصفات الله وأسمائه تنسجم مع التأمل العقلي في هذا الكون ومخلوقاته فلا واسطة عند الله سبحانه وتعالى ، وهو يعلم كل شيء وهو قادر وليس عاجزاً عن شيء، وخلقنا لعبادته ، وهو غني عن عبادتنا وسيحاسبنا على أعمالنا وأقوالنا أما العلمانيون فيتجاهلون الخالق القوي الجبار، ويضعون أهدافاً للبشر تتعارض مع الأهداف التي خلقهم الله لها ومن البديهي عقلياً أن من خلق ( أو صنع ) شيئاً لمهمة فيجب أن يؤديها ، فالخالق هو الأعلم ، والعلمانيون يعلم منهم من يؤمن بوجود الله بذلك ومع هذا يضع أهدافاً دنيوية للإنسان ويقولون له أنت حر ، افعل ما تشاء ولا تهتم بالأديان السماوية ولا بما حدده الله لك من مهمات ، وإذا أطعتنا فأنت إنسان عالمي


 

وحضاري وعقلاني ، وحقيقة الأمر أنه جاهل ومتخلف لأنه يُصدق بشراً ضائعين ويرفض تصديق الله سبحانه وتعالى وأنبياءه الصادقين الواعين ، ولأنه إنسان يعبد ويطيع عقلاً ضائعاً ولا يطيع من خلق هذا العقل ، ويعبد المال ولا يعبد من يملك ثروات السموات والأرض ، ويجعل كل أمله في الصحة بيد الأطباء ولا يجعلها في من هو أقدر من الأطباء على التحكم بالصحة والحياة والموت ، فالعقل السليم يعرف هذا ويعرف أن الحقائق القرآنية تشرح هذه المفاهيم المنطقية المعروفة ، وإذا تخلص العقل البشري المعاصر من سيطرة الشهوات ومن المعلومات الخاطئة والفهم الأعوج والمعايير العلمانية المتناقضة فإنه سيجد أن الخير والمصلحة والعدل الحقيقي والحرية الحقيقية .... الخ في عقائد الإسلام وأحكامه ونظامه وأخلاقه فمثلاً العمود الفقري للزواج هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والمسؤوليات بين الزوجين موزعة بطريقة عادلة ، ويدعوا الإسلام  للزهد والقناعة والصبر وللاجتهاد في العلم والعمل والنوايا ولإعمار الأرض ، وأحكامه هي  الشورى والعدل ويسمح بالتجارة والبيع ، ويُحرم الربا والقمار والخمر والزنا ، ونظامه الاقتصادي وسط بين النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي ونظامه الاجتماعي متوازن ويحقق الرحمة والتكافل والتعاون والفضيلة ويرفض الغيبة والغرور والتعصب العرقي والطبقي والحقد والحسد وعقوق الوالدين والتبذير ، وفيه توازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ، وفيه وقت للعبادة ووقت للعمل ووقت للاستمتاع البريء ، وتعامله مع المال تعامل راق يشجع على اكتسابه وإنفاقه ويجعله في يدك لا في قلبك ، ويوجهه نحو القضايا الهامة من مًأكل وملبس ومشرب ويبعده عن التبذير والإسراف والبخل ....الخ كل هذه الأمور وغيرها يؤيدها العقل ولها فوائد كثيرة للإنسان تجعله يصل إلى السعادة في هذه الدنيا وهذه الأمور جسدها الأنبياء والصالحون في كل زمان ومكان ، ولو درسنا أي جانب من الإسلام فإننا سنجد الحكمة والفائدة والمصلحة وهذه أمور بينها العلماء ، فتحريم الخمر له فوائد كثيرة وقد اقتنعت أمريكا العلمانية بمضار الخمر وحرمتها في بداية القرن العشرين ، ولكنها تراجعت بعد ذلك عندما سيطرت المصالح المحرمة والشهوات على القرار ، والطريف أن العلمانية الأمريكية التي تقول إنها قائمة على العقل تسمح قوانينها بشرب الخمر التي تُعطل العقل وتتهم في نفس الوقت الإسلام الذي يمنع الخمر ، ويمنع تعطيل العقل ويعتبر الخمر من كبائر الذنوب بأنه ضد العقل ، وعموماً النظام السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الإسلامي كله حكمة ومصلحة ولكن أغلب الناس لم يتعمقوا في الدراسة وفي المقارنة مع الأنظمة الأخرى ونعلم أن كثيراً من العلمانيين ليسوا على إطلاع كاف على الإسلام ويجهلون ما كتب علماؤنا ويجهلون قضايا الإيمان والشرك ومعانيها ويجهلون الفرق بين الزهد والتصوف ، وبين الشريعة والفقه ، وبين الحرية والفوضى وبين الإيمان بالغيب والتواكل ، وبين الانتماء العرقي والتعصب ، وبين البيع والربا ، وبين الحوار العلمي والجدل .

الإسلام والعلمانية

 

وجهت العلمانية اتهامات كثيرة للإسلام أدت إلى تشويه كثير من الحقائق الفكرية الإسلامية فهي أحياناً تستند باتهاماتها إلى كتب مستشرقين لم يفهموا الإسلام، وأحياناً إلى واقع متخلف في دول لا علاقة للإسلام به ، وأحياناً تستغل تطرف جماعات محسوبة على الإسلام وهو برئ منها ..... الخ والاتهامات كثيرة وسأحاول إن شاء الله أن أوضح حقائق هذه الاتهامات وذلك من خلال المواضيع التالية :

1) الديمقراطية هي الشورى: جوهر الديمقراطية هو في مبدأين أساسين : الأول حكم الأغلبية والثاني شرعية المعارضة وهذان المبدآن إسلاميان مائة بالمائة وهما من أساسيات الشورى فالقول بأن الشورى ملزمة معناه حكم الأغلبية ، وهذا المبدأ قال به علماء المسلمين منذ قديم الزمن ، وشرعية المعارضة تتطلب الإيمان بالحقوق والحريات العامة والتي منها حرية الرأي والفكر والتجمع والصحافة، وهذا لا يعني التشابه الكامل بين الشورى والديمقراطية الأمريكية العلمانية ففي الإسلام الحقائق الفكرية هي أساس فوق التصويت ولا تخضع للمشاورة إلا في كيفية تطبيقها بمعنى أن الخمر مرفوضة وكذلك الربا وهذه الأمور لا تصبح قانونية ، أما في الديمقراطية الغربية فإذا وافقت الأغلبية على المخدرات أو الشذوذ الجنسي أو القمار أو الزنا فإنه يصبح قانوناً يتم تطبيقه وحمايته، أما تحديد موقع الشورى وحجمها فهذا متروك للشعوب لتختار ما يناسبها ففي الإسلام لا توجد ديكتاتورية، ولا استبداد في حين أن ليست كل دولة علمانية أو كل فكر علماني هو فكر ديمقراطي فالشيوعية فكر علماني ولكنه ليس ديمقراطيا والنازية كذلك وأغلب الدول النامية هي دول علمانية ولكنها ليست ديمقراطية ، فالديمقراطية ليست جزءاً لا يتجزأ من العلمانية في حين أن الشورى هي جزء لا يتجزأ من الإسلام، فدور الشعوب في حكم نفسها وأهمية حرية الرأي قضايا أساسية في الإسلام بشرط أن لا تتصادم مع الحقائق الفكرية، أما الأجتهادات بمختلف أنواعها فهي في أغلبها يمكن أن يتم الاتفاق على حسمها من خلال التصويت وأغلب الأمور السياسية والاقتصادية تدخل ضمن الدوائر الاجتهادية.

2- الإسلام والواقع: الإسلام كمبدأ هو عقائد وأحكام أي قضايا نظرية ، وهذا يعني أن الحكم عليه يكون من خلال أدلته العقلية على صوابه ولكن بعض العلمانيين يربطون بين الإسلام


 

 

وتاريخ الدول الإسلامية وما فيها من خير وشر ، أو ما في واقع المسلمين الحالي من خير وشر ، ونقول إن تاريخ الدول ليس هو تاريخ الإسلام بمعنى أن في التاريخ والواقع مسلمين صادقين وفيه منافقون وأصحاب مصالح وشهوات يحملون أسماء إسلامية ، فليس كل ما في التاريخ والواقع تطبيق صادق للإسلام ، فالإيمان والكفر والوعي والجهل والعمل والكسل هي أمور تختلف من فرد إلى آخر ومن شعب إلى آخر ، ونجد في واقعنا الحالي من ينتسب للإسلام اسمياً وهو لا يوجد به ذرة من الإيمان بالإسلام ، ولا ذرة من أعماله وأخلاقه ، فالصفحات السوداء في تاريخنا ليس الإسلام مسئولاً عنها كما أن محاكمة التاريخ قضية لا توصلنا للحقائق إلا ما ندر ، بمعنى أن الناس تختلف حالياً حول صلاح وفساد أنظمة حكم حديثة لاختلاف المعايير والمفاهيم والمعلومات ، ولدخول الأهداف والنوايا والمصالح وغير ذلك ، وهذا يحدث في القرن العشرين فما بالك بتاريخ قديم تم تشويه جوانب كثيراً فيه وصوره كثيراً من أعدائه على أنه تاريخ أسود لأهداف عقائدية ، وجعلوه تاريخاً للاستبداد والجهل والظلام وهذا غير صحيح ، فهناك من يستشهد بروايات جاءت في كتاب تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري ويستخدمها في الطعن في الصحابة والمسلمين ، ويجعلهم أصحاب طمع وقسوة وجاهلية ومناصب ، ولو أنصف هؤلاء لقالوا إن الطبري كتب الروايات التي سمعها ، وهذا ليس التاريخ الحقيقي وقد ذكر ذلك الطبري بنفسه حيث قال " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يُؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدى إلينا " (1) ولماذا يأخذ هذا البعض الروايات التي تجعل التاريخ أسود ، ولا يأخذ الروايات التي تجعله أبيض وهي موجودة في تاريخ الطبري أيضاً (2) ومن البديهي أننا لو جمعنا ما قيل من روايات وقصص عن حرب الخليج الثانية وصدقنا الروايات السيئة فقط لاقتنعنا بأنه لا توجد ذرة خير لا في الشعوب ولا القوى السياسية ولا الأنظمة ، ومن المعروف أن الحقائق هي أول الضحايا للحروب والصراعات والاختلافات لأن هناك الحروب الإعلامية والشائعات الكاذبة وأعداء يمكرون ويكذبون وهذا يحدث في ظل


 

وسائل أعلام قوية جداً فما بالك بالتاريخ القديم ونختصر القول في تاريخنا بأن فيه صفحات بيضاء كثيرة ، وفيه صفحات سوداء كحال بقية الأمم فقد أقمنا ثلاثة دول عظمى وهي الأموية والعباسية والعثمانية ، ودولاً أخرى كثيرة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وحققنا نجاحات فكرية هائلة، فقد وصل الإسلام حتى لأندونيسيا والصين ومناطق في روسيا وأواسط وغرب أفريقيا وفي تاريخنا حكام عادلون وأنظمة عادلة ومفكرون مميزون وانتصارات عسكرية كثيرة ... الخ ومن المستحيل تحقيق هذه الصفحات البيضاء الكثيرة من خلال الجهل والظلم ويكفي أن نقول أن الوحدة بين الدول العربية والتي لا نتوقع تحقيقها قبل عدة عقود مع وجود العلم والإمكانيات الكبيرة والاتصالات والاجتماعات تم تحقيقها عدة مرات في تاريخنا ، ولكن مشكلة البعض أنه غير منصف في قراءة التاريخ لأنه جاهل أو كاذب أو يحاكمه بمعايير مثالية ، ومن المعروف أن المسلمين الأوائل اهتموا بكتابة القرآن وتفسيره والأحاديث الصحيحة لما لهما من فوائد عظمية لأنهما مصدر الحقائق الفكرية ولكنهم لم يهتموا بكتابة التاريخ لأن علاقته بالحقائق الفكرية محدودة ، وفوائد كتابته محدودة أيضاً ، وعموماً فإنه من المهم جداً الفصل بين الإسلام والواقع ، وإلا فعلينا أن نحكم على الشيوعية من خلال تطبيقات ستالين ، وعلى الرأسمالية من خلال اضطهاد الهنود الحمر والأمريكيين الأفارقة والقنابل الذرية والحروب العالمية ، ولا شك أن التطبيق عنصر هام ولكنه ليس الأساس ، والتطبيق الصحيح للإسلام حدث في دول كثيرة قديماً وحديثاً ، ونشاهده في أفراد ذوي أخلاق عالية ووعي واعتدال ونشاط وإنتاج وتواضع ... ولكن العلمانيين للأسف يخلطون بين الإسلام والواقع ، وبين الإسلام واجتهادات خاطئة أو حتى شاذة ، قال الأستاذ أديب صعب ، " إن أي اتهام للمسيحية أو لأي دين آخر على أساس تفسير شاذ أو متطرف أو على أساس ممارسات سلبية قامت بها هذه المؤسسة الدينية أو تلك باسم الدين ، مثل إقدام محاكم التفتيش الكاثوليكية في عصر النهضة الأوروبية على اضطهاد العلماء والمؤلفين والمبدعين في الغرب باسم صيانة القيم المسيحية ، هو مغالطة منطقية وواقعية لا تميز بين المبدأ الأصلي وتشويهه " (1) وقال الدكتور محمد عمارة ، " ليس هناك إنسان بلا عورة ولا بشر بلا خطايا ، ولا أمة بلا هزائم وكبوات ، ولا


تراث بلا تيارات للتقليد والجمود ، ولا حضارة بلا دورات في الازدهار والتراجع والانحطاط .. ولكن الشذوذ ألا يرى كاتب التاريخ إلا العورات والخطايا والهزائم والكبوات والتقليد والجمود والقمامة والسوءات والانحطاط ... دون غيرها من الإيجابيات والحسنات والانتصارات ومظاهر الصحة والتقدم والازدهار والصفحات المشرفة في حياة الأمم والشعوب والحضارات "  (1)

 

3- حقوق الإنسان: قال جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي " إن الناس يولدون أحراراً ولكنهم يعيشون مُكبلين بالسلاسل في كل مكان " (2) وجاء في وثيقة الاستقلال الأمريكي النص التالي " نؤمن أن الحقائق التالية تثبت صحتها بنفسها : إن الناس خُلقوا جميعاً متساويين ، وأن الله منحهم حقوقاً غير قابلة للتبديل ومن هذه الحقوق الحرية ، والحياة ، وطلب السعادة " (3) هذا الكلام الجميل لا اختلاف عليه ، وهو حقائق فكرية يؤيدها الإسلام وكل فطرة سليمة وكل عقل سليم ، وهي أهداف عامة لا تختلف حولها المبادئ السماوية وغير السماوية إلا في حالات نادرة ولكن العلمانية الغربية عادة ما تحتكر حقوق الإنسان والحرية والمساواة مع أن الإسلام أعلن منذ خمسة عشر قرناً أن الناس جميعاً من آدم وحواء ، وأنه لا فرق بين الأجناس البشرية ، وأن هذه التفرقة جاهلية منتنة ، وأعطى للناس حرية الاعتقاد ، وحرية العبادة ، والعمل وحرية التجارة والسكن ، وحرية الرأي ، ولم يتدخل إلا في قضــايا محدودة مثل السـخرية من الدين أو التهجم على النبي أما النقـاش الموضوعي فهو مفتوح وحرية القول السـياسية محترمة والاعتداء على الآخرين مرفوض ، قال " ومن ظـلم معاهـداً أو انتقـصه أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئاً بغـير طيب نفسه فأنا حجـيجه يوم القيامة " وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما اعتدى مسلم على قبطي " متى استعـبدتم النـاس وقـد ولدتهم أمهاتهم أحراراً " فالمسـلم هو الإنسان الوحيد الحر لأنه عبد الله فقـط وليس عبــداً لسلطة ولا مال ، ولا شهوات ولا علمانية ، وهو حر حتى لو سجن فحريته هي


حرية فكر وعقائد وإيمان ، وهو حر لأنه قوي أما الانحرافات ، وما نجحنا فيه وطبقنا في الحرية لا نجد من يردده وينشره في حين أن ما قاله مفكرو الغرب نجد أعلاماً قوياً ينشره فيظهره كأنه صناعة غربية لم تعرفها البشرية ، ونعلم جميعاً أن الثورة الفرنسية فشلت في تطبيق الحرية أي ظلمت واستبدت حتى قال قائلهم "كم من جرائم ارتكبت باسم الحرية " أما بالنسبة للثورة الأمريكية فقد نجحت لدرجة كبيرة في تطبيق الحرية وحقوق الإنسان ، وهذا لا نختلف معه وأن اختلفنا أنها أعطت الحرية حتى للفساد كالشذوذ والزنا والخمر ، وكلنا يعرف أنه على مدى التاريخ كانت هناك ثورات وتغييرات وحكومات أقامت العدل والمساواة والحرية فلماذا تسلط الأضواء فقط على الثورة الفرنسية أو الأمريكية وتاريخ العالم من شماله ، إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه به نماذج كثيرة من الأقوال والأعمال الطيبة والأبطال والحركات والنجاح ، ونحن كمسلمين مع حقوق الإنسان وإن اختلفنا في جزئيات قليلة تعارض عقيدتنا ونحن نعتبر هذه الحقوق جزءاً من إسلامنا في حين أن العلمانيين أحرار في الإيمان بها أو الكفر فبإمكانك أن تكون علمانياً ولا تؤمن بصوابها ، أي صواب حقوق الإنسان أما نحن فلا نستيطع لأننا إذا لم نؤمن لن نكن مسلمين كما أن اقتناعنا بالمساواة بين البشر ليس هو اقتناع قانوني أو في وثيقة بل يجب أن نقتنع به داخل نفوسنا ونطبقه في قضايا اجتماعية وشخصية وسياسية وهذا ما فعله المسلمون الأوائل ويفعله كل مسلم  ملتزم ، أما وثيقة الاستقلال الأمريكي فلم تُعط الأمريكيين السود حق الانتخابات إلا بعد أكثر من مئتين سنة مع كلامها الجميل عن المساواة كما أن حقوق الإنسان العالمية هي قرار تم من خلال التصويت وقد تتغير بعض هذه الحقوق في حين أن حقوق الإنسان الإسلامية لا تتغير وهي ثابتة ، ومن المهم أن نذكر أن بعض المسلمين يخطئون إذا رفضوا التعاون مع جمعيات حقوق الإنسان سواء طالب بها علمانيون أو غيرهم لأن الاتفاق بين حقوق الإنسان الإسلامية والعالمية كبير جداً وإذا وجُدت بعض الاختلافات فيمكن التحفظ عليها ، فالتعاون على الخير مبدأ إسلامي ، ومن قال كلمة حق قبلناها منه وساعدناه على تنفيذها ، وتبقى قضية مهمة في الحرية وهي أن الحرية الحقيقية مقيدة بضوابط فليس من الحرية أن يفعل الإنسان ما يشاء في وقته أو ماله أو أقواله وليس من الحرية أن تتكلم بكلمات قاسية مع والديك أو بألفاظ بذيئة مع أصدقائك ، وليس من الحرية أن تنحرف أخلاقياً وليس من الحرية أن تلبس المرأة أو الرجل ما يشاءون ... الخ فهذه ليست حرية بل فوضى وفساد ، قال الدكتور إبراهيم مدكور " ليس معنى الحرية أن تسيء إلى العدالة ، أو أن


 

 

 

تخرج عن القانون ، ومن أبسط ضوابطها أن تُعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، وليست الحرية في أن نسلم من المؤثرات الخارجية فحسب ، بل أن نسلم أيضاً من المؤثرات الداخلية ، فنقاوم الميول والأهواء ، ونبرأ من الضغائن والأحقاد وتلك هي حرية الحكيم " (1) ونعرف ونعترف أن المسلمين اليوم انشغلوا بقضايا عقائدية وعبادية واجتماعية وهذا شيء مطلوب ، ولكنهم لم يطبقوا المبادئ الإسلامية في حقوق الإنسان ، فلم يجعلوا تطبيق الشورى من أولوياتهم ولم يقفوا مواقف قوية وكثيرة مع الفقراء والعمال ولم يهتموا بإنصاف الأقليات الدينية والعرقية ، ولم يقفوا ضد العنصرية بكافة أشكالها ، كما أن دور المرأة المسلمة يحتاج إلى خطوات كثيرة تنصفه من الجمود والتخلف والظلم ، فهذه الأمور أساسيات في الإسلام ، ولكن جهود المسلمين محدودة في هذه المجالات ويجهل كثير من الناس أن هدف الجهاد بأنواعه المختلفة هو الدفاع عن حقوق الإنسان الصحيحة كما أن فريضة النهي عن المنكر من أساسيات الإسلام والمنكر هو الظلم والانحراف ولم يكتف الإسلام بذلك بل دعا عن طريق الأمر بالمعروف إلى الالتزام بواجبات الإنسان الصحيحة أي واجباته نحو الله سبحانه وتعالى ووالديه وأقاربه وجيرانه والفقراء ... الخ فالمعادلة الصحيحة قم بواجباتك أولاً ثم طالب بحقوقك ، ونحن بحاجة ماسة إلى منظمات لواجبات الإنسان فهي الأهم لأنها تتعامل مع الخير ومع كل جوانب الحياة بما فيا الجوانب السياسية التي تكاد تقتصر عليها أنشطة منظمات حقوق الإنسان ، وهناك شبهه يثيرها بعض العلمانيين وهي أن الأديان السماوية تحمل في تعاليمها وتوجهاتها تمايزاً بين أتباع الديانات أو البشر بشكل عام ، ونقول مبدأ التمايز موجود ، فلا يتساوى الإنسان المستقيم والإنسان المجرم ، ولا المخلص لوطنه مع الخائن ، ولا الطالب المجتهد مع الكسول ، وبالتالي فلا يجوز أن يتساوى من يلتزم بالحقائق الفكرية ( الإسلام ) أي من يطيع الله سبحانه وتعالى ويتبع الرسول r بمن يتمرد ويكفر وينحرف ويتبع الجهل والظن وأهواءه وشهواته وعصبياته العرقية أو الطبقية ، فهذه الانحرافات أكبر من انحراف المجرم والخائن لأن فضل الله علينا أكبر من فضل أوطاننا وأمهاتنا وآبائنا ، فالتمايز الإسلامي مبني على العلاقة بالحقائق الفكرية اعتقاداً ومعرفة وإيماناً وعملاً ، ولنتذكر أن كل ما يعارض الحقائق الفكرية ليس مساواة ولا رحمة ولا عدلاً  وهذا ما أثبته العقل فلا نتبع الظن فنضل ونشقى .

4- الدولة الدينية: من الأمور التي يثيرها العلمانيون مبدأ الحاكمية لله في الإسلام ، ويظنون أن هذا المبدأ يستغله البعض ليظلم ويضطهد ويحقق مصالحه الشخصية والسياسية باسم الله ، ونقول قال الدكتور يوسف القرضاوي " إن ( الحاكمية ) التي قال بها المودودي وقطب ، وجعلاها لله وحده ، لا تعني أن الله تعالى هو الذي يولي الخلفاء والأمراء ، يحكمون باسمه ، بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب ، أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة " (1) وقال " وهذه الحاكمية لا تنفي أن يكون للبشر قدر من التشريع أذن به الله لهم " (2) وقال " فمن حق المسلمين أن يشرعوا لأنفسهم في دائرة ما لا نص فيه أصلاً وهو كثير " (3) وهذا الكلام يعني أن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية بالمفهوم الغربي ، بل هي دولة مدنية ، والله سبحانه وتعالى لم يحدد للناس حكامهم وحكوماتهم ، ولا تتكلم الحكومات الإسلامية باسم الله ، بل هي حكومات بشرية تجتهد برأيها ضمن حقائق الإسلام وخطوطه العريضة فتصيب وتخطئ وتُولي وتعزل وذلك شيء يقرره الشعب المسلم ، والالتزام بالإسلام هو التزام بالحقائق الفكرية ، فالحكم الإسلامي معناه الحكم للحقائق الفكرية أي للحق والصواب ، والنور والهداية ، وهذه هي المبادئ التي تحكمنا كأفراد وحكام وحكومات وأحزاب ، فقمة التقدم هو أن نخضع للحقائق أي للعدل الصحيح والمساواة الصحيحة والحرية الصحيحة ... الخ فالولاء ليس لطبقة أو عقل ضائع أو تعصب عرقي أو حزب أو رجال دين أو أغنياء أو غير ذلك قال الدكتور أبو المجد " فالمسلم لا يكون مسلماً إلا إذا اختار الالتزام بشريعة الإسلام ، وأيقن أن ما ثبت عن الله تعالى أو عن نبيه r ، فهو المصلحة بعينها ، والرحمة كلها ، والعدل كله " وقال: " أما حكم الله تعالى، وحكم رسول الله r فالإيمان به رسوخ في العلم والتسليم له عز ، والاستقامة على أمره مدخل لكل خير " (4) ، فالحكم الإسلامي يكتسب شرعيته من قضيتين الالتزام بالحقائق الإسلامية والقبول الشعبي به ، في حين أن النظام في الولايات المتحدة قائم فقط على القبول الشعبي ، ولا يوجد هناك التزام بحقائق فكرية ، فأي شيء يقتنع به الشعب ولو كان باطلاً و ظالماً يجب تنفيذه


كقانون أو برنامج أو سياسة ، وترك الإسلام قضايا كثيرة في نظام الحكم ليقررها الناس كطريقة اختيار الحاكم ، والسماح بالنظام الحزبي أو غيره وعدد المجالس النيابية واختصاصاتها ، وطرق حسم الاختلافات السياسية سواء بالتصويت أو التحكيم أو غير ذلك ، وهذه المرونة السياسية ، تعطي الشعب المسلم والعقل المسلم دوراً كبيراً جداً في قضايا تنظيمية وهيكلية وسياسية ولا تمنعه من الاستفادة من التجربة الإنسانية في الغرب والشرق ، إذا لم تكن تتعارض مع ديننا ، ولكن الاتهامات الباطلة جعلت الكثيرين يعتقدون أن الحكم الإسلامي هو قطع يد السارق ، وأن علماء الإسلام سيكونون القيادة السياسية ، وهذا غير صحيح ، فلا توجد أصلاً طبقة اسمها علماء الإسلام ذات مزايا خاصة ، كما أن تطبيق الإسلام يبدأ بالتربية والعمل والإنتاج والتعاون والتسامح ، وإنصاف الأقليات الدينية والعرقية والعلاقات الطيبة مع الدول الإسلامية ومع العالم وسد منافذ الفساد بكافة أنواعه وتطبيق العدل ثم بعد ذلك تأتي الحدود ، أما الحكم العلماني الغربي فهو يرفض الالتزام بالحقائق الفكرية سواء وصلنا لها من خلال العقل أو الدين ولا يدري أصلاً ما هي الحقائق الفكرية ، فالشعب هو الذي يقرر ما يريد حتى لو تعارض مع الحقائق فالتصويت هو الذي يحدد ما يطبق وما لا يطبق ، ويرفض الحكم العلماني أن يترك للشعب قرار اختيار الحكم المناسب له ، بل يجب أن يكون حكماً علمانياً والعلمانيون العرب مثلاً لا يقبلون أن يتم استفتاء شعوبنا أو أمتنا على الاختيار بين الإسلام والعلمانية مع أنهم يقولون نحن نرضى بحكم الشعب ليس فقط لأنهم يعرفون نتيجة  هذا الاستفتاء بل أيضاً لأنهم يقبلون أن يحكموا الشعب ، حتى لو كان كارها لهم وهذا يتناقض مع مبادئ من يؤمن منهم بالديمقراطية ، وحكم الشعب ، قال الدكتور عصمت سيف الدولة : " إن العلمانية المعاصرة أصبحت ديناً ومذهباً ، ويريدون إكراه الأكثرية المسلمة على حكم الأقلية العلمانية " (1)  أما بالنسبة لقضية أن الحكم الإسلامي قد يستغل من حكومات لأهداف خاصة فهذا وضع موجود في كل المبادئ أي قد يستغل النظام الرأسمالي من حكومته لمصالح خاصة وتجعل معارضيها السياسيين خونة وتتهمهم بأنهم أعداء الوطن ، وهذا حدث ويحدث في كل زمان ومكان ، فإذا سارت الحكومة حسب الإسلام فهي حكومة مسلمة أما إذا تاجرت بالشعارات الإسلامية ،


 فهذا انحراف يجب أن يصححه الشعب وهناك من حول الديمقراطية والانتخابات إلى ساحات للصراعات ، والجدل والتنازع ، وشراء الأصوات الانتخابية فهل الحل هو رفض الديمقراطية حتى لا يتم استغلالها من البعض ومثل هذا يقال للتعصب للدين أو للحزب أو للرياضة ... الخ

 

5- التطرف الإسلامي: في كل المبادئ يوجد معتدلون ومتطرفون ومتساهلون ، ونعرف ونعترف بأنه يوجد في الاتجاه الإسلامي متطرفون عقائدياً أو سياسياً أو اجتماعياً ، وهذا التطرف درجات بعضه عنيف ودموي ، وبعضه مسالم ، وبعضه كبير ، وبعضه صغير ، ونحن لا ندافع عن هؤلاء بل نعتبرهم من أخطر أعداء الدين ، وأغلب هؤلاء ليسوا فقط ضد أعداء فكريين أو دول أجنبية أو أنظمة حاكمة محلية بل هم حتى ضد المسلمين الملتزمين المعتدلين ، سواء كانوا جماعات أو أفراداً، وضد علماء مسلمين مشهود لهم بعلمهم ، وإخلاصهم ، وعموماً فالأغلبية الساحقة من الاتجاه الإسلامي معتدلة في فهمها للإسلام وبعيدة عن التطرف ولكن البعض لديه مرض في عقله أو قلبه ولهذا يحرص على تشويه كل مسلم ملتزم بدينه ، والمتطرف هو الذي يخالف ما اتفق عليه أغلب علماء المسلمين وهو الذي يستخدم العنف ، ويسميه جهاداً وهو الذي يتهم الناس بالكفر والإلحاد دون علم وبصيرة ودون مشاورة العلماء ، وهو الذي يريد أن يضطهد الأقليات الدينية ، وهو الذي يتهم الحكومات بالعمالة والخيانة دون فهم لحقائق الدين والسياسة ، والمتطرفون في غالبيتهم شباب متحمس ليس لديه علم صحيح بالإسلام ، ولا خبرة بالواقع ، وهؤلاء أقلية فعلاً ونقول للصادقين من أبناء الأمة إذا كنتم ضد التطرف فنحن معكم ، ولكن يجب أن تفرقوا بين التطرف والالتزام الصحيح بالإسلام ، ويجب عليكم أن تلتزموا بالإسلام التزاماً صحيحاً فهذا يقربكم من المعتدلين في الاتجاه الإسلامي ويجعلنا نحقق الكثير من الفوائد ، ونقول للمعتدلين في الاتجاه الإسلامي تعاونوا مع الجميع على ما فيه الخير ، ومدوا جسور الحوار والتعاون واللقاءات فالطريق طويل ، ويحتاج إلى تجميع أبناء الأمة ضمن برامج واتفاقات وأعمال ، فكثير ممن يتهمون بالعلمانية أو غيرها ليسوا كذلك وأعلموا أن المتطرفين هم من أخطر أعداء الإسلام حتى لو كانت نوايا أغلبهم صادقة ، وواقعنا بحاجة إلى الكثير من التسامح والصبر والواقعية والتدرج وحسن الظن ... الخ ، وهذا ليس سذاجة وهو أيضاً ليس تنازلاً عن المبادئ الإسلامية ، بل جزء منها ، واللقاء مع الآخرين لا يعني أبداً التنازل عن مبادئنا بل سيؤدي إلى فهم بعضنا لبعض وهذا ما لا يريده


 

 

أعداؤنا ، وننبه إلى أن هناك متطرفين علمانيين خطرين جداً ، ولا يقلون عن خطر المتطرفين الإسلاميين قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " ولكن هناك فريقاً آخر من العلمانيين يتاجر ويزايد ويصفي حسابات تحت ستار المخاوف من الإسلاميين ....  والقضية عندهم ليست مقاومة التطرف بأي صورة من صوره ، ,إنما كراهية أصيلة ، وكأنها مرض في القلوب ، فهو يكره كل ما هو إسلامي " وقال " وهذا مسلك أقل ما يقال فيه أنه شديد الهبوط وشديد الخيانة ، وعظيم الضرر " (1)

6- الإسلام الصحيح: نحن نتكلم هنا عن الإسلام الصحيح ، أي القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ، أي إسلام أهل السنة والجماعة ، ووجود فرق إسلامية أخرى هو حقيقة لا نختلف عليها ، والحل لهذا الاختلاف هو بدراسة الخلاف ، والبحث عن الأدلة الفكرية لها من القرآن والسنة ، وهذه الأمور موجودة في الكتب ، وبالنسبة لأهل السنة والجماعة فإسلامهم إسلام واحد معروف بعقائده وأحكامه وما يسمى بالمذاهب الأربعة أو غيرها هو اختلافات اجتهادية ، واختلاف علماء المسلمين قديماً وحديثاً في بعض الأمور الاجتهادية أمر صحي ، وهو اختلاف جزئي أما الأغلبية الساحقة من الحقائق الفكرية فلا يوجد خلاف حولها ، وتوجد حالياً مجالس للعلماء ، ومنظمة للدول الإسلامية وتشاور وتعاون فلا توجد إطلاقاً تناقضات فكرية جذرية بين علماء المسلمين ، أو الغالبية الساحقة منهم ، لأن الحالات الشاذة لا يقاس عليها ، كما أن كثرة أسماء الجماعات والحركات الإسلامية لا يعني أنهم أو أغلبهم على الأقل مختلفون جذرياً بل هي اختلافات اجتهادية في أولويات الدعوة وفي فهم الواقع وفي فهم العقائد الأخرى ومثل هذه الاختلافات طبيعية ، فهناك جماعات تعمل في الجانب السياسي وأخرى تركز على القضايا العقائدية ، وثالثة على القضايا الاجتماعية ورابعة على العمل الخيري أو الدعوي .... الخ وكلما أصبحنا أكثر وعياً بإسلامنا وبواقعنا وزاد علمنا وخبرتنا وصدقت نوايانا كلما اقتربنا أكثر ، واتفقنا أكثر ، وهذا واقع مشاهد ، فلا توجد عندنا مشكلة في معرفة الإسلام الصحيح أبداً فالعلماء موجودون والكتب موجودة والجامعات والكليات الإسلامية موجودة والمسألة ليست بالصورة التي يتخيلها البعض فالقرآن الكريم


 

والأحاديث النبوية ليست طلاسم معقدة ككتب بعض الفلاسفة بل هي كلام عربي واضح ، وهناك كتب التفسير وهناك علماء لا اختلاف على علمهم وإخلاصهم ، فلا توجد مشكلة ولكن اتهامات العلمانيين لا تنتهي فإذا كان أي إنسان عادي سيحتار في اختيار الدواء الصحيح لمرضه من صيدلية بها مئات الأدوية ، فالمشكلة في عقله وجهله لا في علم الصيدلة ، أي لو درس علم الصيدلة سيعرف حقائق مادية كثيرة ، وكذلك إذا درس علم الإسلام لن يسأل أين الإسلام الصحيح ؟ ومن اتهامات العلمانيين أن الإسلام يسمح بكل ألوان الطيف السياسي والفكري الموجودة في الأنظمة الرأسمالية والشيوعية وأن أي نظام يمكن أن يُطلق عليه نظام إسلامي كما قال الدكتور صادق العظم ، ونقول لا يوجد عندنا كمسلمين واعين عاديين أي عمى ألوان فنحن نعرف الإسلام من القرآن والسنة ونعرف ما هو العدل الإسلامي ؟ وما هي حقوق الناس في الإسلام ؟ وما هي أخلاق المسلمين وما هي أحكام الإسلام الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟ ووصف موظفين حكوميين متخصصين في الشريعة الإسلامية لنظام ما بأنه إسلامي أو غير إسلامي لا يعطي النظام شهادة إيمان أو كفر ، بل الحقائق الفكرية الإسلامية التي نعرفها هي التي تجعلنا نقتنع بأن هذا النظام إسلامي أو لا فبإمكان أي صيدلي مخادع أن يقول لك عن سُم ما بأنه دواء نافع ، فإذا كنت تعرف علم الصيدلة فستبتسم ولن يخدعك ، فإذا كان الحكم على إنسان ما في الحي أو المنطقة أو الوزارة أو الشركة عملية سهلة نسبياً من خلال أقواله وأعماله وأخلاقه وأصدقائه فإن المسألة نفسها بالنسبة للأنظمة فنحن كمسلمين لا نحتكم للأقوال والشعارات وشهادات الزور بل نحتكم للحقائق الفكرية ، ونحتكم للواقع وحقائقه ولا نحاكم الناس والأنظمة بمقاييس مثالية ، فهناك حدود دنيا لا يقبل تجاوزها وهناك قضايا تخرج المسلم والدولة من الإسلام ، وهناك انحرافات لا تُخرج من الإسلام ونعلم أن الإسلام أعطى المسلمين مرونة في اختيار تفاصيل النظام السياسي حتى يتناسب مع ظروف واحتياجات كل بلد وهذا الاختلاف ليس تناقضاً مع الإسلام بل هو تنوع سمح به الإسلام ، فالتأقلم مع ضروريات الواقع ليس معناه إطلاقاً أن النظام الإسلامي بلا هوية ، بل معناه أنه نظام واقعي .

7- انتشار الإسلام: يظن العلمانيون أن الإسلام عقيدة انتشرت بالسيف وأن انتشاره راجع لضعف العقائد الأخرى وتخلفها ، ونقول إن الإسلام انتشر لأنه عقيدة صحيحة تدعمها الأدلة العقلية وبه توازن بين الأمور الروحية والمادية ، وهو منهج فكري شامل وعادل يناسب البشر


 

 

 

 

العقلاء ، وكان هدف الجهاد إيصال الدعوة الصحيحة للناس جميعاً ، وليس فرض الاعتقاد بالإسلام ، فلا إكراه في الدين ، وأغلب الشعوب بقيت على عقائدها السابقة لفترة ما ، ودخولها لم يكن من خلال اضطهاد أبداً ، كما أن الإسلام انتشر في دول كثيرة منها اندونيسيا وغيرها من خلال الدعوة ، ولم يجد الإسلام الساحة العربية والعالمية خالية من العقائد ، بل وجد عقائد كثيرة من مسيحية ومجوسية وعرب مشركين وغيرهم وهؤلاء لهم عقول ، واتهموا الإسلام والنبي باتهامات كثيرة ، وناقشوه في كثير من القضايا وجاء الإسلام ليبين للمسيحيين واليهود العقائد الصحيحة ، والشريعة الصحيحة ، وليبن لهم أين أخطأوا ، ولم يكن طريق الإسلام والمسلمين مفروشاً أبداً بالزهور ، والإسلام عقيدة صحيحة وقوية تقتنع بها العقول السليمة والنفوس الطيبة ، وجسد لهم العدل والحرية والمساواة والصدق والأمانة والعفة والتواضع .... الخ ولهذا أخذ الناس يدخلون في هذا الدين العظيم وهو دين قام بترشيد المصالح البشرية ، وجعلها تسير في خطوط متوازنة ومتكاملة وهو دين قضى على الخرافات والبدع والكسل والسحر والقمار والخمر .... الخ وما نقوله ليس افتراضات ، بل كان واقعاً ونشاهده في كل من ينتمي لهذا الدين دولة كان أو فرداً في حين أن العلمانية نجحت في تشويه الآخرين ، وعجزت عن هزيمة التعصب العرقي بأنواعه المختلفة وعن هزيمة المصلحة وأثرها في النفس والدولة ، وعجزت عن إعطاء تصور واضح متكامل عن أصل هذا الكون ونهايته ولماذا خلق الإنسان ؟ وما هو هدفه في الحياة ؟ وعجزت عن بناء حياة زوجية صحيحة ، ومفاهيم تربوية صحيحة ، فهي ضعيفة في بنائها الفكري ، وهي مجموعة عقائد كثيرة متناقضة من رأسمالية وشيوعية واشتراكية وهي عاجزة أمام الانحرافات  والعقائد الباطلة ولا نجد إلا ما ندر جداً من المسلمين الذين فهموا الإسلام ممن يصبح علمانياً في حين أن العكس موجود ، ونجد الإسلام ينتشر في أمريكا وأوروبا واليابان فالعلمانية حصان خاسر وقوتها اليوم تستمدها من قوة أمريكا وأوروبا الاقتصادية والسياسية والعسكرية فهي لا تملك قوة فكرية حقيقة ، وسلبيات العلمانية كثيرة أضرت الغرب وأضرت العالم كله ولكن أغلب الناس لا يدركون خطرها وضررها ، فالمال والقوة غير قادرين على ستر العيوب لوقت طويل ، أما العلمانية في الوطن العربي فهي مفككة ، ويتصارع العلمانيون فما بينهم وفشلوا في تطبيق الديمقراطية وحرية


 

 

 

 

 

الرأي وليست لهم قوة شعبية وليسوا بقادرين على التأثير الجذري في الأحداث ، وهم جيوب صغيرة منعزلة عن فكر أمتها والقواعد الشعبية ولا يجيدون في الغالب غير الكلام والكتابة والجدل ، قال الأستاذ عادل ضاهر " إن العلمانية في حالة تراجع كبير في العالم العربي اليوم والقوى العلمانية يتقلص ويتهمش دورها وتأثيرها الفاعل على الأحداث باطراد متزايد " (1)  وهذا اعتراف ممن يؤيد العلمانية ، أما الاعتراف الثاني فقد جاء من أحد المدافعين عنها وهو الدكتور فؤاد زكريا حيث قال " من جهة أخرى العلمانية المعاصرة والتي نعيشها اليوم هي علمانية دفاعية وليست هجومية ، بمعنى أنها لا تريد أن تقيم مجتمعاً معينا له سمات كيت وكيت .. . الخ (2) وهذا اعتراف بأنها لا زالت ضعيفة بعد أكثر من قرنين من وجودها في الساحة العربية، وهذا اعتراف أيضاً بأنها لم تحدد حتى الآن عقائدها وأنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فهي فقط شعارات وأهداف عامة يشترك فيها الرأسمالي والاشتراكي والشيوعي والعنصري .... الخ فهي لا تعرف شكل ومحتويات البناء الذي تريده للمجتمع ، وهذا شيء طبيعي لأن العلمانية هي أفكار فلسفية متناقضة ، بمعنى أن المجتمع العلماني ليس مؤمناً بالله ولا ملحداً ، وهو ليس رأسمالياً ولا اشتراكياً ، ولا مع أمريكا ولا ضد أمريكا ولا مع روسيا ولا ضد روسيا ، وحتى الآن لا زال يبحث عن الحقائق الفكرية ، وسوف يقرر موقفه منها عندما يصل إلى الحكم من خلال التصويت والديمقراطية ، وحتى الآن فإن العقل العلماني العربي لم يعرف ما هي الحقائق الفكرية ؟ وما هو العلم الفكري ؟ وما هي البصيرة والحكمة والنور ؟

 

8- الإسلام أو العلمانية " يظن أغلب العلمانيين ، وما أكثر اعتمادهم على الظن ،أن العلمانية ليست ضد الإسلام بدليل أنها تدافع عن حرية الاعتقاد والعبادة ، وهذا ليس بصحيح ، فالإسلام نظام عقائدي وسياسي واجتماعي واقتصادي ، وهو دين ودولة ، وبالتالي ففصله عن الدولة هو رفض له ، والشعار العلماني " الدين لله والوطن للجميع " معناه ابعدوا الإسلام عن


التأثير في البشر والدول ، وأحبسوه في المساجد وقولوا لله سبحانه وتعالى نحن لسنا بحاجة إلى هداية ولا أنبياء ولا كتب سماوية ، وما ليس له علاقة بالدين فسنأخذ منه دساتيرنا وقوانيننا وعقائدنا ، وهذه حرب صريحة وواضحة على الإسلام ، فالأديان السماوية جاءت للتعامل مع الدول والبشر والقوانين ، ولتعلن حرباً على أهل الكفر والظلم والجهل ، فإذا كان العلماني يعتقد أن الإسلام ديناً سماوياً صحيحاً ومع هذا يرفضه فهو كافر ، وإذا كان يظن ألا تعارض بينه وبين العلمانية فهو جاهل ، وعليه أن يسأل علماء الإسلام حتى يبني اقتناعاته على علم لا على ظن ولا نبالغ عندما نقول إن حقيقة العلمانية في الوطن العربي هو مخالفة الإسلام في كل ما يقول وأصبحت جبهة يتحالف فيها الرأسماليون والشيوعيون والعنصريون والاشتراكيون ... الخ لا يجمعهم إلا العداء للإسلام وفي هذا دليل على ضعفهم متفرقين أو خيانتهم لمبادئهم لمصالح شخصية ، والغريب فعلاً أن الإسلام في جوانب كثيرة يأت كأنه حل وسط بين الرأسماليين والشيوعيين وغيرهم ومع هذا يتحالفون ضده وهذا غباء فكري وسذاجة سياسية وجهل بهذا الحجم عاجز عن بناء الأوطان والأمم ، وقد قال لي أحد المدافعين عن العلمانية مع مرور الوقت أخذت أقتنع بأنه لا يوجد تناقض بين الدين والعلمانية والعلمانية لها دائرتها السياسية ، والدين له دائرته الشخصية والاجتماعية ، ونقول الإسلام ضد العلمانية والعلمانية ضد الإسلام إذا عرفنا المعاني الصحيحة للإسلام والعلمانية أما إذا كنا نقصد بالعلمانية الدولة المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان والاجتهاد العقلي ووجود دوائر متنوعة لكل دائرة أهلها من سياسيين واجتماعيين وعلماء إسلام واقتصاديين فهذه مبادئ إسلامية كما وضحت سابقاً وبالتالي ليست مجال اختلاف .

9- القضاء والقدر: من الواضح أن كثيراً من العلمانيين لم يفهموا الأديان السماوية فهماً صحيحاً. فبعض العلمانيين يعتبرون الفرق بين العلمانيين والمتدينين هو أن المتدينين يرجعون الأمور دائماً إلى القضاء والقدر سواء بالنسبة لحادث مروري أو خسارة تجارة ، في حين أن العلمانيين ينظرون إلى الأسباب المادية ، فيحملون مسؤولية الحادث المروري لسرعة السائق والخسارة لأخطاء تجارية ، ونقول ليس صحيحاً أن المسلمين يجهلون أهمية الأسباب المادية في الحياة فشعارهم هو اعقلها وتوكل على الله ، وكان من يشاهد كيف كان الرسول r يأخذ بالأسباب المادية يظن أنه لا يؤمن بوجود أسباب فكرية كالدعاء ، وذكر الله ، ومن يراه يأخذ بالأسباب الفكرية يظن أنه لا يؤمن بوجود أسباب مادية ، وحقيقة الأمر أن الأخذ بالأسباب المادية والفكرية بأكبر قدر ممكن ، وفي مختلف المجالات ، هو من البديهيات الإسلامية في حين أن العلمانيين يؤمنون فقط بالأسباب المادية ، وعلى


أساسها يفهمون الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، كأن الله سبحانه وتعالى لا يعز من يشاء ولا يذل من يشاء ولا يرزق ولا يعاقب .... الخ في الحياة الدنيا وكأن ما جاء في الكتب السماوية من ارتباط الخير والنصر والسعادة في الدنيا بطاعة الله والشقاء بمعصيته أمور لا وجود لها في الواقع ، وأنها كذب في كذب ، وقد نفهم أن من يقول هذا هم الزنادقة من العلمانيين ، أما أن يقتنع به العلمانيون المؤمنون بوجود الله وصدق الأنبياء فهو أمر يتناقض كلياً مع بديهيات الإيمان .

10- قضايا متنوعة: من المعروف أن الغالبية الساحقة من الأمة العربية مسلمون ، وأن الإسلام دين ودولة وإن إرضاء الأقليات غير الإسلامية لا يتم برفض النظام الإسلامي لأن تطبيق النظام الإسلامي واجب لا يمكن أن يتنازل عنه المسلمون ، وأن المعادلة الصحيحة هي حكم الأكثرية وحقوق الأقلية ، وأن مساحة المساواة بين الناس مسلمين وغير مسلمين كبيرة جداً في النظام الإسلامي ، وأن بالإمكان إيجاد تمثيل سياسي ومؤسسات دينية خاصة بالأقليات غير المسلمة ، فالعلمانية مرفوضة كمبدأ وهي سببت حالة من الصراع الفكري والعقائدي والسياسي بين أصحابها وبين المسلمين ، وكذلك بين أصحابها ، فانقسموا إلى شيوعيين واشتراكيين ورأسماليين ، فأحدثت فتناً كبيرة في الأمة وهي لم تنصف الأقليات بل استفزت الأغلبية على الأقلية ، وهي لم تقض على التعصب الديني ، بل زادته ، وأنتجت تعصباً علمانياً وأنتجت حروباً كثيرة وصراعات كثيرة حتى بين أصحابها لأن العلمانية هي عبارة عن تجميع لأفكار متناقضة وضبابية وأهداف عامة وهي أنتجت آلاماً وجراحاً وصراعاً في مختلف المجالات في الأمة ، بل أصبحت العدوة رقم واحد لكل مسلم واع والعلمانية بطبيعتها النقدية والتشويهية والهجومية والظنية أصبحت منبوذة وضعيفة وليست لها قدرة إطلاقاً على البناء، بل قدرتها فقط على الهدم وصناعة الاختلاف والتفرق واستعدادها للنقاش والحوار هو ضياع لأنه نقاش جدلي لا ينتهي بالوصول إلى حقائق فكرية ، بل هو نقاش بلا هدف ، والنقاش وسيلة وليس هدفاً ومن البديهيات أن الإيمان بالإسلام يوجد وحدة فكرية وانسجاماً ، وأن الإسلام هو للأمة العربية فكر وتاريخ وأبطال وانتصارات وشعر وثقافة وأن التناقض والحيرة الموجودة في عقول العلمانيين ليست موجودة عند جماهير الأمة ، كما أن محاولة تسويق العلمانيين للعلمانية قد فشل فهي ضد الإسلام ، ولن ينفع أن يستشهدوا بكتابات للأستاذ علي عبد الرازق صاحب كتاب " الإسلام وأصول الحكم " والذي قال فيه إن الإسلام لا علاقة له بالدولة فهذا قول شاذ ومرفوض وترفضه آيات صريحة من القرآن ، ويرفضه كل علماء الإسلام الواعين ، فلا تبنوا أحلامكم


 

على بيوت العنكبوت وفهم الإسلام يُؤخذ من القرآن والسنة ، والعلماء المخلصين ، وليس من العلمانيين العرب أو المستشرقين والعمل السياسي الإسلامي موجود اليوم في أغلب الدول أن لم نقل جميعها ، ولا شك أن أي معركة ضد الحقائق الفكرية ( الإسلام ) والعقل والشعب والديمقراطية هي معركة خاسرة ، وهذا واقع مشاهد ، وجعل الصراع بين العلمانيين وبين الإسلام كأنه صراع بين العلمانيين والمتطرفين الإسلاميين هو عملية خداع مكشوفة عند الكثيرين ، وحبل الخداع عموماً قصير ، كما أن العلمانيين ليس لديهم مبدأ فكري ونظام سياسي واقتصادي يتفقون عليه ، فاتفقوا أولاً فكرياً ثم أعلنوا فكركم للشعوب ولن تتفقوا أبداً حتى لو اتفقتم جزئياً ، وأقصد بالاتفاق الفكري الشامل المتكامل ، فالاتفاق الجزئي حدث حتى بين أمريكا الرأسمالية وروسيا الشيوعية على بعض الأمور ، ومن الحقائق الفكرية الواضحة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يراها العلمانيون هي أنه كلما زاد علم المسلم بالإسلام ، وزاد تطبيقه له كلما تخلص من شهواته وعصبياته العرقية وتأثير المال الحرام عليه ، وأصبحت حياته رخيصة في سبيل مبادئه ، وكان نموذجاًَ في بر والديه ، ونجاح أسرته ، واتقان عمله ، وابتعد عن النفاق والكذب واستخدم ماله بطريقة صحيحة فحب الله سبحانه وتعالى وشكره ورجاؤه والخوف منه أصل كل خير والبعد عنه أصل كل شر قال " ديل كارنجي " في كتابه " دع القلق وأبدأ الحياة " " إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق ، والتوتر العصبي ، وأن يشفيا من هذه الأمراض " (1) ويقول وليم جيمس فيلسوف المنفعة والذرائع :" إن أعظم علاج للقلق – ولا شك هو الإيمان " (2) وقال فوليتر : " لم تشككون في وجود الله ولولاه لخانتني زوجتي وسرقني خادمي " (3)

 

 

 

 

 

المرأة والعلمانية

 

أدت العلمانية بمفاهيمها المتناقضة والخاطئة إلى شقاء وتعاسة الإنسان الغربي وخاصة في عقائده وحياته الشخصية والاجتماعية ، وسنسلط الأضواء على واقع المرأة الغربية لنقتنع بأن هناك فارق كبير بين الشعارات والأهداف التي تقول العلمانية أنها تسعى لتحقيقها للمرأة وبين واقع المرأة الغربية حيث الشقاء والتعاسة والقلق والخوف والوحدة والتعب ، وذلك لأن المبادئ العلمانية خاطئة ، ولا توصل للأهداف التي تعلنها فهي مبادئ صنعها الجهل ، ولم يصنعها العلم وإليكم الأدلة :

 

1- شهادة الإحصائيات: (1) تعتبر الإحصائيات الصحيحة حقائق واقعية تعكس درجة تقدم أو تخلف مجتمع ما في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي أو غير ذلك وسنجد في الإحصائيات الاجتماعية في الدول الغربية دليلاً واضحاً على بعض جوانب الفشل العلماني وإليكم ما تقوله الإحصائيات :

أ) نسبة حالات الطلاق إلى كل مئة حالة زواج في عام 1996 هي في السويد 64% الولايات المتحدة 49% ، بلجيكا 56%  ، بريطانيا 53% ، روسيا 65% تركيا 6% ، وكان عدد حالات الزواج في الولايات المتحدة في سنة 1900 هو 709.000 حالة زواج مقابل 55.751 حالة طلاق أي 8% في حين أنها في سنة 1997 2.384.000 حالة زواج مقابل 1.163.000 حالة طلاق أي 49% وهذا يثبت أنه كلما تشبعت الولايات المتحدة أكثر بالمفاهيم العلمانية كلما تدهورت أوضاعها أكثر ، وإذا أضفنا إلى حالات الطلاق في الغرب انفصال الصديق عن صديقته ( بدون زواج ) بعد علاقة استمرت شهوراً أو سنوات نقتنع أن أوضاع المرأة الغربية مأساوية لأن للطلاق والفراق آثاراً نفسية سيئة .

ب) عدد حالات الاغتصاب المسجلة في الولايات المتحدة في سنة 1994 هي 102 ألف حالة أي بمعدل 38 لكل مئة ألف من السكان في حين أن معدلها في كندا هو 104 واستراليا 75 والصين 3.6 والسودان 1.8 وماليزيا 4.8


 

هـ ) عدد حالات الإجهاض في سنة 1995 في الولايات المتحدة 1.210.883 حالة ثمانون في المئة منها لنساء غير متزوجات ، أما عدد حالات الإجهاض في روسيا الأكثر علمانية والأكثر عداء للأديان السماوية 1990فهو 4.102.425 حالة علماً بأن عدد سكان روسيا هو 147 مليون في حين أن عدد سكان الولايات المتحدة 270مليون .

ء) عدد الأمهات غير المتزوجات لسنة 1994 في الولايات المتحدة 1.290.000 في حين أن عددهن كان في سنة 1980 666.000 أي أن الرقم تضاعف خلال أربعة عشر عاماً ، ومن أكبر الجرائم أن يولد أطفال غير شرعيين ومن هؤلاء من لا يعرف أباه أو حتى أمه وهذا يجعله يعيش في مأساة نفسية طول عمره وأعداد هؤلاء كبيرة جداً إذا جمعنا أعدادهم خلال الثلاثين سنة الأخيرة .

هـ ) عدد النساء في الولايات المتحدة ممن يبلغن 15 عاماً وأكثر ممن يعشن وحدهن 14.592.000 امرأة في حين أن هناك 10.140.000 رجل يعيشون لوحدهم أي أن هناك خمسة وعشرين مليون فرد يعيشون لوحدهم في أمريكا وهذه نسبة مرتفعة بالنسبة لعدد السكان في حين أنه في سنة 1970 كان عدد النساء اللاتي يعشن لوحدهن 7.319.000 أي أن عددهن تضاعف خلال ربع قرن .

و) في سنة 1995 يوجد في الولايات المتحدة 12.514.000 أسرة تعيلها أمرة ليس لها زوج وهناك 3.513.000 أسرة يعيلها رجل وليس له زوجة وقد كان عدد الأسر التي تعيلها امرأة في سنة 1960 هو 4.494.000 أي أن العدد تضاعف ثلاث مرات خلال 35 سنة .

ز) تقول الإحصائيات أن عدد جرائم القتل في الولايات المتحدة 15.848 في سنة 1996 وعدد المنتحرين في نفس السنة 30.862 وهناك إحصائيات تثبت أن نسب أعداد متعاطين المخدرات في الدول الغربية هي الأعلى في العالم وغالباً ما يكون الفرق شاسعاً في النسب عندما نقارنها بالدول الإسلامية في أغلب الإحصائيات الاجتماعية المتعلقة بالطلاق والعنوسة والاغتصاب والمخدرات والأبناء غير الشرعيين والسرقات ... الخ وعلينا أن نعرف أن كثيراً من الناس يجهلون هذه الحقائق الواقعية الواضحة أو علاقتها بالتفكير العلماني ومن


 

 

 

المهم أن نذكر أن المعاناة النفسية هي المنبع الأكبر لشقاء البشر وأنه ليس بالماديات وحدها يسعد الإنسان أو يشقى فأسرة فقيرة مترابطة سعيدة أرقى مليون مرة من أسرة غنية مفككة تعسة.

2- عمل المرأة : يعمل الإنسان رجلاً كان أو امرأة بهدف الحصول على أجر ليعيش منه ، وهناك حاجة لأن تعمل المرأة في كثير من المجتمعات سواء في مجال الزراعة أو التعليم أو الطب أو غير ذلك ، وهذا شيء معروف ولم تخترعه العلمانية ، ولكن العلمانية الغربية أقنعت المرأة الغربية أنه يجب عليها أن تعمل ، وأن تعتبر دورها في الأسرة دوراً ثانوياً بل غير مهم ، فالأولوية لعملها خارج المنزل ، ونجد المرأة الغربية المتزوجة والعازبة تخرج في الصباح الباكر لتواجه برودة الطقس وازدحام المواصلات ، لتعمل في وظيفة لمدة ثمان ساعات مرهقة ، وتواجه العمل بمزاياه وعيوبه لتعود في آخر اليوم متعبة لتجد المرأة المتزوجة زوجها متعباً أيضاً ، وأطفالها بحاجة إلى رعاية واهتمام وجهد وطعام ، وهي بالتأكيد ليست قادرة نفسياً ولا جسدياً على إنجاز حتى بعض هذه الأعمال مما يعني أن مسؤولياتها تضاعفت فهي تقاتل على جبهتين أحدهما خارج المنزل والثانية داخل المنزل مما يجعلها متوترة ، لأنها تحس بتقصيرها في منزلها ، أما واجباتها في العمل فإنها تؤديها بكفاءة لأن الفصل هو العقاب لو قصرت ، قالت آجاتا كريستي الكاتبة الإنجليزية للقصص البوليسية " إن المرأة الحديثة مُغفلة لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوما بعد يوم " وقالت " ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف نعود اليوم لنتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده " (1) وحتى لو كان الزوج قادراً على تحمل تكاليف الأسرة المالية فإن خوف الزوجة من الطلاق لعدم استقرار الأسرة الغربية يجعلها تهتم كثيراً بمستقبلها وتطورها الوظيفي ، أما بالنسبة للمرأة العازبة فهي تعمل حتى تسدد تكاليف معيشتها من سكن ومواصلات ومأكل وملبس ... الخ فعمل المرأة ليس ميزة حقيقة بل عبء ثقيل والدليل أن الأغلبية الساحقة وبالذات من النساء المتزوجات سيتركن العمل إذا أعطي لهن راتب بلا عمل ، ولا أدري ما هي المزايا الموجودة في عمل المرأة بائعة تقف الساعات الطوال لتتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر ، أو سكرتيرة تطبع يومياً عشرات الأوراق أو صحفية تنتقل من مكان إلى آخر وراء المشاكل


 

والهموم ، أو مديرة لتسمع شكاوى الموظفين وتتابع انتاجية العمل وكتبت الممثلة الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو قبل انتحارها " احذري المجد ، احذري من كل من يخدعك بالأضواء إني أتعس امرأة على هذه الأرض .. لم أستطع أن أكون أما ... إني امرأة أفضل البيت ، الحياة العائلية الشريفة على كل شيء " وقالت " إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة " (1)

 

3- إنهم يقتلون الحب: يجهل كثيرون منا أن كلمات مثل الحب والإخلاص والوفاء والتضحية والاستقرار والاستمرار والشوق والاحترام .... الخ بدأت تضعف وتنقرض في الحياة الغربية ، فالمعاني الحقيقية لهذه الكلمات نادراً ما تكون موجودة في الحياة الغربية وذلك لأن هذه القيم الرفيعة لا تستطيع أن تعيش في بيئة مشبعة بالفساد الأخلاقي ، ألم تقل العلمانية للمرأة وللرجل افعلوا ما شئتم فأنتم أحرار ، مما جعلهم يعتبرون ممارسة الجنس جزءاً من الحرية الشخصية ، ومن المعروف أن الرجل يزهد في المرأة عاطفياً إذا كانت على علاقة جنسية مع رجل آخر ، والمرأة الغربية ذات علاقات جنسية كثيرة ومتنوعة ، وهذه الفوضى الجنسية جعلتها رخيصة ، ولا يستطيع الحب والوفاء والإخلاص العيش في بيئة كهذه ، كما أن التبرج والمثيرات الجنسية تجعل البشر مخدرين جنسياً ومن المعروف أن أخطر أعداء الزواج هو الخيانة الجنسية للزوج أوللزوجة مما يؤدي للكراهية والعداء والجروح والندم، أي هي عملية تهز المشاعر والعواطف هزة عنيفة وقد تدمرها. والبيئة الغربية تشجع الفساد مما يزيد من نسبة الخيانة الزوجية أو خيانة الصديق لصديقته ، وكيف تصدق المرأة رجلاً يقول إنه يحبها وفي نفس الوقت لا يريد أن يتزوجها ولا يريد أن يقطع علاقته بالأخريات ، ولا يريد أن يتحمل أية مسؤوليات ، ومن المعروف أن الأمور العاطفية هي أمور هامة جداً في حياة كل إنسان ، وهذه الأمور أصابها التلف والشقاء في الغرب فلا يخدعكم إعلامهم القوي ، وتعمقوا في التأمل والشمولية حتى تقتنعوا بتعاسة الإنسان الغربي .

 

4- ارتفاع نسبة العنوسة: قد لا يعرف الكثيرون أن نسبة النساء العانسات مرتفعة جداًَ في


 

الغرب مقارنة بدول العالم ، فالعزوبية هي السائدة ، سواء كانت المرأة عانساً أو مطلقة ، ومن المعروف أن الإنسان اجتماعي بطبعه يريد أن يعيش ضمن أسرة ويكره الوحدة ، وجعلت العلمانية بفسادها الأخلاقي وبأفكارها احتمالات الحصول على زوج احتمالات ضعيفة ، وجعلت نسبة الطلاق عندما يحدث الزواج نسبة مرتفعة أي حوالي 50%. وتواجه المرأة العازبة معركة الحياة لوحدها بلا زوج ولا أبناء ولا من يحميها أو يحادثها أو يعتني بها إذا مرضت ، وعليها أن تعمل لتدفع إيجار مسكنها وتكاليف معيشتها ، وهي تخشى أن يدخل عليها لص أو عدو وتريد طفلاً تلاعبه فلا تراه إلا على شاشة التلفاز ، وتشعر بغريزتها الجنسية فلا تعرف طريقاً إلى إشباعها فتعرض نفسها رخيصة للآخرين وقد يرفضها أحدهم فتشعر بالإهانة ، وقد تقيم علاقة مع رجل لا تعرف حتى اسمه الحقيقي ، تعرفت عليه في الخمارة ، ولننقل الكاميرا إلى مجتمع إسلامي ملتزم بإسلامه حيث نسبة العنوسة متدنية جداً وغالبية النساء يعشن في بيوت أزواجهن ، والزواج يعطي المرأة الجنس والأطفال والسكن والمأكل والملبس والاحترام وزوجاً يخدمها في كثير من الأمور ، ويشاركها هموم الحياة وطموحاتها ، أما المرأة العازبة فهي تعيش في بيت أبويها أو أخيها ضمن أسرة فيها حياة وضحك وأمن وتكاتف ورحمة ... وليس عليها تكاليف مالية ، وإذا وجدت فهي قليلة وموزعة بين أكثر من طرف ، إن أي امرأة عاقلة ستقتنع بالفرق الهائل بين المجتمعين الإسلامي والغربي ، ولكن المرأة الغربية قالت وداعاً للزواج والأبناء والحب والإخلاص والاستمرار والتعاون ، فما الفائدة من مال واقتصاد وتكنولوجيا ، إذا فقدت المرأة كل ذلك ، واقتنع الغرب بأفكار علمانية خاطئة مثل قول الفيلسوفة العلمانية سيمون دي بفوار " ستظل المرأة مستعبدة حتى يتم القضاء على خرافة الأسرة وخرافة الأمومة والغريزة الأبوية " (1) أليس ما تقوله جنوناً فكرياً قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " إن الحضارة الغربية تمر بأزمة ما في ذلك شك ، فالمؤرخون وأهل هذا العصر كلهم يكادون يُجمعون على التقدم المادي والصناعي الذي هيأ للإنسان درجة من السيطرة على ما حوله لم يحلم بمثلها من قبل لم يصاحبه تقدم في نوعية العلاقات الإنسانية السائدة ، وإن الثمن المدفوع لهذا التقدم قد دفع غالياً من أمن الإنسان واطمئنانه وتناسق مكوناته النفسية ، واستقرار حياته اليومية مع نفسه وأسرته والناس جميعاً " (2)

5- جمال المرأة: لأن العلمانية لا تعرف الحقائق الفكرية فقد أخطأت في التعامل مع جمال


 

المرأة وحولته إلى شر ونقمة ، فتسليط الأضواء العلمانية على جسد المرأة جعل المرأة تضع البيض كله في سلة الجمال الجسدي من خلال المساحيق التجميلية والعطور والملابس المثيرة والرشاقة .....الخ أما الجمال المعنوي من أخلاق وذكاء وعبادة وثقافة وحكمة .... الخ فلا تجد من يهتم بها ويُشجعها ويطورها ، ومن المعروف أن نسبة النساء الجميلات محدودة ، وأن قدرة أدوات التجميل على اكتساب الجمال محدودة أيضاً كما أن قوة جذب الجمال الأصلي والمكتسب هي مؤقتة وغير قادرة على الاحتفاظ بزوج أو صديق ، وإذا أضفنا إلى ذلك أن للجمال تأثير على الرجال ، وأن من الصعب مقاومته في أحيان كثيرة ، فهذا يعني أن الزوجة الغربية الشابة والجميلة تصبح غير قادرة على المنافسة فلكل جمال جاذبيته ، ولهذا تعيش قلقة على زوجها الذي تراه يتعرض إلى مغريات جمالية في العمل والأسواق والحفلات ، وهذا يحدث أيضاً مع كل فتاة أو امرأة لها صديق وعرض الجمال بهذه الصورة يجعل الرجال يسعون وراءه ، وينتقلون من امرأة إلى أخرى وهو وضع يؤدي إلى الخيانة وإلى كساد سوق نساء كثيرات لقلة نصيبهن من الجمال ومن لم يحصل من الرجال على الجمال النسائي فهو يتألم أو يغضب أو ينتقم ، وأصبح الجمال ، إذن فتنة ومشكلة في الغرب ، وأضر كثيراً من النساء والرجال ، والرجل الغربي ممن عنده بقايا من غيرة يرفض أن تظهر امرأته أو أخته أو ابنته في مجلات خليعة ومسابقات الجمال ، ومع هذا يعتبر ظهور نساء أخريات نوعاً من الحرية والحضارة وهذا من الكيل بمكيالين والمعايير العلمانية تتحكم فيها الشهوات ، وليس العقل والعدل ، وباختصار المرأة الغربية تحارب في معركة خاسرة اسمها التنافس بل الصراع الجمالي المفتوح، وكل النساء سيخسرن في هذا السباق حتى أجمل الجميلات ، لأن الجمال أشكال وأنواع ، ولأن العمر يمضي وهذا وضع يجعل المرأة تعيش في عالم من الغيرة والخوف والحسد والتنافس والصراع ، وهذه أمور تتعب النفس والجسد ، أما التعامل الإسلامي مع الجمال فهو يعتبره كالمجوهرات يتم حجبها عن الناس قدر المستطاع ، وذلك بالحجاب والحشمة ، وهو من حق الزوج فقط فلماذا يراه الرجال الآخرون ولا نصيب لهم فيه، أليس من الأفضل أن يرى الزوج فقط جمال زوجته لا جمال الآخريات أن مثل هذا الزوج لن يزهد بزوجته حتى لو كانت عادية في جمالها ، ولن يدخل في مقارنات في شكلها ورشاقتها وكلامها وأسلوبها وطبائعها مع الأخريات ، وأليس من الأفضل للمجتمع أن يهتم الرجال والنساء بأمور حياتهم وأهدافهم وأعمالهم بدلاً من النظر إلى بعضهم البعض.

 

6- المرأة كالرجل: أقنعت العلمانية النساء أن المساواة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون في كل شيء في السياسة ، والعمل ، والحياة الاجتماعية ، وكل الحقوق ، والمشكلة في أن قدرات وصفات المرأة تختلف عن قدرات وصفات الرجل ، فالمرأة تغلب عليها العواطف ، وهي منبع الحنان والجمال والصبر والحب ، وهي أقدر على التعامل مع الأطفال وأكثر صبراً على احتياجاتهم ومشاكلهم ، ولها اهتمامات خاصة بالملابس والذهب والأثاث .... الخ في حين أن الرجل أقدر على النجاح في مجالات العمل خارج البيت ، وخاصة السياسي والعسكري والتجاري منها وهو أقل رغبة في صرف المال ، ويتعامل مع الأمور بقدر أكبر من العقل وقدر أقل من العواطف ، ولا ندري أي مزايا للرجل في العمل كجندي يتعرض للأخطار والقتل والأسر والأمراض والجوع والبرد والحر أو أي مزايا في العمل السياسي حيث الصراعات والنفاق والمكر والانقلابات والحسد والاختلاف .... الخ ، ولماذا تقول العلمانية أن المرأة مضطهدة ، ولا تقول إن الرجل كان طوال التاريخ هو وقود الحروب ، وهو يعمل كالخادم ويتعرض للأخطار لإحضار الطعام لزوجته وأبنائه ، ولماذا لم تحقق العلمانية للمرأة الغربية منصب رئيس الولايات المتحدة أو حتى نائبه خلال قرنين من الحكم العلماني ، وإذا وجدت بعض النساء قد نجحن في العمل السياسي فهذه حالات استثنائية لا يقاس عليها ، وشوهت العلمانية مكانة المرأة في الإسلام واتهمته بأنه سبب اضطهادها في بعض المجتمعات الإسلامية مع أن هذا الاضطهاد سببه عادات جاهلية أما حقوق ومزايا المرأة في الإسلام فهي كثيرة جداً ، فالزوجة المسلمة لا تواجه خيانات زوجية ، ولا زوج سكير ولا مخدرات ، ولا صراعات ولا مشاحنات بل تجد الحب والاحترام والتعاون والراحة النفسية ، ولها حق التعليم ويفتح أمامها مجالات العمل، ولكنه يراعي ظروفها وحياتها الأسرية ، ودورها في الحرب موجود ولكن في الخطوط الخلفية ، وإذا احتاجها الدين والوطن فتتقدم للخطوط الأمامية، وتعتبر الأم بالنسبة لكل رجل مسلم أهم إنسان في حياته ، وتأتي قبل أبيه الرجل ... الخ

7- الصحوة الغربية: جاء في كتاب دوافع اعتناق المرأة الغربية للإسلام – دراسة ميدانية للأستاذة هـ . بول وترجمة الدكتور وليد محمود علي هذه الآراء النسائية الغربية :

 

أ)  " الإسلام أعاد صياغة حياتي وجعل لها شكلاً وحدوداً "

 

ب) " حياتي لم تكن مستقرة ، فلا منهج ولا يقين ولا هدف واضح "

 

جـ) " لم يكن لي دين ، ولم تكن لي مقاييس للسلوك لتساعدني وقت الشدائد ... كنت محتاجة لمعرفة طريقة التصرف في ظروف معينة تكون فيها المقاييس الأخلاقية العادية عديمة الجدوى"

د) " إنني أرى الأشياء وكأنها جزء من خطة كونية ، أنا أعلم الآن موقعنا ، وما هو مطلوب منا"

هـ) " لقد دفعني الإسلام إلى إعادة النظر في طبيعة الوجود بأكملها لأعرف أخيراً قيمة الخالق ووحدانيته ، وتتضح لي طبيعة الإنسان "

و) " حياتي كانت محررة من الالتزام بالمبادئ "

ز) " القرب ، الحب ، العطف ، الحنان ... هذه هي الفوائد التي حصلت عليها "

ف) " لم تعد تصادفني أية مشكلة في العلاقات لتعكر صفوي ، بدأت ألمس يسر الأمور أكثر من السابق ، لقد أعطاني الإسلام ثقة كبيرة في التعامل مع الناس "

س) " الإسلام جعلني أشعر بالحاجة إلى ضبط حياتي بطريقة إيجابية ، ولأحرر نفسي من المقاييس الزائفة في المجتمع "

ص) " المغزى الأخلاقي في الإسلام ذو أهمية فائقة ، فلو تمسك كل إنسان بهذا المغزى، لكان العالم اليوم أحسن حالاً "

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإسلام هو العلم الفكري

 

وضحتُ سابقاً أن الإسلام هو العلم الفكري وسأحاول أن أبين هنا جوانب من هذه القضية وذلك من خلال النقاط التالية :

1) وضوح الحقائق الفكرية: العلم الفكري ( الإسلام ) واضح ، وهو موجود في القرآن والسنة، فكثير من الحقائق الفكرية الإسلامية معروفة للناس ، ولا توجد صعوبة في فهم الإسلام ، فهو ليس طلاسم ولا محتكر من قبل علماء الإسلام ، ولا توجد طبقة من رجال الدين في الإسلام ، كما أن اللغة العربية لغة واضحة ومفهومة ودقيقة وعلماء الإسلام قد يكون منهم المدرس والتاجر والعامل والسياسي والاقتصادي والطبيب ، في حين أن العلمانية لا نجد فيها علماً بل آراء فكرية متناقضة وتجد مصطلحات غامضة وكتباً كثيرة، فلا يوجد مرجع واحد للفكر العلماني ، ولا يوجد حتى اتفاق على حقيقة فكرية واحدة قال تعالى " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعُروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " (256) سورة البقرة وظن بعض العلمانيين أن سقوط الاتحاد السوفيتي جعل الفكر السائد في العالم هو الفكر الأمريكي الرأسمالي ، وأضافوا إليه وثائق وقرارات هيئة الأمم المتحدة ، واعتبروا هذا هو الفكر العصري الصحيح ، والذي اتفقت عليه دول العالم ، ونقول سيطرة أمريكا هي سيطرة اقتصادية وعسكرية وليست فكرية فالعقائد الإسلامية والمسيحية والعنصرية والهندوسية والاشتراكية وحتى الشيوعية لا زالت موجودة ، أما الغالبية الساحقة من قرارات الأمم المتحدة فهي لا خلاف عليها بين الناس كما لا خلاف على أغلب الأهداف العامة والشعارات الجميلة التي ترفعها أمريكا مثل حرية الإنسان ، وحقوق المرأة والديمقراطية وأهمية القطاع الخاص فالخلاف هو من الفكر الذي يحقق هذه الأهداف ؟ هل هو الإسلامي أو العلماني الرأسمالي أو العنصري أو العلماني الاشتراكي أو غير ذلك أو خليط من هذه المبادئ ، فما يحدث في العالم اليوم من اهتمام بالشعارات الأمريكية هو متأثر بالواقع وحقائقه الاقتصادية والعسكرية والسياسية وليس سيطرة فكرية ، فكثير من السياسيين وجدوا من مصلحتهم ومصلحة دولهم فتح الأبواب للديمقراطية والقطاع الخاص ، ليس إيماناً بذلك الفكر العلماني ، بل خضوعاًَ للمصالح والقوة ، كما أن اعتبار التجار في الدول النامية أصحاب فكر علماني تصور خاطئ ، فالتجار وراء مصالحهم من تجارة وصناعة ، وإذا كان الشيوعيون العلمانيون في السابق يعتبرون العمال والفلاحين وجميع الفقراء شيوعيين فإن


 

 

العلمانيين أو أغلبهم يخطئون إذا اعتبروا التجار علمانيين أو اعتبروا كل من يشجع القطاع الخاص ، أو يطالب بإنصاف المرأة علمانياً ، وباختصار فالفكر الإسلامي واضح ومحدد ، والفكر العلماني متناقض ومتصارع وغير معروف ومتغير ، ففي أمريكا يمكن تغيير أي قانون أو حتى مادة في الدستور بناء على التصويت ، فالشذوذ الجنسي يصبح حقاًَ وحرية إذا قرر الشعب ذلك ، وهذا ما فعلوه ، ويصبح خطأ وباطلاً إذا قرر الشعب ذلك فالفكر والحياة العلمانية بعقائدها وقوانينها وأخلاقها وعلاقاتها الاجتماعية متغيرة في حين أن علماء المسلمين وكل الشعوب الإسلامية غير قادرين على تغيير حقيقة فكرية موجودة في الإسلام فالحقائق الفكرية فوق الجميع ، ولا تخضع للتصويت والأهواء والمصالح والحلول الوسط ، قال ابن القيم رحمه الله " وعَرّفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله ، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها " وقال " وكذلك عرفهم r من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم الدنيا أعظم استقامة " (1) فإذا أردت أن تعرف الحقائق الفكرية فاقرأ القرآن الكريم وأحاديث النبي r وكتب العلماء المخلصين الواعين من أمثال الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن القيم والدكتور أحمد كمال أبو المجد والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والدكتور عمر الأشقر وغيرهم ، أما بالنسبة للاجتهادات الإسلامية على مدى التاريخ فإن فيها الصواب وفيها الخطأ ، ومن الأخطاء التي حدثت التركيز على بعض الجزئيات وتعقيد العلم بمصطلحات فلسـفية وصـوفية ومذهبـية ونحن بحاجة إلى تركيز الجهود الفكرية على القضـايا الرئيسة التي تواجـه الناس ، وتأليف كتب جديـدة تستفـيد من القرآن والسنة ، ومما كتبه علماؤنا الأفاضل ، وتتخلص من النظـرة الجزئـية والجمود الفكري والتشدد والتصوف والتعقيد وغير ذلك ، والاتفاق على الحقــائق الفكرية يُوحـد النظرة العقائدية والسياسية والاجتماعية بين الناس ممـا يؤدي إلى اتحـاد مواقفـهم من مختلف القضـايا المحلية والعالمية ، في حيـن أن اختـلاف العلمانييــن يؤدي إلـى تفرقهم، فنادراً ما يخرج العلماني من انتمـاءاته العرقية والوطنـية وشهـواته ومـصالحه ليلتف حول مبادئ محددة ، فالفلسطيني العلماني مثلاً يقاتل الإسرائيلي العلماني حتى لو كان الاثنان مخلصين للعلمانية فمواقفهما حددهما مكان ولادتهما ، وتأثرهما بالبيئة


 

المحيطة بهما لا بعقولهما ، فمن السهل الاتفاق على قضايا كثيرة بين العرب الملتزمين بإسلامهم ، لأن الوحدة الفكرية هي أساس البناء والتعاون ، أما الاتفاق بين المسلمين والعلمانيين أو العلمانيين أنفسهم فهي اتفاقات جزئية ومؤقتة وذات فوائد محدودة وهذه الحقيقة الفكرية كثيراً ما غابت عن أهل الإصلاح في الأمة مما أضاع طاقات وجهوداً كبيرة وكثيرة .

 

2- وجوب العلم والعمل والإخلاص: أخطر أعداء العلم الفكري هو الجهل به ، وعدم تطبيقه في الواقع وفي الإسلام اهتمام كبير بطلب العلم ، قال تعالى " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " سورة الزمر (9) وقال تعالى " وقل ربَّ زدني علما " سورة طه (114) فمعرفة الحقائق الفكرية واجب وهناك حد أدنى لا يُقبل أقل منه ، فلابد أن تعرف العقائد الصحيحة من صفات الله سبحانه وتعالى ، ولماذا خلقك ؟ وما تحتاج إليه في حياتك الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعبادية ، وذلك من خلال التعليم والقراءة والسؤال ، قال تعالى " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " سورة الأنبياء / 7 سورة النحل / 43 وأول آية نزلت في القرآن هي " اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) سورة العلق ، أما بالنسبة للعمل فهو ضروري وواجب قال r " الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل " والمعرفة بدون تطبيق هي معرفة إبليسية ، فتحويل الحقائق الفكرية إلى واقع في شتى مجالات الحياة دليل على الاقتناع بها، ويضيف الإسلام إلى العلم والعمل شيئاً هاماً جداً وهو النوايا الصادقة، والإخلاص أي يكون هدفك الأول هو رضى الله سبحانه وتعالى، فالعلم واكتسابه ونشره هدفه كسب رضى الله وليس الشهرة أو مجادلة الآخرين والعمل من زكاة وصدقة وجهاد وقول هدفه رضى الله وهكذا.

 

3- ما هو الإيمان ؟ : الإيمان هو الوصول بالعقل للحقائق الفكرية ، والالتزام بها ، وهو معرفة ما هي المبادئ الصحيحة ، وتطبيق ما نستطيع منها ، فالمسلم يدافع عن الحق والعدل الصحيح والحرية الصحيحة والمساواة الحقيقية .. الخ أما الكفر فهو رفض الحقائق الفكرية " الإسلام " مع الاقتناع بصوابها ، وبوجود البينات على صحتها، فالمعرفة وحدها مع عدم التطبيق هي معرفة إبليسية ، ورفض الحقائق يحدث نتيجة مصالح وهمية ، أو من أجل عقائد


 

 

 

 

باطلة ، أو عناداً ، أو غروراً ، أو هو الجهل الشديد بعدم قبول الأدلة العقلية الواضحة على وجود الله سبحانه وتعالى وصدق محمد r ، وهناك من قال أن هذا يعتبر جاهلاً وليس كافراً والأمر فيه اختلاف أما المعصية فهي بشكل عام عدم الالتزام أحياناً بالحقائق الفكرية مع الاقتناع والإيمان بصوابها، وهذا الانحراف يحدث نتيجة ضعف أو هوى أو شهوة أو خوف أو غير ذلك أما من يرفض حقيقة فكرية قرآنية واضحة فهو كافر حتى لو آمن بأغلب الحقائق القرآنية ، وكذلك من يعادي المسلمين الملتزمين لأنه يعادي من أطاعوا الله سبحانه وتعالى ، وطبقوا الحقائق الفكرية ، وهذا وما شابهه عداء للعلم الفكري والحقائق والعقول السليمة والنفوس الزكية والعدل والحرية ، وهذا هو الفساد الذي تشكو منها البشرية ، وعكسه هو الإصلاح ، فالعمود الفقري للإصلاح هو أن تقتنع عقولنا بالعلم الفكري بعقائده وشريعته وعبادته، وتلتزم نفوسنا به ، فإذا أصلحنا عقائدنا فقد قفزنا خطوات في الإصلاح ، وإذا حاربنا النفاق وتعاملنا بالصدق فقد حققنا قفزات أخرى ، وإذا تحركنا للصلاة في المساجد خمس مرات يومياً فقد غسلنا قلوبنا من كثير من الأمراض كالحسد والغرور والطمع والكراهية ، وهكذا والحمد لله الذي سهل لنا سبيل الإصلاح ، ولو أدركت الشعوب هذه الحقائق الفكرية وكانت جادة في رغبتها واستعدادها لقضت على كثير من أسباب الصراعات والشر الحالية ، ولعلمت أن الاطروحات العلمانية هي التي جعلتها تنتقل من شقاء إلى آخر، ومن مصيبة إلى كارثة ، ومن تعاسة إلى قلق، فالحقائق الفكرية هي التي تحدد لنا المفاهيم الصحيحة للإيمان والكفر والعدل والحرية والمساواة والرحمة والعقاب والعبادة والعلاقات الاجتماعية والأنانية والتواضع والعز والغرور والذل ... الخ وهي تُوجد تكاملاً وتوازناً صحيحاً بين كل ذلك ، فلا يطغى العلم على العمل ، ولا المصلحة الشخصية على مصلحة الجماعة ، ولا الروحانيات على الماديات ، ولا المستقبل على الحاضر ، ولا الزوج على الزوجة ، ولا الجسد على النفس ، ولا الحكومة على الشعب ... الخ ولا عكس ذلك ، وهذه الحكمة تتأقلم مع اختلاف الزمان والمكان والبشر والظروف.

 

4- تبليغ الحقائق الفكرية: فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين نشر الحقائق الفكرية وإبلاغها للناس ، قال تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " سورة النحل (125) وجعل نشر هذه الحقائق من أهم الأمور في حياة المسلم، وعليه أن يبلغها للآخرين ، وكانت الفتوحات الإسلامية تسعى لنشر الإسلام وإبلاغه للناس ،


 

 

 

وتحطيم الباطل الفكري سواء كان عقائد أو عبادات أو أحكاماً ، ولم تكن حروباً ذات هدف مادي أو سياسي و عنصري فمن لا يحارب الحقائق الفكرية الإسلامية فلا يتم حربه ، وجعل الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً من الواجبات الرئيسة في المجتمع المسلم لتصحيح الانحرافات النظرية والعملية في مجال الحقائق ، قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون على الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105) سورة آل عمران وقال r : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما صنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " رواه أبو داود والترمذي ، وقال r " أفضل الجهاد كلمة عدل ( وفي رواية : حق ) عند سلطان جائر " (1) أي بيان حقيقة فكرية فإذا وجدت مجتمعاً مسلماً يرى الظلم والانحرافات ولا يتحرك ، فأعلم أنه مجتمع لا إيمان له أو ذو إيمان ضعيف، فالإسلام يجعل الحقائق الفكرية أمانة في عنق كل مسـلم يجب أن يقـولها ويلتزم بها ويدافـع عنها ويخالف أهواءه وشهواته وأسرته وعائلته وقبيلته وشعبه وأمته والبـشر عامة في سبـيل ذلك ، وقديماً قالوا " إذا قلت الحق أبغضوك " أما بالنسـبة للعلمـانية فإن العلماني، إذا كان مقتنعاً بآراء فكرية معينة ويعتقد أنها حقـائق فكرية فلا يُوجد ما يجبره على تطبيـقها حتى على نفـسه فهو، حر حتى في الكفر بآرائه واقتناعـاته وكذلك لا يُوجد ما يدفعه إلى نشـرها وإبلاغها للناس والتضحية بوقته وماله ناهيك عن الدفاع عنها ، كما أن تنظيم دعوة علمانية بين مجموعة أفراد علمانيين قضية صعبة إن لم نقل مستحيلة ، فلا يوجد فكر محدد يراد تبليغه ، فالآراء متناقضة ، وإذا كان هناك اتفاق على رأي أو موقف أو أكثر فهو اتفاق محدود مقارنة


 

بخلافات جذرية هائلة بين العلمانيين فهم مجموعة متنافرة أو مفككة ومتصارعة والدعوة الإسلامية ليس هدفها الجدل أو احراج الآخرين أو السخرية منهم ، قال تعالى " ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون " سورة الزخرف (58) وقال بعض السلف " إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل ، وإذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل " (2) وقيل لمالك : الرجل يكون عالماً بالسنة ثم يجادل عنها قال : لا ولكن يخبر بالسنة ، فإن قبل منه وإلا سكت " وقال : المراء والجدل في العلم يذهب بنور العلم (1) قال تعالى " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " سورة الفرقان (63) ومن المعروف أن العلمانية قائمة على الجدل ، بل جعلته كأنه هدفها في الحياة وفرق شاسع بين جدل وعلم.

5- التحالف الأبدي: قال الإمام علي كرم الله وجهه " اعرف الحق تعرف أهله " فالحق أي الحقائق الفكرية أي الإسلام هو أساس تحديد الآراء والمواقف والدساتير والقوانين والحقوق والواجبات والحياة الزوجية والشخصية ... الخ فالمسلم يجد نفسه مجبراً على تحالف أبدي مع الحق وليس له خيار آخر فلا يبني حياته على تحالف مع حكومة أو جماعة أو حزب أو قبيلة أو عائلة أو فرد بل يدور مع الحق حيث دار ، والحق فوق كل ذلك ، وهو مقتنع بأن مصالحه وأهدافه مع الحق حتى لو رأى ظاهريا أنه يخسر ويتعب ويختلف مع أقرب الناس إليه ، قال تعالى " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " سورة الحج (40) ونقول إن أغلب ما في مجتمعاتنا من الخير والوعي والإخلاص جاء نتيجة ، إيماننا بالإسلام ، وكل الانحرافات جاءت نتيجة ضعف الإيمان أو غيابه أو الجهل بالإسلام ، وإذا قبلنا التنازل عن مبادئنا الإسلامية فسيكون من السهل التنازل عن الدستور والقانون ، فلا شيء يهم ، وسنجعل المصالح الشخصية والعصبيات العرقية والشهوات وغير ذلك هي التي تتحكم بنا ، فالدستور ليس هو الذي خلقني والقانون ليس الذي يرزقني ، ومصلحتي الشخصية ستكون عندي أهم من مصلحة الشعب ورأي الشعب والتصويت ، ولنتأكد بأن من يبيع إسلامه يبيع تقريباً كل شيء ولا توجد عقائد أو فلسفة ستقنع الإنسان العاقل بأن يطيع قانوناً أو شعباً أو حكومة أو أباً أو أماً ويكفر بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله ، فالدافع الأول للخير والعدل وبر الوالدين ... الخ هو طاعة الله والالتزام بالحقائق الفكرية ( الإسلام ).

 

 

6- نور الحقائق الفكرية: لا يصل للحقائق الفكرية ويستفيد منها إلا من يؤدي الطاعات ويبتعد عن المعاصي قال تعالى " إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " سورة المنافقون (6) وقال تعالى " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " سورة المائدة (51) فالمعاصي ظلام ، والعلم الفكري نور ، وهما شيئان متنافران قال الإمام الشافعي رحمه الله :

    شكــوت إلى وكيــع سـوء حفظـي          

                               فأرشــدني إلى تـــرك المعاصـــي

    وأخــبرني بأن العـــلم نــــور                

                               ونــور الله لا يهـــدى لعاصــــي

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عندما سئل : من نسأل بعدك ؟ فقال سل عبد الوهاب : قيل : إنه ليس له اتساع في العلم ، فقال أبو عبد الله : إنه رجل صالح مثله يُوفق لإصابة الحق (1) وقال عن معروف : معه أصل العلم خشية الله ، وقال ابن مسعود وغيره : كفى بخشية الله علماً وكفى بالإغترار بالله جهلاً ، وقال بعض السلف : ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية وقال بعضهم : من خشي الله فهو عالم ، ومن عصاه فهو جاهل " (2) وقال سفيان بن عينية : ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر ، ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتبعه ، ويعرف الشر فيجتنبه " فإذا رأيت كثيراً من الناس من سياسيين وتجار وإداريين وعمال وأزواج وزوجات يخطئون في قراراتهم أو أعمالهم أو حياتهم الاجتماعية أو تربية أبنائهم أو تخطيطهم لمستقبلهم أو غير ذلك أخطاء كبيرة وواضحة وفي أمور منطقية وعقلية ولا اختلاف حولها فأعلم أن ضياعهم حدث لأنهم لا يرون الحقائق الفكرية مما جعل حياتهم قلق وفشل وتعاسة ، فوجود الخبراء والمستشارين والأذكياء والخبرة والشهادات العلمية والأصدقاء والكتب المفيدة لن يؤدي إلى رؤية حقائق الحياة الفكرية والاستفادة منها إذا لم يكن الإنسان ملتزماً بطاعة الله ومبتعداً عن المعاصي ، فإذا أقنعك عقلك بأن مصلحتك الشخصية أو سعادتك هي في الانحرافات والمعاصي فأعلم يقينا أنك ترى مصالح وهمية وسراباً ، وأعلم أن


عقلك يخدعك ، وتذكر أن من يبتعد عن الطاعات يبتعد عن النور ألا هل بلغت اللهم فأشهد .

 

7- العلم الفكري أهم من المال: هذه حقيقة فكرية يجهلها كثير من الناس ، وأحد أهم أدلة انتشار الجهل العلماني بين الناس هو اقتناعهم بأن المال أهم من العلم الفكري ، ولو حكموا عقولهم لاقتنعوا بالعكس ، فالعالم اليوم غير مقتنع ليس فقط بالإسلام ، بل ليس مقتنعاً بأن هناك حقائق فكرية ، وعلم فكري ، فالمهم هو المال والتجارة والاقتصاد والبطالة وأسعار الأسهم ، قال ابن القيم رحمه الله " وفضل العلم على المال يُعلم من وجوه : أحدها أن العلم ميراث الأنبياء ، والمال ميراث الملوك والأغنياء ، والثاني أن العلم يحرس صاحبه ، وصاحب المال يحرس ماله ، والثالث أن المال تُذهبه النفقات ، والعلم يزكو على النفقة ، والرابع أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله ، والعلم يدخل معه قبره ، والخامس أن العلم حاكم على المال ، والمال لا يحكم على العلم ، والسادس أن المال يحصل للمؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن ، والسابع أن العالم يحتاج إليه الملوك فمن دونهم ، وصاحب المال إنما يحتاج إليه أهل العدم والفاقة ، والثامن أن النفس تشرف وتزكو بجمع العلم وتحصيله ، وذلك من كمالها وشرفها ، والمال لا يزكيها ولا يكملها ولا يزيدها صفة كمال ، بل النفس تنقص وتشح وتبخل بجمعه والحرص عليه ، فحرصها على العلم عين كمالها ، وحرصها على المال عين نقصها ، والتاسع أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخيلاء ، والعلم يدعونا إلى التواضع والقيام بالعبودية ، فالمال يدعونا إلى صفات الملوك ، والعلم يدعوها إلى صفات العبيد، والعاشر أن العلم جاذب موصل إلى سعادتها التي خُلقت لها ، والمال حاجب بينها وبينها ، والحادي عشر أن غنى العلم أجل من غنى المال ، فإن غنى المال بأمر خارجي عن حقيقة الإنسان لو ذهب في ليلة أصبح فقيراً معدماً ، وغنى العلم لا يُخشى عليه الفقر بل هو في زيادة أبدا " فالمسلم الواعي لحقائق الإسلام الفكرية يعلم أشياء كثيرة منها ، أن العلم أهم من المال بكثير في حين أن العلماني يسعى ليلاً ونهاراً وراء المال والمنصب والشهوات ، ويعتبر ذلك أهم شيء في الحياة ، وأهم من الحقائق الفكرية .

 

8- من حصون الحقائق: حرص الإسلام على قضايا كثيرة تحمي العلم الفكري منها الفرق بين الشريعة والفقه، فالشريعة هي حقائق فكرية والفقه اجتهادات بشرية في سبيل الوصول إلى الحقائق وهو يحتمل الصواب والخطأ ، والعلماء ليسوا معصومين كما حذر من الظن


 

 

 

والسطحية والسرعة في الوصول إلى الاقتناعات والقرارات ، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم " سورة الحجرات (12) ودعا إلى تجميع المعلومات من مصادر صحيحة ، ودعا للتفريق بين النظرية والأفراد ، وطالبنا بأن نعرف الحق حتى نعرف أهله وفرض علينا أن نعدل ونقول الحق حتى لو كان لأعدائنا ، وأن لا تأخذنا العواطف والأهواء ، ورفض مبدأ تقليد الآباء والأجداد في عقائدهم وأعمالهم إذا كانت خاطئة ودعا للتفكير والنقاش الهادي الرفيع ومشاورة العلماء وحرية الرأي والاجتهادات أي بذل الجهد في سبيل تجميع الحقائق ودعا إلى معرفة الواقع والرأي الجماعي وتحكيم الأغلبية الواعية المخلصة ، وليست أي أغلبية في كثير من القضايا الاجتهادية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ودعا إلى الاستماع للآخرين وآرائهم وعقائدهم ومجادلتهم بالحسنى ودعا إلى الواقعية في قضايا التعامل مع الواقع ، ودعا في نفس الوقت إلى الالتزام بالمبادئ وإعلانها ، ورفض النظر بمثالية للأمور ، وأن نبتعد عن الشبهات ، ودعا إلى مشاركة الآراء من مختلف التخصصات ذات العلاقة في الموضوع الاجتهادي سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً واهتم الإسلام بمكانة العلماء واحترامهم ، وحذرنا من أن يصل المسلم إلى اقتناع أو ينفذ عملاً بدون أن يعرف الحقيقة الفكرية في هذا الموضوع ، كما نشاهد في حياة كثير من المسلمين حيث يتعاملون في حياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية دون فهم لحقائق الإسلام ، فيعتمدون على آراء شخصية أو معلومات خاطئة أوظنون أو يشككون في النوايا أو يرون أجزاء من الصورة ودعا إلى تقليل الكلام والتحذير من خطره ، ودعا إلى إشغال أوقاتنا بما يفيد من علم وقراءة وعلم ورياضة ، قال رسول الله r : " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يُستجاب لها " وعن زيد بن أسلم قال قيل يا رسول الله : ما أعلم فلاناً قال بم قالوا : أنساب الناس قال : " علم لا ينفع وجهالة لا تضر " فلا وقت عند المسلمين لعلوم لا تنفع ، وتفاصيل دقيقة غير هامة في التاريخ وفي حياة الناس الشخصية وللنقاشات الفلسفية ولعلوم الموسيقى والرسم والروايات والأفلام الهابطة والأغاني والتعمق في أنواع الملابس والساعات والأحذية والأثاث ... الخ ما أمرنا الإسلام به يجعل الإنسان قريبا من الحقائق الفكرية ومن القضايا العملية التي تفيد عقله ونفسه وجسمه وتفيد الشعوب والأمم .

 

 

 

 

 

كتب المؤلف

 

1- الطريق إلى الوحدة الشعبية " دعوة لبناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي "

2- الطريق إلى السعادة

3- إصلاح الشعوب أولاً

4-  لا للتعصب العرقي

5-  عجز العقل العلماني

6-  الكويت الجديدة

7- العلمانية في ميزان العقل

8- العلمانية تحارب الإسلام

9-  تطوير البحث العلمي الخليجي " تحت الإعداد " 



  1. (1) ص 135 الجفوة المفتعلة بين العلم والدين الأستاذ محمد علي يوسف
  2. (2) ص 102 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان
  3. (1) ص 197 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  4. (2) ص 11 الفلسفة أنواعها ومشكلاتها الأستاذ هنترميد ترجمة د. فؤاد زكريا
  5. (3) ص 57 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  6. (1) ص 140 مشكلة العقل والحقيقة الأستاذ يوسف أبو الهيجاء
  7. (1) ص 188 مشكلة العقل والحقيقة الأستاذ يوسف أبو الهيجاء
  8. (1) ص 11 مشكلة العقل والحقيقة الأستاذ يوسف أبو الهيجاء
  9. (1) ، (2) ص 9 ، ص 10 العلمانية في الإسلام الأستاذة أنعام أحمد قدوح
  10. (3) ص 10 المصدر السابق
  11. (4) ص 12 المصدر السابق
  12. (1) هذه المصطلحات ومعانيها تجدها في كتاب الفلسفة أنواعها ومشكلاتها تأليف هنترميد ترجمة د. فؤاد زكريا
  13. (1) ص 269 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  14. (1) ص 142 سقوط الغلو العلماني د. محمد عمارة
  15. (1) ص 54 التفكير الأستاذ تقي الدين النبهاني
  16. (1) ص 171 الفلسفة : أنواعها ومشكلاتها الأستاذ هنترميد ترجمة د. فؤاد زكريا
  17. (1)، (2) ص 29 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان
  18. (3) ص 9 الفلسفة أنواعها ومشكلاتها الأستاذ هنترميد ترجمة د. فؤاد زكريا
  19. (4) ص 121 الفلسفة المعاصرة في أوروبا أ.م. بوشنسكي ترجمة د. عزت قرني
  20. (5) ص 80 المصدر السابق
  21. (6)، (7) ص 28 الفلسفة أنواعها ومشكلاتها الأستاذ هنترميد ترجمة د. فؤاد زكريا
  22. (1) ص 29 المصدر السابق
  23. (2) ص 381 الأسس الفلسفية للعلمانية الأستاذ عادل ضاهر
  24. (1) ص 40 بينات الحل الإسلامي د. يوسف القرضاوي
  25. (2) ص 25 رسالة التقليد لابن القيم
  26. (1) ص 37 رسالة التقليد لابن القيم
  27. (2)، (3)، (4)، (5) ص 119 ص 10 ص 126 ص 20 ذم الجهل وبيان قبيح أثره د. محمد بن سعيد بن رسلان
  28. (1) ص 6 ذم الجهل وبيان قبيح أثره د. محمد بن سعيد بن رسلان
  29. (1) ص 255 العلمانية للأستاذ سفر الحوالي
  30. (1) ص 142 العلمانية النشأة والأثر في الشرق والغرب الأستاذ زكريا فايد
  31. (1) ص 9 الفلسفة المعاصرة في أوروبا أم بوشنسكي ترجمة د. عزت قرني
  32. (2) ص 16 الفلسفة أنواعها ومشكلاتها الأستاذ هنترميد ترجمة د. فؤاد زكريا
  33. (1) ص 43 القسطاس المستقيم الإمام أبو حامد الغزالي
  34. (2) ص 41 المصدر السابق
  35. (3) ص 42 المصدر السابق ، القسطاس ميزان العدل ، القسط العدل
  36. (1) ص 11 الجفوة المفتعلة بين العلم والدين الأستاذ محمد علي يوسف
  37. (2) ص 62 المنقذ من الضلال الإمام أبو حامد الغزالي
  38. (1) ص 134 العلمانية النشأة والأثر في الشرق والغرب الأستاذ زكريا فايد
  39. (1) ص 58 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  40. (2) ص 50 المنقذ من الضلال الأمام أبو حامد الغزالي
  41. (1) ص 68 العقيدة في الله دكتور عمر الأشقر
  42. (2) ص 79 في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق د. إبراهيم مدكور
  43. (3) ص 43 الجفوة المفتعلة بين العلم والدين الأستاذ محمد علي يوسف
  44. (4) ص 26 الفلسفة أنواعها وأشكالها هنترميد ترجمة د. فؤاد زكريا
  45. (1) ص 91 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  46. (2) ص 39 تهافت الفلاسفة الإمام أبو حامد الغزالي
  47. (3) ص 58 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  48. (4) ص 141 الجفوة المفتعلة بين العلم والدين الأستاذ محمد على يوسف
  49. (1) ص 131 الرسل والرسالات د. عمر الأشقر
  50. (2) ، (3) ص 132 الرسل والرسالات د. عمر الأشق
  51. (4) ص 133 الرسل والرسالات د. عمر الأشقر
  52. (1)، (2) ص 14 لماذا رفضت الماركسية ؟ د. مصطفى محمود
  53. (3) النوء : المطر
  54. (1) ص 3 الجزء الثالث – إعلام الموقعين عن رب العالمين – ابن القيم
  55. (2) ص 204 الرسل والرسالات د. عمر الأشقر
  56. (1) راجع كتاب علامات النبوة للأستاذ عبد الملك علي الكليب
  57. (1) ص 366 صيد الخاطر للإمام ابن الجوزي
  58. (1) ص 123 هوامش على كتاب نقد الفكر الديني الشيخ محمد حسن آل ياسين
  59. (1) ص 123هوامش على كتاب نقد الفكر الديني الشيخ محمد حسن آل ياسين
  60. (2) ص 142 الجفوة المفتعلة بين العلم والدين الأستاذ محمد علي يوسف
  61. (3) ص 66 لماذا رفضت الماركسية د. مصطفى محمود
  62. (4)، (5) ص 35 ، ص 38 الفجوة المفتعلة بين العلم والدين الأستاذ محمد علي يوسف
  63. (1) ص 35 الأحد 14 / 3 / 1999 جريدة القبس الكويتية
  64. (2) ص 64 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان
  65. (3) ص 9 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان
  66. (1)، (2) ص 17 ، ص 19 الدين والعلوم العقلية الأستاذ عبد الباري الندوي
  67. (3)، (4) ص 202 ، ص 203 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  68. (5) الفلسفة المعاصرة في أوروبا أ.م- بوشنسكي ترجمة د. عزت قرني
  69. (1) ص 479 صيد الخاطر – للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
  70. (1)، (2) ص 37 ، ص 38 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان
  71. (3) ص 20 الدين في مواجهة العلم الأستاذ وحيد الدين خان
  72. (1) ص 10 الإلحاد : أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق
  73. (1) ص 7 لا نزاع بين الدين والعلم في المنهج والموضوع د. عبد الحليم عويس
  74. (2) ص 14 الإلحاد : أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق
  75. (1) ص17 لا نزاع بين الدين والعلم في المنهج والموضوع د. عبد الحليم عويس
  76. (1) ص 18 المصدر السابق
  77. (2) ص 20 لا نزاع بين الدين والعلم في المنهج والموضوع د. عبد الحليم عويس
  78. (1) ص 79 بينات الحل الإسلامي د. يوسف القرضاوي
  79. (1) ، (2) ص 16 ، ص 17 فقه الواقع بين النظرية والتطبيق على بن حسن الحلبي الأثري
  80. (3) ص 94 حوار لا مواجهة د. أحمد كمال أبو المجد
  81. (1) ص 122 العلمانية النشأة والأثر في الشرق والغرب الأستاذ زكريا فايد
  82. (1) ص 208 حوار لا مواجهة د. أحمد كمال أبو المجد
  83. (2) ، (3) ، (4) ص 25 ، ص 26 سقوط الغلو العلماني د. محمد عمارة
  84. (5) ، (6) ص 101 ، ص 102 القسطاس المستقيم الإمام أبو حامد الغزالي
  85. (1) ص 93 التفكير الفلسفي في الإسلام الشيخ عبد الحليم محمود
  86. (2) ص 42 العقيدة في الله د. عمر سليمان الأشقر
  87. (3) ص 47 مواقف أهل السنة من المناهج المخالفة لهم – الأستاذ عثمان علي حسن
  88. (4) ص 42 العقيدة في الله د. عمر سليمان الأشقر
  89. (5) ص 59 المنقذ من الضلال للإمام ابن حامد الغزالي
  90. (6) ص 43 العقيدة في الله د. عمر الأشقر
  91. (1) ص 26 الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية المستشار سالم البهنساوي
  92. (2) راجع تفصيل ذلك في المصدر السابق
  93. (1) ص 258 المقدمة في فلسفة الدين الأستاذ أديب صعب
  94. (1) 128 سقوط الغلو العلماني د. محمد عمارة
  95. (2) ، (3) ص 246 المسلمون بين العلمانية وحقوق الإنسان الوضعية د. عدنان علي النحوي
  96. (1) ص 89 الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه د. إبراهيم مدكور
  97. (1) ، (2) ، (3) ص 174 ، ص 177 ، ص 177 بينات الحل الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي
  98. (4) ص 90 حوار لا مواجهة د. أحمد كمال أبو المجد
  99. (1) ص 61 الإسلام لا العلمانية المستشار سالم البهنساوي
  100. (1) ص 23 الإسلاميون والحوار مع العلمانية والدولة والغرب الأستاذ هشام العوضي
  101. (1) ص 5 الأسس الفلسفية للعلمانية الأستاذ عادل ضاهر
  102. (2) ص 43 الإسلام لا العلمانية : للمستشار سالم البهنساوي
  103. (1) ، (2) ص 50 بينات الحل الإسلامي د. يوسف القرضاوي
  104. (3) ص 51 المصدر السابق
  105. (1) هذه الإحصائيات موجودة في تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية وكتاب التايم ألومانك سنة 1999
  106. (1) ص 435 العلمانية الأستاذ سفر الحوالي
  107. (1) ص 436 العلمانية الأستاذ سفر الحوالي
  108. (1) ص 364 المسلمون بين العلمانية وحقوق الإنسان الوضعية د. عدنان علي النحوي
  109. (2) ص 68 حوار لا مواجهة – د. أحمد كمال أبو المجد
  110. (1) ص 656 العلمانية الأستاذ سفر الحوالي
  111. (1) حديث رقم 491 سلسلة الأحاديث الصحيحة مجلد (1) الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
  112. (2) ص 34 فضل علم السلف على الخلف ابن رجب البغدادي الحنبلي
  113. (1) ص 35 المرجع السابق
  114. (1) ص 10 كتاب الورع – للإمام أحمد بن حنبل – دراسة وتحقيق الأستاذ محمد السيد بسيوني زغلول
  115. (2) ص 46 فضل علم السلف على الخلف – ابن رجب البغدادي الحنبلي
  116. ============

عجز العقل العلماني / عيد الدويهيس

  عجز العقل العلماني  عيد الدويهيس  حقوق الطبع حقوق طبع هذا الكتاب مهداة من المؤلف إلى كل مسلم وجزى الله خيراً من طبعه أو أعان ع...